أسماء لوجاني
احتضنت ساحة مسجد الحسن الثاني بالدارالبيضاء فعاليات الدورة السادسة من “فضاء الناس”، التي اختار المنظمون لها شعار “إفريقيا آرت”.
وعلى منوال الدورات السابقة، احتفت الدورة السادسة، التي اختتمت مساء الأحد المنصرم بالدارالبيضاء، بـ54 فنانا تشكيليا من المغرب وإفريقيا ابدعوا 54 لوحة في ساحة مسجد الحسن الثاني أمام أنظار الجمهور.
وعلى مدى ثلاث أيام عاشت مدينة الدارالبيضاء على إيقاع المتعة البصرية بساحة مسجد الحسن الثاني، حيث انخرط الفنانون التشكيليون المشاركون في هذه التظاهرة الفنية في إمتاع الجمهور الحاضر، وهم يرسمون أمام الملأ.
وتم تنظيم التظاهرة، تحت إشراف الجمعية الوطنية للفنون التشكيلية، بشراكة مع مؤسسة مسجد الحسن الثاني، وبدعم من وزارة الثقافة والاتصال، ووزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، وولاية الدارالبيضاء الكبرى ومجلس مدينة الدارالبيضاء، وعمالة مقاطعات الدارالبيضاء أنفا، وجهة الدارالبيضاء-سطات.
وقال بوشعيب فقار، محافظ مؤسسة مسجد الحسن الثاني، إن “بلادنا تشهد طفرة إيجابية في العلاقات مع باقي البلدان الإفريقية تمس مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والروحية”.
وأضاف أن التواصل الفكري والثقافي يعتبر حجر الأساس في هذه العلاقات، نظرا لارتباطه بالقيم المثلى للإنسان، خاصة أن الذي يجمع المملكة المغربية وبين العديد من الدول الإفريقية من تواصل روحي، وثقافي أمر موغل في القدم، ومنذ قرون عديدة، مبرزا في كلمة له بالمناسبة، أن مؤسسة مسجد الحسن الثاني بالدارالبيضاء تتشرف بأن تحتضن رحابها هذه التظاهرة الفنية “فضاء الناس”، التي اتخذت شعارا لها “إفريقيا آرت”، إذ يسهم في تأثيثها مجموعة من الفنانين المغاربة والأفارقة، عربونا وتقديرا للروابط المشتركة بين بلادنا والقارة الإفريقية.
ثلاثة أيام من المتعة البصرية
على مدى ثلاثة أيام، تحولت ساحة مسجد الحسن الثاني إلى محج جمع كل الفئات من مختلف الأعمار، حيث شمر الفنانون التشكيليون عن سواعدهم وأعدوا العدة لإمتاع الجمهور الدي تقاطر على مدينة الدارالبيضاء، وتحديدا على أكبر معلمة في المغرب، وهي ساحة مسجد الحسن الثاني التي صالحت الجمهور مع الفن الصباغي. في كل رواق مدرسة قائمة الذات، لا تسمع إلا حفيف الفرشاة، وتنبهر أيما انبهار وأنت تقف أمام شباب مهووسين بالفن شغلهم الشاغل هو تقديم لوحة في زمن قياسي، وما يثير الانتباه أكثر اللوحات المعروضة بمختلف الأحجام والأشكال منسجمة مع ذائقة الفنانين التشكيليين الذين وجدوا في هذه التظاهرة متنفسا جديدا وجسرا ممتدا على ضفاف مختلف المدارس والاتجاهات الفنية.
كل رواق يعبر عن صاحبه، وهو بمثابة شهادة حية وأثر يدل على أن الفنان وريشته وأسلوبه، أقام ذات مساء في محرابه الفني بساحة مسجد الحسن الثاني، رغم أن الفنانين، الذين تحدث معهم “الصحراء المغربية” اختلفوا في انتماءاتهم الجمالية، إلا أنهم توحدوا في التيمة، “إفريقيا آرت”، وقدموا تعابيرهم البصرية في زمن قياسي. بدأ الفنان التشكيلي السنغالي، فالي سين شاو، وهو يهيء بياض القماشة أمام جمهور متنوع بابتسامة عريضة، شمر شاو على ساعد الجد الممزوج بالبساطة والعفوية التي تطبع كل فناني إفريقيا، وانخرط في تلوين القماشة التي تحولت إلى كائنات وظلال وسقوف، كأنه يشيد سوقا افتراضيا، من زمن القرى السنغالية.
على بعد خطوات انغمس كيمينيما جيريمي، من جمهورية الكونغو الديمقراطية، بهدوء وسكينة وهو يحاور الألوان والفرشات، كأنه يوطد العلاقة بين الإنسان والآلة من أجل خلق توازن أملته الحياة والطبيعة معا.
