بيت الفن
شهد الموسم الرمضاني المنقضي وللسنة الرابعة على التوالي غيابا كليا للمسلسلات الدينية والتاريخية، الأمر، الذي جعل بعض الفضائيات العربية تعوض هذا النقص بعرض نخبة من المسلسلات الدينية والتاريخية القديمة، معتمدة على مخزونها من هذه الأعمال.
ويعزو بعض النقاد غياب الدراما الدينية خاصة عن المشهد الدرامي العربي في السنوات الأخيرة إلى النقاط الخلافية في الدين التي تتسبب أحيانا في الهجوم على مسلسل بعينه، وبالتالي خسارة جهة الإنتاج، بالإضافة إلى ضخامة الإنتاج، وهو ما يجعل الشركات الخاصة تحجم عن إنتاج الدراما الدينية والتاريخية.
فأسلوب إنتاج المسلسلات الذي يعتمد على العمل لمدة ثلاثة أشهر بصورة مكثفة لا يصلح مع المسلسلات الدينية أو التاريخية التي يحتاج إنجازها إلى وقت طويل يمتد على مدار عام كامل أو أكثر، ليخرج العمل بصورة جيدة. كما أن الأزمة الأساسية لهذا النوع من الدراما تكمن في النقاط الخلافية.
ويرى الناقد الفني المصري مصطفى الكيلاني أن هناك خلطا في الإنتاج بين المسلسلات التاريخية والدينية، فأغلب المسلسلات التي يتم التعامل معها على أنها دراما دينية، مثل مسلسل “عمر” (إنتاج 2012)، هي بالأساس مسلسلات تاريخية تؤرخ لفترة من التاريخ الإسلامي وقد تحتوي على حكم أو مواقف دينية قد ترضي طرفا على حساب آخر.
وترى الناقدة الفنية المصرية فايزة هنداوي أن غياب قطاع التلفزيون المصري عن سوق الإنتاج منذ سنوات، وضخامة إنتاج المسلسلات الدينية التي تحتاج إلى ديكورات مختلفة ومجاميع (كومبارس) ضخمة، وصعوبة التوزيع أحيانا، هو ما يجعل القطاع الخاص يحجم عن إنتاج المسلسلات الدينية والتاريخية.
فالدراما الدينية والتاريخية تحتاج إلى إنتاج ضخم يوازي إنتاج أربعة أو خمسة مسلسلات أخرى، وهو ما لا يتوفر للشركات الصغيرة. أما الشركات الكبيرة فتفضل إنتاج أكثر من مسلسل بدلا من إنتاج مسلسل واحد، يمكن أن تفشل في توزيعه لسبب أو لآخر.
لكن بعض النقاد يرفضون هذه الأعذار، مؤكدين أن هناك أعمالا لا هي دينية ولا هي تاريخية استحوذت على ميزانيات خيالية، وتم إنتاجها بمبالغ ضخمة، تفوق حتى ميزانيات الأعمال الدينية والتاريخية.
ويرجع آخرون أسباب غياب الدراما الدينية والتاريخية في رمضان 2021 وما قبله إلى خلو الساحة الفنية من ممثلين كبار، مثلما كان الحال في السابق، ممن يجيدون الأدوار التاريخية والدينية بإتقانهم اللغة العربية السليمة، وأيضا عدم وجود كتاب سيناريو متخصصين.
وترى الفنانة المصرية مديحة حمدي، إحدى أشهر الفنانات اللاتي شاركن في العديد من الأعمال الدينية، أن عودة المسلسلات الدينية لها دور في تهذيب الشباب، وهو ما يحتاجه المجتمع حاليا بعد سنوات من دراما المخدرات والأسلحة و”البلطجة”، مشددة على أن المسلسل الديني ليس فقط ذلك الذي يتناول أحداثا تاريخية دينية فقط، وإنما يمكن أن يكون مسلسلا اجتماعيا ويقدم رؤية دينية تستند إلى أحكام الدين.
ووصف حسن يوسف، الذي يعد أحد أبرز من شاركوا في الدراما الدينية منتجا وممثلا، غياب المسلسلات الدينية عن المشهد الرمضاني لأكثر من موسم بأنه “كارثة كبرى باعتبار رمضان الفرصة الوحيدة أمام هذه الأعمال لرؤية النور، حيث تلقى تجاهلا بقية العام”.
ومع ذلك يعترف الفنان المصري بأنه شخصيا قرر عدم تقديم أعمال دينية بعد الخسائر المادية والمعنوية التي تكبدها إثر إنتاجه مسلسلا عن شيخ الأزهر الراحل عبدالحليم محمود عام 2008، وبخست الفضائيات المختلفة ثمنه ما اضطره إلى بيع العمل بأقل من تكلفة إنتاجه.
وعلى الجانب الآخر نجحت الدراما السورية، قبل عقدين، في انتزاع صدارة الإنتاج الدرامي الديني من مصر بتقديمها العديد من المسلسلات الدينية والتاريخية التي حققت نجاحا قياسيا.
والمتابع للمشهد الدرامي السوري يجد أن الكاتب وليد سيف والمخرج الراحل حاتم علي كونا معا فريقا منسجما نجح في تقديم العديد من الأعمال الدرامية الدينية والتاريخية بشكل حقق نجاحا كبيرا في الوطن العربي بأكمله، مثل ثلاثية الأندلس “صقر قريش” و”ربيع قرطبة” و”ملوك الطوائف”، إضافة إلى مسلسل “صلاح الدين”، وخاصة “عمر” الذي أحدث ضجة كبرى وقت عرضه.
ويرى الكاتب والباحث السوري ميسرة بكور أن “المشاهد عندما يتابع العمل التاريخي السوري يجد نفسه يعيش أجواء تلك الحقبة الزمنية بكل أبعادها من إتقان اللغة الفصحى المقربة من الجمهور والبعيدة عن التكلف إلى الإكسسوار والملابس وتقنية الصوت، حيث نجح القائمون على إنتاج الدراما التاريخية بسوريا في الخروج من القالب النمطي من التصوير في الأستوديوهات المغلقة إلى التصوير الخارجي في الطبيعة، واستطاع المخرجون أخذ لقطات بعدة كاميرات للمشهد الواحد، وتركوا مساحة أوسع للصورة كي تتكلم بطريقة مشوقة عن المشهد والأحداث”.
لكن كل هذا غاب هذا العام وفي السنوات الثلاث السابقة له، فلم تعد الدراما السورية، كمثيلتها المصرية، تغامر بإنتاج المسلسلات الدينية والتاريخية إلا في ما ندر؛ وذلك نتيجة تردي الوضع الاقتصادي وما أفرزته تداعيات الحرب على الإنتاج الفني السوري بشكل عام، لاسيما أن الأعمال التاريخية خاصة تحتاج إلى موازنات ضخمة.
كما أن المنتج السوري لم تعد لديه الثقة الكاملة، كما كان في السابق، في إمكانية رواج منجزه الفني في ظل الصراعات السياسية الحاصلة في المنطقة، الأمر الذي جعله يحجم عن المغامرة بماله وجهده لإنتاج هذه النوعية من الدراما، خاصة وأنه وجد ضالته في أعمال البيئة الشامية المطلوبة من جل الفضائيات العربية.