“درب المهابيل”.. حديث حول السوليما والسكوبي وبا علال

من يود مناقشة قضايا السينما، فلينكب على صلب الموضوع، عوض الالتفاف بطريقة شعبوية على مجمل القضايا التي يعبر عنها الفاعلون في الحقل…

بيت الفن

من يريد أن يدبج بيانا أو بلاغا، أو يود صياغة بعض المطالب إلى وزارة الاتصال والثقافة حول الشأن السينمائي المغربي، فهو مدان بتهمة الفساد، والانتعاش من سياسة الريع، وإذا تظلم إليها المخرجون والمنتجون قيل لهم ممنوع، طبعا ننزه الوزارة وكذا معالي الوزير من قول ممنوع، فحاشا أن يصدر عنه ذلك وهو الذي عاش الرقابة جنينا في رحم أمه ثم صبيا، رقابة في البيت، في المقهى، فالرجل سليل عائلة يسارية خبرت سنوات الرصاص، ومن خلالها أصبح مناضلا بالوراثة.

فمن يا ترى يتحدث باسم الوزارة، وباسم المركز السينمائي المغربي، طبعا هم عينة من “الصحافيين”، أسماؤهم لا تشبه الأسماء، الصحافي، ناقل للخبر، مصادره معروفة بالاسم والصفة، تستند على المعلومة الموثوقة، والراي والرأي الآخر، وإلا أصبح ما يصدر عنه، مجرد تعتيم وتشويش.يبيعنا ويقبض الثمن، أو معتقلا داخل نص كما يفسره إمامه على حد تعبير نزار قباني.

وللتذكير، فإن كل الردود الصادرة عن الجهات “الرسمية” تم تداولها باسم متتبعين للشأن السينمائي!!

تفاصيل مجمل الردود عن كل ما صدر عن غرف المنتجين والمخرجين، وبعض الجمعيات الحقوقية المهتمة بالسينما، من مقالات متحيزة لطرف ضد آخر تطرقنا إليها في حينها، وأكدنا خلالها على مبدأ الشفافية، من خلال اعتماد معايير موضوعية في عملية قراءة اللجان للمشاريع الموضوعة أمامها، وقبل ذلك تعيين أعضاء اللجان من شخصيات تتوفر على خبرة وزاد معرفي وعلمي، في مجال الآداب والفنون والسينما، وليس التأثيث ببعضهم ضمن كوكبة طوعت بها الأيام، ليس لها نفع لا في هذا ولا ذاك، أو كما قالت العرب: “لا في العير ولا في النفير”، هذا من حيث المبدأ ولا يخص لجنة بعينها.

وبالتالي، من يود مناقشة قضايا دعم السينما، فلينكب على صلب الموضوع، عوض الالتفاف بطريقة شعبوية على مجمل القضايا التي يعبر عنها الفاعلون في الحقل، ولمن يريد الحديث عن الريع، وكلامنا هنا موجه لصحافة قوم تبع، فليتنازلوا عن أجورهم، التي يتم صرفها منذ مرحلة كوفيد إلى الآن من خزينة الدولة، أليست الوزارة هي من يصرف أجور الصحافيين بدل مؤسسات المقاولات الصحفية التي يشتغلون فيها تحت طائلة الأزمة المالية لهاته الأخيرة!