وشدت طاري كايتا، من مالي، وتوري رقية من السنغال على القاعدة، وهما تتبادلان أطراف الحديث مع الزوار، كل واحدة فجرت موهبتها وأحسنت وأمتعت، لأن فضاء الناس، فضاء السلم والسلام والألوان، ولم يسمع على ضفاف الأروقة جميعها إلا حفيف الفرشاة ورائحة اللون والألوان.
في جو من الإبداع والمؤانسة، انخرط الفنان التشكيلي المغربي، عبد الحق سليم، بكل جوارحه لرسم فتاة إفريقية، بألوان زاهية تدل على الفرح والسعادة. أعمال سليم لا تخطئها العين.
وأكد سليم أن مشاركته في تظاهرة “فضاء الناس”، في دورتها السادسة، تعد تجربة مميزة ومغايرة عن باقي التظاهرات الفنية، كونها أقيمت في الهواء الطلق لتقريب الجمهور بمختلف شرائحه من هذا الفن التصويري، وأضاف في تصريح لـ”الصحراء المغربية” أن الجمهور المتنوع يستفسر عن الألوان واللوحات ما خلق جوا من التجاوب والتواصل بين التشكيليين وعشاقهم، بالإضافة إلى تقوية أواصر التعارف وتبادل التجارب بين تشكيليي الهنا والهناك.
واسترسل في حديثه بأن تشخيص لوحاته ينبثق من التراث المغربي منه الشمالي والريفي وكذا الأمازيغي، وتيمات أعماله تتمحور حول لباس المرأة المغربية في القديم، بالإضافة إلى كل ما يحتاجه الشخص في الحياة اليومية، إلا أنه نادرا ما يستعمل الألوان الباهتة والغامقة.
روح عبد اللطيف الزين حلق في “الفضاء”
جماليا يمكن القول إن الدورة السادسة من “فضاء الناس” التي كرمت روح مؤسسها الفنان العالمي الراحل، عبد اللطيف الزين، استطاعت أن تكسب رهان التوحد بين كل الفنانين، خصوصا حينما تتجاور التجارب التشكيلية مشكلة سيمفونية اللون والحركة والإيقاع، حيث إن الزائر يجد ذاته في عمق مشهد تشكيلي متنوع ومتعدد التيارات الجمالية، أي أن اللوحات المعروضة تحيل وعلى نحو زاخر وثري، إلى تعددية ملحوظة في الانتسابات المدرسية والخصوصيات الأسلوبية، الشيء الذي يكشف عن تعددية أقانيم الإبداع التشكيلي المغربي، الذي رغم حداثة زمنه الإبداعي، فإنه يظل غير قابل للقياس بمعيار الزمن الفيزيقي أو الكرونولوجي، فهو منفتح على أزمنة متعددة، إذ ما أن تتوقف عند تجربة تشكيلية، إلا وتجد نفسك مترحلا في خرائطية كونية، وإنسانية لا يقاس فيها عمر الإبداع، أو تاريخه بخطوة أو خطوتين أو ثلاث، بل بارتيادات وهواجس ورؤى وتشظيات بعيدة المدى، لا شرقية ولا غربية، لا ساحلية وضفافية، وإنما خرجت من زخم الابداع ونبعه الفتان، وانطلقت منه وإليه تعود، فيها من رهان المغامرة ما يتجاوز الحدود الضيقة لرهانات ذاتية أو ظرفية سياقية.
من أصل المجموع العام للوحات المعروضة، بدا جليا أن بعضها نآى عن اختيار الأحجام المتوسطة والصغرى، إلى اختيار الأحجام ذات البعد الكبير، فمن أصل المشاركين الـ54 فنانا نجد 9 فنانات تشكيليات من المغرب وإفريقيا أضأن بتجاربهن أروقة “فضاء الناس”، واختلفت تعابيرهن ورؤاهن للحياة الفنية، ومن خلال قراءة سريعة في مجمل الأعمال المشاركة، التي رسخت وجودا فعليا وجماليا معا، تبرز على نحو موضوعي نزوع التشكيليين والتشكيليات، نحو التخلص من اللوحة ذات المرمى الديكوراتي، الفولكلوري، لمعانقة اللوحة التي تجد فيها الذات المبدعة إمكانات فعل جمالي تحكمه نوازع الإبداع أولا وأخيرا.
الدرس الجمالي الذي يمكن للزائر استخلاصه من هذا الحدث الفني الممتد على فضاء ساحة مسجد الحسن الثاني أن الفنانين التشكيليين، راهنوا وهم ينطلقون من اختياراتهم الذاتية على تقديم صورة مشهدية عامة للفن التشكيلي المغربي، والتظاهرة الفنية في نسختها السادسة قدمت كخرائطية دلالية مهمة لأساليب الفن التشكيلي المغربي والإفريقي، الذي لا يمكن تصنيف علاماته وآثاره وسيميائيته في خانة ضيقة، إنه في خلاصة التقدير معرض بأصوات متعددة، وبأساليب حرة، مقيدة بالإبداع والخلق ومغامرة الارتياد اللانهائي.