بيت الفن
عن “دار أكورا للنشر والتوزيع”، صدرت حديثا دراسة نقدية جديدة للباحث والمترجم المغربي حسن المودن، تحمل عنوان “الرواية وشعرية اليتم”.
ويسعى المودن في الدراسة، التي تعنى بتجليات التحليل النفسي في الرواية المغربية، إلى مقاربة موضوع إشكالي غير مطروق في الدراسات النقدية العربية، وهو تناول العلاقة الإشكالية بين الأدب واليتم، بوصفه موضوعا واسعا ومتشعبا، وتحديدا في الرواية العربية.
وقدم المودن، في معرض مقدمته للدراسة، أسئلة وإشارات تستهدف الآداب السردية، القديمة والحديثة، من قبيل: ماذا عن محكي اليتيم في القصص الديني (في قصص الأنبياء: قصة النبي اليتيم محمد الذي فقد أبويه صغيرا، قصتا النبيين يوسف وموسى اللذين عاشا تجربة الانفصال عن الأبوين؟ ماذا عن محكي اليتيم في المسرح التراجيدي: من مسرحيات سوفوكليس (أوديب)، وصولا إلى مسرحيات شكسبير (هاملت)، مرورا بمسرحيات راسين، خصوصا مسرحيته الأولى التي أعاد فيها كتابة مسرحية سوفوكليس حول الشقيقين العدوين؟ ماذا عن محكي اليتيم في الآداب السردية الحديثة، من نص “بلا عائلة” لمؤلفه هيكتور مالو، وصولا إلى سلسلة “هاري بوتر” للمؤلفة ج. ك. رولينغ؟
ويتساءل الباحث المغربي عن العلاقة بين الرواية العربية واليتم: ماذا عن اليتامى في الروايات العربية؟ ماذا عن الشخصيات التخييلية اليتيمة في روايات نجيب محفوظ أو الطيب صالح أو عبد الله العروي؟ ماذا عن اليتامى في الرواية الفلسطينية، وخاصة بعد 1967 إلى اليوم؟ ماذا عن اليتامى في الرواية العراقية؟ ماذا عن اليتامى في الرواية السورية؟
ومن جهة ثانية، ماذا عن الكتاب اليتامى: هل من علاقة بين يتمهم وكتاباتهم؟ ماذا عن هؤلاء الكتاب اليتامى الذين لا يتحدثون في رواياتهم إلا عن اليتامى؟ ماذا عن هؤلاء الكتاب اليتامى الذين كرسوا رواياتهم لليتم والفقدان والبحث عن عائلة بديلة، عن أبٍ جديد أو أم أخرى؟ ومن جهة ثالثة، هل من علاقة بين الكتابة واليتم؟
وتهدف هذه الدراسة من منظور التحليل النفسي إلى أن تسجل مجموعة من الملاحظات والأسئلة، تهم محكي اليتيم وخصائصه، ورواية الأنا، والتخيلات البيوغرافية والأوتوبيوغرافية، التي من خلالها تحاول الذات أن تبتكر حياتها من خلال حياة الآخر.
يشار إلى أن حسن المودن اسم كبير في عالم النقد بالمغرب والوطن العربي حصل على جائزة كتارا 2016 في مجال البحث والنقد الروائي، عن دراسته الموسومة بـ “الرواية العربية: من الرواية العائلية إلى محكي الانتساب العائلي، قراءة نقدية من منظور التحليل النفسي”، كما اختير ضمن القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد 2015 وقدم العديد من المؤلفات النقدية والترجمة أثرت المكتبة العربية.
تنفرد المؤلفات النقدية لحسن المودن في عمومها بقدرتها على رسم حدود لمرجعيتها المعرفية والمنهجية بدقة منقطعة النظير في حقل الدراسات النقدية العربية، وتجديدها للأسئلة وتقليبها من داخل هذه المرجعية عن طريق محاورة عميقة للنصوص، وتقفيها ذلك الأثر المتحول في النصوص الأدبية من منطلقات مختلفة (الموضوعات والشخصيات/ عناصر الكون السردي)، وتتميز هذه التجربة النقدية كذلك بمزاوجتها بين الاستناد إلى المرجعيات المؤسسة لنظرية التحليل النفسي مع سيغموند فرويد وكارل يونغ وجاك لاكان، ومسايرتها الأسئلة المطروحة عليها، ومشاركتها التجديد في آليات القراءة النفسانية وصيغها وقلب أسئلتها، الذي بدأه وأسس له جان بيلمان نويل وتطور مع الناقد الفرنسي بيير بيار، مثلما تتميز باشتغالها القرائي على النص الإبداعي والنظري العربي والغربي والإنساني، الديني والأسطوري والأدبي قديمه وحديثه.
تنطلق مجموع كتابات الناقد حسن المودن من ضرورة تجاوز مبدأ جعل النصوص الأدبية، والسردية منها على وجه التحديد، صيغة لإثبات صحة النتائج التي خلص إليها التحليل النفسي وإجرائية صيغه وآلياته التحليلية، الذي كان سائدا في الدراسات النقدية التقليدية عامة والنفسية خاصة، إلى جعل الأدب مدخلا لمساءلة نتائج التحليل النفسي ومنطلقاته وحدود مفاهيمه.