تشكل الثقافة والفنون صلب الهوية الوطنية للمجتمع. الثقافة تميز المجتمعات وهي الغنى الأساسي والدائم والمنتقل عبر الأجيال. هذه الثروة مهمة وتفوق الأمور المادية المباشرة بنوعيتها واستمراريتها ووصفها للهوية الوطنية. ولذلك تحظى المتاحف والجامعات والفنون والسينما والبحوث، بدعم من طرف السلطات المالية والشركات الخاصة والمؤسسات الدولية في أغلب بلاد المعمور، حيث لا يمكن أن تستمر النشاطات الثقافية من تلقاء نفسها، ولخلق الطلب الشعبي لها وللفنون تحديدا، تفرض إدارة المرفق الثقافي أو الجهة المانحة الإشراف على ذلك مع التأكد من حسن استعمال الأموال سعيا نحو ترسيخ الشفافية وضمان الجودة ورفع الإنتاجية. والعنصر الأخير هو مربط الفرس، أما الحديث نيابة عن غرف المنتجين، بأنها عقدت اجتماعا أو لم تعقده، أو تحدث بعضها باسم بعض آخر لم يحضر الاجتماع، فليس الصحافي هو من ينفيه أو يؤكده، وليس من حقه أن يمارس الوصاية على مخرجين بعضهم احدودب ظهره بحثا عن عمل يخلد اسمه، ولا يطلب امتيازا. عبد القادر لقطع، رفقة المنتج لطيف لحلو أعادوا منحة الدعم للمركز السينمائي، حين لم يستطيعوا توفير دعم تكميلي من جهات أخرى لمشروعهم، وهناك نماذج أخرى تحترم تاريخها واسمها، فلماذا لا يتم الالتفات إليها؟ ولماذا لا يتم التوقف عند الحصيلة للنظر فيما اقترفت بعض لجان الدعم حول حصيلة الإنتاج الوطني في المهرجان الوطني لطنجة من طرف من يركضون وراء بلاغات غرف المنتجين، باسم محاربة الريع، فهل يعقل أن تخصص لجنة الدعم مبلغ 36 مليون و600 ألف درهم (3 مليارات و660 مليون سنتيم) برسم الدورة الأولى من السنة الجارية، ولماذا لا ينقبون في الجهات التي تقف وراء شركات الإنتاج هذه؟ ولماذا أشر الوزير على مبلغ الدعم الإجمالي المخصص لهاته الدورة، على حساب المشاريع التي ستقدم في الدورة الثانية والثالثة؟ وهل ستنطبق الشروط نفسها على الدورات القائمة؟ وفي حالة احترام دفتر التحملات من طرف اللجنة، هل الوزارة ستقوم بسداد العجز الحاصل في الميزانية، حيث يصل إجمالي الدعم إلى 70 مليون درهم يتم توزيعه بنسبة 33 في المائة لكل دورة من الدورات الثلاثة في حدود 23.3 مليون درهم للدورة، وبذلك تستقيم القسمة، وعليه نحن لا نتهم الوزير ولا نروم تبرئته، وحدها الأيام ستكشف الحقائق، فلا صلاحية لنا في إصدار أحكام لا تستند على معطيات سلبا أو إيجابا، وملفات الدعم العمومي لا تتقادم في عرف المؤسسات الدستورية، وعلى رأسها المجلس الأعلى للحسابات.

وفي ظل إغلاق الوزارة أبوابها أمام المثقفين والسينمائيين والمسرحين، فلا داعي للتذكير بما تراكم في هذا الشأن من جائزة المغرب للكتاب إلى تعيين شخصيات في مواقع المسؤولية بدون مرسوم (معهد المهن السينمائية بالرباط)، ومدير المركز السينمائي، من مؤقت إلى منصب دائم، إلى السكوت عن اختلالات في عهد الكاتب العام السابق وهلم جرا، وهي قضايا مرتبطة بالتسيير.

وكيف ما كان الحال فلا أحد ينكر العلاقات “الشللية”، ليس على مستوى الوزرات والدواوين والإدارات، بل أيضا جمعيات المهرجانات، ومجال النقد وهلم جرا، وكما يقال “خروب البلاد نعرفه جيدا” وهناك إرادات تطمح إلى إصلاحه بالقطع مع دابر المحسوبية والزبونية، وهو ما يعكف عليه القضاء والمفتشيات العامة للوزارات والمجلس الأعلى للحسابات.

كما نعرف نسبة مهمة من النماذج البشرية التي تسوقها الحملات الانتخابية، وما يرافقها من وعود وخدمات متبادلة، لكن من المستحيل تلبية انتظارات جميع الزبناء، فكان الله في عون هذه النماذج سواء كانوا رؤساء جماعات أو برلمانيين أو وزراء، حين يجدون أنفسهم مطوقين بجيش عرمرم، يصيح “كلنا جئنا مع علال”.

وعلال، هي صفة افتراضية، نستمدها من حكاية معروفة لدى العديد من الأوساط بمدينة الفقيه بن صالح، يجمع قائليها بغض النظر عن صحتها من عدمها، على أن المصالح الأمنية بالمدينة ذاتها، قامت في نهاية الثمانيات من القرن الماضي بحملة تمشيط الحاضرة من الحمقى والمجانين، والتمست من سائق سيارة طرافيك فاركونيت، بأن يقل معه هذه الفئة من المشردين إلى مستشفى الأمراض العقلية بمدينة برشيد، خاصة أن السيارة كانت متجهة إلى الدار البيضاء ولم تكن محملة بالبضائع، رحب السائق بالملتمس.

