جيب داركم

“آش هذا؟”..اللوحة مقلوبة.. “جيب داركم”!!  

كل رمضان وحريرتنا حريرة..!!..

بيت الفن

القناة الثانية “دوزيم” في قفتها الرمضانية، حتى لا نقول برامجها الرمضانية أثارت إحدى سلسلاتها الكوميدية لدى مشاهد نبيه سؤال ما هذا يا هذا؟ في إشارة إلى تعليق حول لوحة “أصفر.. أحمر.. أزرق” مقلوبة في “سليت كوم” عفوا سيتكوم “جيب داركم”.

 

ومن باب المفارقة أو المصادفة فإن سؤال “ما هذا يا هذا؟” يحيل على سؤال “آش هذا؟” وهو بالمناسبة عنوان يحيل على سيتكوم آخر لنفس المخرجة ونفس الشركة المنتجة ونفس البطل الرئيسي، يبث بدوره خلال الذروة على القناة الأولى.

اللهم بارك ولا حسد، مرحبا بكم أنتم أهل الدار، والدار “جيبكم”، لكم فيها متسع لأهلكم وأحبابكم، “جيب دراكم وجيرانكم ومتاعكم ولوحاتكم”، لكن دون التعدي على حقوق الملكية الفكرية وتكريس السرقة الموصوفة والتزوير، فضلا عن قلة الذوق، حين يتم تعليق لوحة عالمية بشكل مقلوب، فعن ماذا ينم هذا؟ إنه الجهل يا سادة.

جهل، يتعدى حدود تعليق اللوحة رأسا على عقب، حتى وإن وظفت الشركة المنتجة مصمما للديكور ومركبا للديكور، ومختصا في الإكسسوار، وإلى جانبه أربعة مساعدين، كما هو وارد في الجنيريك، ولا أحد لاحظ أن اللوحة المعلقة بشكل غير صحيح، لا المنتج أو المخرجة وكذا التقنيين والممثلين، ناهيك عن لجنة القراءة ولجنة المشاهدة… ويا للمصيبة!

مرد هذا التهويل أن اللوحة مزورة ومستنسخة ومستوردة تباع في واضحة النهار بالأسواق الشعبية بثمن بخس، وليس في السوق السوداء، لا تعرف الجهة التي وظفتها في تأثيث الديكور، أن ملكية النسخة الأصلية تعود لمتحف جورج بمبيدو، وأن صاحبها الفنان الروسي فاسيلي كاندينسكي، وهو من أشهر فناني العالم، ومن أهم ممثلي الفن الحديث، وأنتج هذه اللوحة (أصفر/ أحمر/ أزرق) في العام 1925، ضمن المرحلة الأخيرة من حياته.

مخاطر هذا الجهل يمكن أن يثير مشاكل عويصة، وفضيحة تمس ليس التلفزيون فقط، بل بلدا بكامله، والتهمة ترويج الأعمال الفنية المزيفة أو المقرصنة والاعتداء على الملكية الفكرية، التي يا ما اشتكى منها الفنانون المغاربة في علاقتهم بالتلفزيون، حيث يتم ترويج بعض أعمالهم كإكسسوارات لتأثيث الديكور دون علمهم أو ترخيص منهم.

وبالمناسبة تجدر الإشارة، إلى أن وزارة الشباب والتواصل والثقافة تعقد حاليا لقاءات بحضور المكتب المغربي لحقوق المؤلفين والحقوق المجاورة، ومتحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر، والمعهد الوطني للفنون الجميلة وغيرها من المؤسسات للحد من ظاهرة تزوير اللوحات الفنية بالمغرب، الذي يهدد ويضرب في عمق أي محاولة لتقوية الصناعات الثقافية.

عود إلى بدء هذا الجهل، وبالتبعية، متولد في العمق عن فقر فكري وفني للقائمين على الإنتاج الدرامي والكوميدي، لا ثقافة عامة ولا ثقافة خاصة، وهو ما تعكسه برامج قفة رمضان، أعمال غير قادرة على الخيال في تمثل عمل فني مفعم بالعاطفة وينبض بالأحاسيس الداخلية باعتبارها العمود الفقري للتشخيص والقيمة الأساسية التي تضفي المصداقية على أداء ممثلين، يتهافتون على برامج قفة رمضان، خاصة وأنهم غير مضطرين للتسابق على مكاتب الحالة المدنية للقيد في لوائح المحتاجين، بل يمكن سحبها من شركات إنتاج أو وكالات إشهار تمارس الحصار على الإبداع والمقاولات الإنتاجية الطموحة لتقديم طبق نوعي ودسم يحترم كرامة المشاهد وذكائه، ويتعفف عن فتات وجبات يرمي بها المحتكرون للدراويش، “الطير الحر ما يكلشي البخوش.. وخا يبات جوفو خالي”، وهي حكمة تنطبق على بعض الفنانين الصادقين ممن تواروا إلى الخلف كما المشاهدين الذين يهاجرون بمناسبة الشهر الكريم نحو أطباق ووجبات شرقية وغربية تليق بهم وتغني أرواحهم وتحترم أذواقهم.

في زمن الاحتكار تغيير واقع الحال من المحال، “غير زيد وكان”، “ها المحمر، ها المشرمل ها الطنجية، سمن وعمر الدوارة، أو “الفواد” (بدون همزة) وتسمى أيضا “التقلية”، عند أهل مراكش، وفركوس، بحكم مجاله المهني، يغنيكم أكثر منا بتعاريفها، كلوا واشبعوا.. لكن يبقى أمر واحد، ننصحكم لله، بالابتعاد عنه، لوحات كاندينسكي، استهلاكها قد يسبب لكم الإسهال، ومتاعب جمة، لا على مستوى الهضم ولا على مستوى الفهم، إلا في حالة ما إذا استطعتم أن تعالجوا أعمالكم من داء تبلد المشاعر.

فاسيلي كاندينسكي، في بعض مناحي تجربته الفنية، وهو يعبر بالخطوط والألوان والأشكال المجردة، كان يستلهم رؤيته الفنية من موسيقى فاغنر بالتواصل معها بخطوط أسطر النوتة الموسيقية والخطوط العمودية والأشكال المجردة والألوان، ليقدم شعرية تجريدية مفعمة بالعاطفة بعيدا عن قبضة التشخيص، تضم المركزي واللامركزي في شكل واحد وتوازن خلاب، حيث يؤكد كاندينسكي: “أن العمل الفني يتألف من عنصرين: الأول، داخلي ونفسي وهو الانفعال والتأثير الروحي عند الإنسان. والثاني خارجي، وهو الأسلوب. ويشدد على أن المهم في اللوحة ليست الفكرة، وإنما الصدمة البصرية، وهي فكرة خرج بها عندما وجد إحدى لوحاته معلقة في المعرض بشكل مقلوب، حيث لم يتعرف على الأشكال الواقعية فيها، بل وجد في اللوحة ألوانا وأشكالا فقط…. نقول هذا لنرفع عنكم الحرج، ما دام المتحكم في خلفيتكم توظيف اللوحة كبعد تزييني. فمقالب الفن التشكيلي كثيرة ومتعددة، وبالمناسبة نقدم لكم نموذجا منها قد يصلح كحلقة ضمن “سيتكوماتكم” القادمة نستقيها من كتاب “هل سبق وحضرت معرضا للرسوم التشكيلية؟!”.

ومما جاء فيه …”ومن مقالب الفن التشكيلي ما حدث عام 1987 حين تدفق مواطنو فرانكفورت لحضور معرض تشكيلي لفنان ياباني يدعى يامازاكي. وقد وصف الفنان بأنه “اكتشاف الموسم” وأنه يتمتع بنورانية الألوان واختراق الأبعاد وتلقائية الريشة… (وخذ ما شئت من التعابير الانطباعية المعلبة).. وخلال ثلاث ساعات فقط بيعت أغلب اللوحات بأرقام خيالية. وبعد طول انتظار أطل على الحضور الفنان المنتظر، الذي لم يكن غير قرد تم تدريبه على “رش” الألوان و”الشخبطة” بالفرشاة، وكان مقلبا مقصودا!!” وكل رمضان وحريرتنا حريرة.

عن بيت الفن

شاهد أيضاً

أحلام لمسفر معرض الأزرق

أحلام لمسفر تلون الحرية بـ”الأزرق” في معرضها الجديد بطنجة

فنانة تشكيلية تبهر متابعيها بأسلوب بسيط يسمح باكتشاف المعنى والعواطف والإحساسات… بيت الفن تواصل الفنانة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *