عباس الجراري

الساحة الثقافية العربية تفقد أحد أعلام الأدب والتراث المغربي عباس الجراري

أكاديمي وباحث متفرد خبر أسرار “الملحون” واستحق لقب “عميد الأدب المغربي

بيت الفن

فقدت الساحة الثقافية المغربية والعربية أحد أعمدة الأدب والتراث بالمملكة المغربية، الأكاديمي والباحث عباس الجراري، الذي توفي يوم السبت 22 يناير 2024 عن عمر ناهز 86 عاما بعد مسار أكاديمي غني توج بعشرات المؤلفات في الفكر الإسلامي وقضايا الثقافة والتراث.

والراحل عباس الجراري مفكر وأكاديمي مغربي، ومستشار ملكي في مجال الشؤون الإسلامية والثقافية، حمل لقب “عميد الأدب المغربي” نظير عقود من البحث والتصنيف في مختلف صنوف الآداب في المملكة. كما كان أحد أبرز أعضاء أكاديمية المملكة المغربية، ورئيس لجنة الملحون بها، بإشرافه على مشروع كبير لتوثيق دواوين شعر وفن الملحون المغربية عبر التاريخ، وهو ما أثمر صدور أحد عشر مجلدا ضمن “موسوعة الملحون”.

قام عباس الجراري بدور كبير في النهوض بالحياة الثقافية والفكرية والأدبية بالمغرب وخارجه، وساهم في التأطير والتكوين العلمي لأجيال من الطلبة والباحثين، سواء بحضور مؤتمرات محلية ودولية، أو في المجتمع من خلال مشاركاته الكثيرة في البرامج الإذاعية ومحاضراته في أسابيع ثقافية كثيرة حول مواضيع مختلفة.

برز اسمه أكثر في قضايا الحوار بين الأديان وتحالف الحضارات والتقريب بين المذاهب الإسلامية، وألقى حوالي تسعة دروس ضمن سلسة “الدروس الحسنية” التي كانت تلقى في شهر رمضان أمام جلالة الملك الراحل الحسن الثاني، وما تزال مستمرة في ظل حكم جلالة الملك محمد السادس.

ودافع بقوة في عدد من مقالاته ومحاضراته وكتبه عن اللغة العربية، ورد على الشبهات والتهم التي يراد إلصاقهما بالإسلام، من قبيل الإرهاب والتطرف والانغلاق، وعرف عنه أيضا اهتمامه بفن الملحون حيث كتب وألف فيه عددا من المقالات والكتب.

ومن بين ما عرف به الأكاديمي الراحل استقبال بيته أقدم ناد ثقافي بالمغرب، كان نادي أبيه العالم والأديب عبد الله الجراري، المستمر منذ أزيد من تسعين سنة.

وقد نعى عبد المجيد فنيش الراحل، في كلمة كان سيلقيها في حفل تكريم الراحل بأكاديمية المملكة بمناسبة تصنيف الملحون كتراث إنساني لامادي تحت عنوان “عباس الجراري.. الفرد الجامع، المتفرد المانع” نقتطف منها “هو الحلقة واسطة عقد الجسر الواصل بين أيام الموسوعيين، وبين زمن الناس هذا المصاب بغير يسير من تقتير وتقصير.

هو عباس الجراري أيقونة الفسيفسائيين، في أبهى تناغم تحقق في زخرف امتزجت مواده في انصهار كيميائي كلما علت درجة حرارته، إلا وازداد وهجا.

عباس الجراري القادم إلى دنيا الناس من رحم ألق مجالس العلوم والآداب، ومن سخاء الإيثار بفداء الأوطان بعزيز الروح والأبدان.

عباس الجراري الذي هو في شؤون عقيدة الناس عمدة، وهو في إجلاء الغمة وكشف الظلمة بين ثنايا أمهات ردهات الآداب أسطع منارة، وقد كان أن أضحى بيته للناس مزارا، حيث عيون القراطيس في القبو البديع قد تجلت عمارة.

هو عباس الجراري، الذي فك طلاسم ديوان المغاربة تفكيكا، ثم مضى في دروب وعرة، يشيد للأدب المغربي -عالمه وشعبيه- معمارا بوابته لامعة النضارة، إنها الباكورة العذبة “القصيدة – أبحاث في الزجل المغربي-“.

عباس الجراري الذي فتح مسالك العبور لعشرات العشرات من المسكونين في ذاك المعشوق الذي قيل عنه “فرجته في كلامه”، فاغتنت الرفوف الشامخات بعشرات الأطاريح والأبحاث.

هو عباس الجراري الذي اقتنع – مبكرا- أن ديواننا الملحوني قد اجتمع فيه ما تفرق في غيره من كلوم الأم مغربنا، وكذا من ثمرات طيبات لأزهى الأيام.

هو عباس الجراري، الذي أقنع الناس إقناعا أن ملحوننا كيان حي. يتدفق بحيوية التجدد الذاتي المستجيب- في تفاعل مثالي- لما يتناغم مع نوازل الأيام المنسابة.

ولد عباس الجراري يوم 15 فبراير 1937 في الرباط، لأسرة علمية، إذ يعد والده الراحل عبد الله الجراري من رواد الحركة الثقافية المغربية.

تلقى الراحل تعليمه الأولي في الكتاب، والتحق بمدرسة أبناء الأعيان ثانوية “الليمون” ثم ثانوية “مولاي يوسف”، كما تلقى بالموازاة مع ذلك اللغة العربية والعلوم الإسلامية على يدي والده العلامة عبد الله الجراري في البيت مما مكنه من الالتحاق بجامعة القاهرة في مصر وحصوله على البكالوريا عام 1957 والإجازة في اللغة العربية وآدابها عام 1961، والماجستير عام 1965، ودكتوراه الدولة في الآداب عام 1969.

وحصل من جامعة السوربون بفرنسا على دكتوراه ثانية، وشارك عام 1981 في برنامج “فولبرايت” للتميز في التدريس بأمريكا (برنامج التعاون المغربي الأمريكي في المجال التربوي والثقافي).

تولى عباس الجراري وظائف كثيرة ومناصب عديدة، حيث التحق بالسلك الدبلوماسي لسفارة المغرب في القاهرة عام 1962، وانضم إلى هيئة التدريس في بالجامعة المغربية عام 1966 بفاس والرباط.

انتخب رئيسا لشعبة اللغة العربية وآدابها عند تأسيسها في كلية الرباط عام 1973، وانتخب عضوا في اللجنة الإدارية للنقابة الوطنية للتعليم العالي وفي مكتبها التنفيذي (1969-1973).

عين مديرا للدراسات الجامعية العليا لتكوين أطر التدريس في الجامعة عام 1982، وعين عام 1998رئيسا لوحدة أدب الغرب الإسلامي للدراسات العليا.

عينه الملك الراحل الحسن الثاني عام 1979 أستاذا في “المدرسة المولوية”، فدرس الفكر الإسلامي، والتربية الوطنية، والتربية الإسلامية، والنصوص الأدبية.

شغل عضوية أكاديمية المملكة المغربية والمجلس العلمي الإقليمي لولاية الرباط عام 1983، وعينه جلالة الملك الحسن الثاني في الديوان الملكي في يناير 1999، ورقاه جلالة الملك محمد السادس لمنصب مستشار ملكي في 29 مارس 2000.

حصل الجراري على عضوية عدد من المجمعات العلمية والاتحادات والهيئات الاستشارية المحلية والعربية والدولية، منها: نائب رئيس مجلس إدارة جمعية العلاقات المغربية الأمريكية، ورئيس لجنة التعريف بالثقافة المغربية في الداخل والخارج، وعضو مجمعي اللغة العربية في القاهرة ودمشق، وخبير متخصص لدى المنظمة الأفريقية والمنظمة العربية للثقافة (الألسكو) والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو).

كتب وألف عشرات الكتب التي اهتمت بالدراسات المغربية والتراث الشعبي والأدب العربي الإسلامي، وكذلك الدراسات الأندلسية وقضايا الفكر والثقافة.

تجاوز المطبوع من مؤلفاته ثمانين كتابا، منها: “قضية فلسطين في الشعر المغربي حتى حرب رمضان”، و”وحدة المغرب المذهبية خلال التاريخ”، و”الثقافة في معركة التغيير”، و”هويتنا والعولمة”، و”ثقافة الإصلاح وإصلاح الثقافة” (بالعربية والفرنسية والإنجليزية)، و”لا تطرف ولا إرهاب في الإسلام”.

له نحو أربعين كتابا آخر جاهزة للنشر، منها: “قضايا للتأمل برؤية إسلامية” و”أمراء الطوائف الجدد” و”بين الثقافة والسلطة” (تجربة ذاتية).

كرمته جهات ومؤسسات علمية وجامعية مغربية وعربية ودولية، وحصل على حوالي 24 وساما، منها: وسام الاستحقاق (مصر 1965)، ووسام العرش (المغرب 1980)، ووسام المؤرخ العربي (1987)، ووسام العرش من درجة ضابط (المغرب 1994)، ووسام الكفاءة الوطنية من درجة قائد (المغرب 1996).

كما حصل على ميدالية أكاديمية المملكة المغربية (1990)، وجائزة الاستحقاق الكبرى (المغرب 1992)، ووسام الجمهورية من الطبقة الأولى من تونس، ووسام الإيسيسكو من الدرجة الأولى.

عن بيت الفن

شاهد أيضاً

الملحون

دار الشعر في تطوان تحتفي بالملحون..بمناسبة اعتماده تراثا إنسانيا

بيت الفن افتتحت دار الشعر بتطوان فعاليات الدورة 12 من المعرض الجهوي للنشر والكتاب، الذي …