برؤى جديدة ومختلفة مخرجون تناولوا قضايا تؤرق القارة الإفريقية (التطهير العرقي.. الرشوة والفساد.. الهجرة..ختان الفتيات.. زواج القاصرات.. والموت الرحيم…)…
بيت الفن
تميزت فعاليات الدورة الرابعة والعشرين للمهرجان الدولي للسينما الإفريقية (11 – 18 ماي 2024) بعرض باقة من أحدث ما أنتجته القارة الإفريقية من أفلام لمخرجين معظمهم شباب يسعون إلى إثبات أنفسهم رغم العقبات الإنتاجية.
أفلام متفاوتة المستوى، لكنها متنوعة، إذ تناول مواضيع وقضايا تؤرق القارة الإفريقية مثل قضايا التطهير العرقي، الرشوة والفساد، ختان الفتيات وزواج القاصرات، الموت الرحيم….
“سيرفيس تو هارت” فيلم عن الموت الرحيم للأطفال المصابين بأمراض مستعصية
انطلقت عروض المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة، بالفيلم الزامبي الطويل “سيرفيس تو هارت”، لمخرجه بول إس. ويلو، الذي قارب موضوعا شائكا، ويتعلق الأمر بالموت الرحيم للأطفال المصابين بأمراض مستعصية.
ويحكي الفيلم، على مدى 112 دقيقة، قصة إليزاببت فاتو نجامبا من عائلة ثرية، لكنها فضلت الحب عن الثروة، لكن اختيارها لم يكن موفقا، حسب شقيقتها، حيث عاشت 8 سنوات من التضحية والعذاب، لتلجأ خفية إلى معاقرة الخمر للتخفيف من آلام واقعها المر، المتمثل في الموت الذي يهدد طفلتها المصابة بالشلل الدماغي، لتستسلم في الأخير لفكرة أختها التي دعتها إلى اللجوء إلى الموت الرحيم كطريقة وحيدة لتخليص ابنتها من عذابها، وهو القرار الذي سيرفضه والد الطفلة، الذي يموت في ظروف غامضة، بينما سينتهي الأمر بأرملته إلى الحمق بعد فقدان كل شيء.
LE GALOPE فيلم وثائقي بوركينابي حول قيمة الجوائز السينمائية
في المسابقة ذاتها تم عرض الفيلم الوثائقي “LE GALOPE” (الركض)، لمخرجته البوركينابية، إليونوري يماييغو.
ويحيل عنوان الفيلم على حصان ينينغا الذهبي وهي أرفع جائزة يقدمها أقدم مهرجان للسينما الإفريقية الفيسباكو، الذي تحتضنه العاصمة البوركينابية وغادوغو، ويركض من أجل حصان ينينغا الذهبي جل المخرجين الأفارقة.
ويحكي الفيلم على مدى 80 دقيقة، قصة 4 سينمائيين أفارقة، وهم في طريقهم للظفر بإحدى الجوائز بمهرجان “الفيسباكو 2021 في دورته 27″، مستعرضا ظروف هؤلاء الأربعة ومشاعرهم وتخوفاتهم.
كما يطرح الفيلم أهمية الجوائز وقيمتها بالنسبة للمخرجين، فهي تمنحهم التألق، إذ تحصل الأعمال الفائزة بتغطية إعلامية مكثفة، كما تمنح الجوائز شهرة للفيلم والمخرج معا، وتؤدي دورا كبيرا في ضمان مستقبلهم المهني، إذ يجلب صدى الجوائز تمويلا مستقبليا للمخرج أو السيناريست أو الممثل في الفيلم المتوّج.
ورغم ذلك يرى المخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو أن الجوائز تبقى نسبية وذاتية مرتبطة بأمزجة لجان، وبالتالي فهي لا تعد حكما موضوعيا على الأفلام، التي قد تفشل في التتويج بمهرجان، وتنجح في آخر، لذلك فإن جودة الفيلم يحددها الزمن لا الجوائز، لأن الأفلام الجيدة هي التي تعيش طويلا.
“كواليس” فيلم مغربي تونسي ينزع الأقنعة عن أبطاله (جائزة الإخراج)
عروض اليوم الأول اختتمت بعرض فيلم “كواليس” إنتاج مغربي تونسي، من إخراج عفاف بن محمود وخليل بنكيران.
الفيلم يجمع بين الدراما والرقص والموسيقى، فهو يبدأ باستعراضات راقصة بالموسيقى وحدها من دون حوار. بعدها تقرر الفرقة مواصلة الجولة التي بدأتها منذ أشهر، ولم يتبق لديها سوى محطة أخيرة. لكن عايدة (عفاف بن محمود ذاتها) تصاب برضوض، حين يسقطها شريكها في الاستعراض والحياة من دون قصد على الأرض. ومع ذلك تصر على ركوب الحافلة التي ستقل الجميع إلى وجهتهم الأخيرة.
في جوف الليل تتوقف الحافلة على طريق مقطوعة بسبب عطل مفاجئ، يجبر أفراد الفرقة على المشي صوب أقرب بلدة لطلب المساعدة، ليجدوا أنفسهم أمام متاهة غير متوقعة، وأمام تحدي إنقاذ العرض الأخير.
تقول عفاف بن محمود إن قصة الفيلم غير حقيقية، لكنها مستوحاة من حكايات عاشتها، مشيرة إلى أنها دخلت عالم الفن منذ صغرها راقصة باليه، ومن ثم ممثلة مسرح، وعاشت تفاصيل الفرقة وفكرة التجوال، لذا فإن ما كتبته مستوحى من أشياء عاشتها.
وعن كيفية العمل بينها وبين زوجها خليل بنكيران، أوضحت عفاف: أنها كتبت السيناريو وعرضته على زوجها لخبرته في قراءة الأفلام فقال لها إن الفكرة جديدة ومختلفة عن قصص السينما العربية، ولم تفكر حينها بأنها ستخرج الفيلم معه، فقد كان خليل يقرأ ما تكتبه، ويقترح إضافات، وقد عملا كثيرا على القصة والسيناريو وتناقشا في تفاصيلهما قبل أن يشرعا في تحويله إلى فيلم، ويجرد الفيلم أبطاله من جميع العوالم التي تحيط بهم وينزع عنهم كل الأقنعة ليظهر كل واحد منهم على حقيقته.
“طاكسي وارين”.. فساد إيفواري في قطاع النقل
عروض اليوم الثاني انطلقت بعرض الفيلم الإيفواري “طاكسي وارين”، لمخرجه أو آسي، الذي يتناول قضية الفساد المستشري في الإدارات المكلفة بتنظيم قطاع النقل بالكوت ديفوار.
ويحكي الفيلم على مدى 120 دقيقة، قصة جيمي، موظف بشركة معلوميات، يحصل على قرض مالي لتغطية مصاريف تعليم أبنائه. غير أنه يقرر، عوض ذلك، استثمار القرض في مشروع سيارة أجرة “طاكسي” بمدية أبيدجان، لكنه يواجه مشاكل كثيرة مع سائقه، الذي يزج به في صراعات ستنتهي بجرائم قتل، واعتقال مسؤول بالشرطة الإدارية.
“عندما تنكسر القيود” محامية خارقة تنتصر على الفساد في الكاميرون
“عندما تنكسر القيود” فيلم كاميروني من إخراج موسينغ ديريك تين، تدور أحداثه حول محامية خارقة “نجوي فيديل” تحارب الفساد المستشري في بلادها بشراسة لا مثيل لها، رغم تعرض أسرتها للتهديدات، وتورط والدتها في أكبر عملية فساد في البلاد.
ينهض الفيلم على ممثلة واحدة فقط هي ستيفاني تيم، المرشحة بقوة لجائزة أفضل ممثلة، شخصية قوية من عائلة ثرية تجد نفسها في مواجهة شبكة فساد واسعة في بلادها الكاميرون، تضم مقربين منها.
وضعية صعبة تضعها أمام تجاذبات محتفلة، الوفاء لقسمها القانوني أو مواجهة ما يحدث، أو الرضوخ لواقع والاستسلام لحماية نفسها وعائلتها.
العروس” صرخة سينمائية رواندية في وجه التطهير العرقي والزواج القسري
في الفقرة الأخيرة، قدمت المخرجة الرواندية الشابة مريم بيرارا، فيلمها الأول The Bride “العروس” الحائز على تنويه خاص من لجنة تحكيم العمل الأول في مهرجان برلين السينمائي (دورة 2023) والمرشح بقوة لنيل الجائزة الكبرى للمهرجان.