عاد السائق صحبة أمنيين ليقل المجانين عبر سيارته من المكان الذي تم إيداعهم به نحو الوجهة المحددة بعدما تسلم ملفا من رجال الأمن، وقبل مغادرته للمدار الحضري، سيصادف شخصا يطوي الطريق وفي الآن نفسه يوجه إشارة أطوسطوب للعربات، توقف له السائق وهو يقول في قرارة نفسه، أتمنى أن يكون لي خير أنيس، أركبه إلى جانبه في مقدمة السيارة، بعدما أخبره أنه متجه نحو العاصمة الاقتصادية، وخيره إن لم يكن لديه مانع في أن يصحبه إلى مستشفى الأمراض العقلية في إطار المهمة المنوطة به، أو يقله عند مدخل المدينة إن كان مستعجلا، ليعبر رفيق الرحلة عن موافقته، تبادل الطرفان اسميهما وانغمسا في الدردشة، إلى أن وصلا إلى المكان المعلوم، نزل السائق علال من السيارة واتجه إلى إدارة المستشفى، ليزودها بالملف الذي كان بصحبته، ثم عاد وبرفقته بعض الممرضين والأعوان، ليفتح لهم الباب الخلفي للسيارة، التي كان رفيق الرحلة متكئا على إحدى جنباتها، دون أن ينتبه إليه هؤلاء، وحين بدأ المجانين والمشردين بالنزول،  كان الممرضون يحاولون تجميعهم والدفع بهم صوب بناية المستشفى، فأمسكوا برفيق السائق في الرحلة، ليصيح فيه وجههم: لقد أتيت مع علال، فانتفض أحد الحمقى في وجهه ” ياه، غير انت وحدك لي جيتي مع علال، كاع جينا مع علال…”.

كان الله في عون علال، لو كان مرشحا وأصبح بقدرة قادر وزيرا، فكيف له أن يرضي كل من رافقه في رحلته الانتخابية أو علاقاته الاجتماعية، ومن طبل له ومن حمله على الأكتاف، وما صنعته أجساد الجموع وأصواتهم وهتافاتهم وأغانيهم وملصقاتهم وراياتهم. ومن دبج في حقه مقالات وأبدع قصائد المدح في حقه، وأحراك من أهداه يوما معطفا وقبعة، ومن منحه صوتا، من قبيلة ثقيف وبنو قنيقاع أو قوم تبع، ومن أسبل عليه التزكية.

المسؤولية حمل ثقيل، وإذا كان هؤلاء وحدهم من لهم الحق بالتضرع إلى معالي الوزير علال، والشكوى إليه بعد الله، أو التقدم إليه بطلب تأشيرة مرور، أو خدمة، أو وظيفة، أو منصب ما، فهل على الوزير أن يحول مرفق الدولة الذي يسهر على سياسته إلى “ملكية سائبة”؟ أكيد وهو العاقل والوزير الألمعي احتمالا، لن يقايض القبيلة بالوطن، فكيف له أن يغرق وطنا يعاني من التصحر الطبيعي، بالتصحر “السياسي”؟ من الصعب أن يقتنع إعلام بليد، أدمن لغة من حطب، وأدمن أكثر طرد الحقائق والاحتفاء بالأكاذيب، فالفن حرية، يصادر ولا يمكن اعتقاله، فهو ضرورة روحية، كما يقول الناقد فيصل دراج، وبالتالي لا تصادروا حرية الفنانين في التعبير عن آرائهم، ومسؤولية الوزير هي الاصغاء إلى همومهم، ونظن أن وزيرا عاقلا وأي وزير علال أو فرتلان، لن يسلك “درب المهابيل”، ومن حسنات الصدفة أن علال السائق قادته حملة تطهير المدينة من “المهابيل” إلى عتبة مستشفى الأمراض العقلية.

عن بيت الفن

شاهد أيضاً

جمال بلمجدوب يدخل غمار المسابقة الرسمية بفيلم رعب على الطريقة المغربية

فندق السلام فيلم حول «الجن» وارتباطه بالثقافة المغربية .. استفاد من دعم المركز السينمائي المغربي (370 …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *