منح الجائزة لبن عيسى جاء تقديرا لدوره المتميز وإسهامه في مجال الدبلوماسية وثقافة السلام. وحيت المؤسسة تفاني وتفوق بن عيسى في عمله مما جعله يحتل مكانة مقدرة دوليا…
بيت الفن
تسلم محمد بن عيسى وزير الخارجية والثقافة المغربي الأسبق وأمين عام منتدى أصيلة الثقافي مساء الأحد في القاهرة “جائزة الإنجاز في مجال دبلوماسية حل الصراعات، والديمقراطية وحقوق الإنسان”، التي تمنحها مؤسسة “كميت بطرس غالي للسلام والمعرفة”، خلال الحفل السنوي الذي نظمته المؤسسة.
وجاء في قرار لمجلس أمناء المؤسسة أن منح الجائزة لبن عيسى جاء تقديرا لدوره المتميز وإسهامه في مجال الدبلوماسية وثقافة السلام. وحيت المؤسسة تفاني وتفوق بن عيسى في عمله مما جعله يحتل مكانة مقدرة دوليا.
وتزامن توزيع جائزة بطرس غالي هذه السنة مع الاحتفال بمئويته، وهو ما دعا إلى التذكير بأهم إسهاماته ومكانته العلمية والسياسية والثقافية عربيا ودوليا.
وأثناء حفل التتويج قال وزير الخارجية المصري سامح شكري إن مؤسسة “كيميت بطرس غالي للسلام والمعرفة” التي يرأس مجلس أمنائها ممدوح عباس، ساهمت في “إثراء الحياة الثقافية ونشر الفكر المستنير سيرا على نهج بطرس بطرس غالي الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة”.
وتميز الحفل بحضور وزيرة التضامن الاجتماعي نيفين القباج وعدد من الدبلوماسيين ورموز الفكر والسياسة والإعلام.
وأعرب شكري عن سعادته بالمشاركة في هذا الحفل، مهنئا محمد فائق وزير الإعلام السابق ورئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان السابق، ومحمد بن عيسي وزير الخارجية ووزير الثقافة السابق بالمملكة المغربية على تكريمهما من المؤسسة.
واحتفت المؤسسة بالفائز بجائزة المؤسسة محمد بن عيسي وزير الخارجية ووزير الثقافة السابق في المغرب لدوره المتميز وإسهامه في مجال الدبلوماسية وثقافة السلام.
كما كرمت المؤسسة الوزير محمد فايق وزير الإعلام السابق ورئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان السابق لمسيرة عطائه الممتدة دفاعا عن القضايا الأفريقية وحقوق الإنسان.
وفي كلمته للحضور بمناسبة تتويجه بالجائزة قال محمد بن عيسى “هناك في حياة الأشخاص، لحظات مفعمة بفيض من مشاعر التأثر، يصعب أحيانا وصفها. وأعترف اليوم أمامكم بأنني أعيش هذه اللحظات، ولا تسعفني الكلمات كثيرا كي أعبر عما يخالجني من شعور بالاعتزاز والسعادة، وأنا أتسلم جائزة الإنجاز في مجال دبلوماسية حل الصراعات، والديمقراطية وحقوق الإنسان، التي تمنحها مؤسسة كيميت بطرس بطرس غالي للسلام والمعرفة”.
وأضاف “أود في البداية أن أتوجه بأرق عبارات الشكر والثناء إلى هذه المؤسسة الإنسانية والثقافية الرفيعة، وإلى أعضاء مجلس الأمناء فيها، وفي طليعتهم رئيسه الأستاذ ممدوح عباس، على تفضلهم باختياري في دورة العام الحالي لنيل هذه الجائزة، وعلى ما غمروني به من تشريف وتكريم لحملها”.
وتابع بن عيسى “إن تأثري لهذه الالتفاتة الكريمة يتخذ معنى وبعدا مضاعفا، نظرا إلى مكانة ورمزية المؤسسة المانحة، واعتبارا للقيمة الاستثنائية للشخصية الفذة التي تحمل هذه الجائزة اسمها، شخصية المرحوم الأستاذ بطرس بطرس غالي، رجل الدولة الذي منح لوطنه مصر كل ما يقتضيه واجب الإخلاص والوفاء، وظل تعلقه بقيم الشعب وثوابت الدولة في مصر، تعلقا راسخا ومتأصلا”.
واستحضر بن عيسى في هذه المناسبة بعضا من ذكرياته عن بطرس غالي “الرجل الذي أتشرف اليوم بتسلم جائزة تحمل اسمَه، والذي عرفته وجمعتني به علاقات طيبة، اتسمت بالود والتقدير”، كما قال.
وأضاف الوزير الأسبق وأمين عام منتدى أصيلة الثقافي “لقد عرفته في مراحل مهمة ودقيقة وغنية من مساره الزاخر بالحضور الوازن وبالعطاء الوفير. وخبرت معدنه الأصيل، سواء وهو يتولى مهامه كوزير للدولة في الشؤون الخارجية بدولة مصر الشقيقة، أو حين أصبح أمينا عاما لمنظمة الأمم المتحدة، أو حين عاد لمواصلة عمله الثقافي، على رأس المنظمة الدولية للفرنكوفونية بباريس. ومازلت أذكر كيف كان، خلال عهده في وزارة الخارجية المصرية، يعطي أهمية بالغة للقارة الأفريقية، سواء على مستوى القضايا ذات الطابع الإنساني، أو بخصوص موضوعات وملفات ورهانات جيوسياسية”.
ولفت بن عيسى إلى أن غالي كان في طليعة من أعطوا للدبلوماسية المصرية نفسا متجددا في الاهتمام والعناية بالملف الأفريقي، بكل تشعباته المتعددة وخلفياته الإستراتيجية المتجددة.
وتابع “لقد عرفت فيه أيضا رجل دولة بشخصية قوية، وكاريزمية جاذبة، وقدرت فيه دائما صموده وثباته على المبادئ، ووفاءه للقناعات الحقوقية التي آمن بها في حياته، كما في عمله. وسنستحضر دوما مساعيه وجهوده المتواصلة، وهو أمين عام للأمم المتحدة، من أجل كل القضايا الإنسانية الكبرى، ولاسيما اهتمامه الشديد بقضية فلسطين، وانشغاله القوي بالأزمات والمعضلات ومظاهر المعاناة الإنسانية في عدد من مناطق القارة الإفريقية”.
ومازال العارفون بسيرته يشهدون له بشجاعته في الدفاع عن قيم الحق والعدل والكرامة الإنسانية. ومن ذلك على سبيل المثال وليس الحصر، إصراره على نشر تقرير الأمم المتحدة حول “مجزرة قانا”، التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في لبنان عام 1996، رغم اعتراض قِوى دولية عظمى على نشر ذلك التقرير. فكان ما كان بعد ذلك مما سيكتبه التاريخ من وقائع وأحداث عن مواقف الرجال في المراحل الصعبة والحرجة، التي تختبر فيها الإرادات الصلبة.
واستذكر بن عيسى “صورة طريفة” إلى جانب غالي، حين كان الأول وزيرا للثقافة في المغرب، يقول “عند ترشح غالي لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة لم يتأت الحصول على أغلبية الأصوات المطلوبة، رغم عدة دورات للتصويت من لدن أعضاء مجلس الأمن الخامس عشر. وتبين أن مفتاح الحسم يلزمه صوت واحد فقط، هو صوت جمهورية الزايير (جمهورية الكونغو الدمقراطية حاليا)، التي كان يقودها الرئيس موبوتو سيسيكو. فكان أن اتصل الرئيس حسنى مبارك بالملك الحسن الثاني طالبا تدخله لدى الرئيس موبوتو بحكم الروابط الشخصية المتينة بينهما لأجل تصويت الزايير لصالح بطرس بطرس غالي، وهو ما استجاب له ملك المغرب، وتم المراد على النحو المطلوب”.
وتابع “ارتباطا بالموضوع نفسه هناك تفصيلة بسيطة ساقتها الأقدار صدفة، ولكنها تعكس هذه الأخوة المغربية المصرية، فقد حدث أن كنا معا في مؤتمر قمة “شايو” للفرنكوفونية، حيث تشرفت خلال أشغالها بتمثيل الملك الراحل الحسن الثاني، في حين كان المرحوم بطرس غالي يمثل الرئيس حسني مبارك، وكان لنا قبل تناول الغذاء اجتماع في مركز المؤتمرات التابع للخارجية الفرنسية، الذي كان يقع في شارع كليبر بباريس. وأذكر أن العزيز الراحل بطرس بطرس غالي كان يتحدث مع رئيس الجمهورية اللبنانية إلياس الهراوي، حين تم التصويت في نيويورك على شخصه كأمين عام للأمم المتحدة، وبلغني الخبر عبر مصادري الخاصة قبل أن تتناقله وكالات الأنباء العالمية. فدلفت نحوه بكل فرح لأزف إليه الخبر الطيب فرد علي رحمه الله بقوله (إنت بتهزر؟)، لكنه سرعان ما شعر من خلال نبرة كلامي وملامح وجهي بأن الأمر كله جد في جد. وكم كانت فرحتنا كبيرة بوصول أول عربي وأفريقي إلى أرفع منصب أممي”.
ومرت السنوات، وبقيت ذكريات طيبة كثيرة تجمعهما، كما بين بن عيسى، مضيفا “حين أصبحت وزيرا للشؤون للخارجية والتعاون في حكومة بلدي، كان الراحل العزيز بطرس غالي، يشغل مهامه على رأس المنظمة الدولية للفرنكوفونية خلفا للرئيس السنغالي المغادر عبدو ضيوف، فلم ينقطع تواصلنا. وإني اليوم أرى من واجبي أن أقول وأشدد على قولي بأن الكبير بطرس غالي ظل دوما مصريا خالصا وعربيا صادقا، مؤمنا بولائه الشديد لمصريته وبانتمائه إلى عروبته. وأشهد له بأنه كان إنسانا، ذا خصال فكرية وأخلاقية راقية جدا. ويحسب له أنه ساهم بشكل فعال، في تركيز مكانة مصر في أكثر من موقع رفيع، يليق بها وبتاريخها المجيد”.
وقال في ختام كلمته قال بنعيسى “أود مجددا التعبير عن شعوري بالاعتزاز الكبير، وأنا أحمل جائزة تمنح باسم هذا الرجل الألمعي. وسيظل هذا التشريف حدثا مشهودا في حياتي، خالدا في ذاكرتي، ومخلدا أيضا لدى أسرتي الصغيرة والكبيرة. وأتمنى لمؤسسة كيميت بطرس بطرس غالي للسلام والمعرفة، دوام التوفيق والنجاح لمواصلة الرسالة النبيلة التي نذر لها المرحوم بطرس بطرس غالي، جهده وفكره وحياته”.