“العروس” فيلم تدور أحداثه حول الزواج القسري من خلال إيفا، شابة ولدت في كنف عائلة لاجئة في زائير، لكن حياتها تأخذ منعطفا مأساويا عندما يتم اختطافها وإجبارها على الزواج في سن مبكرة، وهي ممارسة مؤلمة كانت شائعة في رواندا (1997).
تحاول العمة مواساتها، قائلة إنها ستحب زوجها في النهاية، ولكن في سياق اليوم، يعتبر مثل هذا الفعل اختطافًا واغتصابًا، وكلاهما غير قانوني.
هذا الزواج القسري يكاد يدفع “إيفا” إلى التخلي عن حلمها في الحصول على شهادة الطب في جامعة رواندا، حيث كانت تطمح إلى أن تصبح طبيبة أطفال.
إن الاهتمام بالتفاصيل في فيلم “العروس” جدير بالملاحظة، حيث يعكس الفيلم بشكل فعال عام 1997، من خلال الملابس والعادات والممارسات الثقافية.
ومن الجوانب البارزة التي تم تسليط الضوء عليها ممارسة تقليدية تعرف باسم “gukuna” أو “guca imyeyo”. ويسلط الفيلم الضوء على هذه الظاهرة، ويعرض التعقيدات والتقاليد التي شكلت حياة المرأة الرواندية خلال تلك الحقبة.
ويضم فيلم “العروس” ممثلين موهوبين يجلبون الحياة إلى الشخصيات. تلعب ساندرا أوموليسا دور إيفا، بينما تلعب ألين أميكي دور ابن عم سيلاس، ويلعب دانييل جاجا دور سيلاس، زوج إيفا.
تقول المخرجة ميريام بيرارا إنها استمدت أحداث فيلمها الأول من تجاربها الشخصية وقصصها العائلية لتسليط الضوء على قضية الزواج القسري المدمرة.
لقد نشأت المخرجة في منتصف التسعينيات، وشهدت محنة الشابات اللاتي تم اختطافهن وإجبارهن على الزواج من غرباء. تركت هذه الزيجات غير الرضائية الزوجات محاصرات، حيث كانت العودة إلى عائلاتهن تعني تحمل العار والازدراء.
وكانت عمات المخرجة ضحايا للزواج القسري، وقد طاردهن هذا الواقع لسنوات. لقد فكرن في كيفية تعاملهن مع مثل هذه الظروف، سواء كن سيتخلين عن أحلامهن، أو يقبلن الحياة مع شخص غريب، أو يجدن الشجاعة للتمرد. هذه الأسئلة هي التي أثارت مخرجة فيلم “العروس”.
«حقل المنسيين».. نظرة إفريقية مبتكرة من الطوغو لمشكل الهجرة
يقدم فيلم «حقل المنسيين»، للمخرج الطوغولي الشاب روجي غبيكو، نظرة مبتكرة لمشكل الهجرة في القارة الإفريقية، من خلال الدعوة إلى إعادة التفكير في دوافع المهاجرين المحتملين، الحالمين بالوهم الأوروبي.
تناول الفيلم، الذي جرى عرضه ضمن المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة للدورة الـ24 من المهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة، هذه الإشكالية من منظور مغاير، يحث الشباب على البقاء في بلدانهم الأصلية.
ويحكي الفيلم قصة الشخصية الرئيسية ماوونيو، شاب يعي الصعوبات التي تواجه أقرانه الذين يتركون إفريقيا للعمل في أوروبا. واقتناعا منه بالمؤهلات غير المستغلة في بلاده، يضع خطة لحث الشباب على العمل في موطنهم، وحثهم على استثمار طاقتهم في بلادهم، بدل الرحيل إلى الخارج.
وقال المخرج الطوغولي إن فيلم «حقل المنسيين» «يحيل على الواقع الإفريقي، حيث يحلم كثير من الشباب بترك بلدانهم، والتوجه إلى أوروبا»، مضيفا أنه سعى إلى معالجة موضوع الهجرة «على نحو مختلف».