بيت الفن
خصص المغرب 15 مليون درهم سنويا لدعم إنتاج أفلام خاصة بالصحراء، أغلبها لا يشاهدها أحد، فهل هاته الأفلام تظل قاصرة عن الدفاع عن القضية الوطنية دوليا في إطار المرافعة الفنية، لماذا لا يرى أغلبها طريقه نحو قنوات القطب العمومي، فهل يندرج ذلك في إطار القتل المتعمد؟ ولماذا وجدت هاته الأفلام أصلا؟ ولماذا يستمر نزيف المال العام في أفلام لا تقدم ولا تؤخر ربما في نظر البعض؟
بصيري مات بصيري عاش
الأسبوع الفارط عرضت قناة ميدي 1 تيفي، فيلما هو أقرب إلى الربورتاج منه إلى الجنس الوثائقي، عن المناضل محمد بصيري الذي أسس الحزب المسلم بالأقاليم الجنوبية وقاد معارك وتظاهرات سلمية تم فضها بالقمع وإطلاق الرصاص في حق أبناء الصحراء، وعلى إثرها سيتعرض بصيري للاختطاف من طرف الجيش الاسباني ومنذ ذلك اليوم وهو مجهول المصير.
فكرة الفيلم ليست مبتكرة، فقد سبق للمخرجة لبنى اليونسي، أن تناولت الموضوع تحت عنوان “بصيري المشهد المفقود”، فلماذا تلافت القناة اقتناء هذا الشريط، هل لكونه لا يستوفي الشروط الفنية، أم أن القيمين استوحوا فكرة الشريط لتبرير صرف المال لا أقل ولا أكثر؟ وبالتالي ما هي القيمة الإضافية التي قدمتها القناة من خلال هذا العمل الذي طبلت له بأنه حصري متجاهلة الإنجاز السابق للبنى التونسي؟
هذه مجرد أسئلة للقيمين على البرمجة في ميدي 1 تي في، التي رسمت لها خطا تحريريا موجها بالأساس لقضايا الشأن العام على المستوى الخارجي وعلى رأسه القضية الوطنية، وإن كذلك فلماذا تم ويتم التجاهل فيلم “حياة مجاورة للموت” لمخرجه لحسن مجيد، الذي أنجز خلال سنة 2018 / 2019 ، ولحد الآن ولا قناة بادرت لاقتنائه خاصة وأن الظرف كان يقتضي وضع برمجة خاصة لهذا العمل، الذي أشاد به الإعلام المغربي بمختلف أنواعه من الصحافة الورقية إلى الصحافة الإلكترونية، مرورا بالقنوات الوطنية، التي سبق وأن أفردت له تغطية متميزة، سواء من خلال نشرات أخبارها أو برامجها المتعلقة بالسينما، الفيلم وبشهادة النقاد والفنانين والمخرجين اعتبر عملا محبوكا وأول فيلم وثائقي، تناول موضوع القضية الوطنية بأسلوب احترافي رصين، وبعمق فكري وسياسي، يتضمن جهدا وبحثا عميقا، لم يكتف بطرح السؤال، بل قدم أجوبة شافية بعيدا عن البهرجة والأسلوب الدعائي الرخيص من خلال مجموع من القضايا التي استطاع توليفها بحذق، جعلته يحظى بإجماع لجنة الدعم التي كان يراسها الكاتب والأديب مبارك ربيع، حيث نوهت بجدية المشروع وقوته، حسب ما تسرب عن كواليس اللجنة آنذاك، رغم أن الميزانية التي خصصت للفيلم كانت جد ضعيفة، جعل الشركة المنتجة تستمر أضعاف الأضعاف ما تحصلت عليه من دعم، وهو ما انعكس على مستوى جودة الفيلم الذي تميز بزخم المعطيات السياسية والتاريخية التي قدمها، وكات له القدرة على خلق نسيج فني استطاع أن يستوعب التاريخ السياسي للمنطقة وتداعيات ذلك على المستوى الاجتماعي والحقوقي في قالب انساني مشوق يثير المشاعر ويخاطب العقل، وهنا مربط الفرس، كون طاقم الفيلم كان واعيا بأهمية تأثير الصورة الخارق التي يعجز المشاهد عن الإفلات منها، باستحضار جميع توابل الدراما بما في ذلك إعادة بناء المشاهد التمثيلية، التي تشكل ثلثي الفيلم، الشيء الذي أهله في مهرجان العيون للفوز بالجائزة الكبرى وجائزة الإخراج وجائزة المونتاج.
القضية الوطنية والنفاق التلفزيوني
ما أوردناه عن فيلم “حياة مجاورة للموت”، ليست محاباة لمخرجه، بل غيرة على شكل تعاطي قنوات الإعلام العمومي مع فيلم من العيار الثقيل، وكانت هي أول من صفق له وأشاد به من خلال تغطياتها، سواء بعد عرضه الأول بالرباط والدارالبيضاء أو في كل من مهرجان العيون ومهرجان طنجة الوطني، ويمكن العودة إلى أرشيفات هاته التغطيات، بل حتى الصحافة الاسبانية نوهت به كما هو بارز من خلال صفحة الفيلم على الفايسبوك، ونقرة واحدة على غوغل، يمكن أن تسد عطش ما ذهبنا إليه، فعلى مستوى استراتيجية الفيلم في الوصول إلى قلوب أبناء الصحراء ممن تابعوه في مهرجان العيون تأكدت أمام أعين الجميع، لكون هذا العمل خاطب الوجدان بلغة العقل وصحح ما علق في ذهن الشباب الذي ولد بعد المسيرة وأعمارهم الآن 45 سنة، الكثير منهم ظل عرضة للتضليل من خلال دعاية الإعلام الجزائري وجبهة البوليساريو، كما أن الفيلم ضمن حضوره في سوق الفيلم ببعض المهرجانات بجزر الكناري معقل البوليساريو، وواجه حيفا حين تم اختياره للمسابقة الرسمية في مهرجان الشاشات السوداء من طرف لجنة الانتقاء، لتعود وتعرضه خارج المسابقة بدون إدن من الجهة المنتجة والمخرج صاحب العمل، لا لشيء إلا لكون وزارة الثقافة الكاميرونية لم تجز له التأشيرة خوفا من أن يثير لها مشاكل ديبلوماسية مع الجزائر، وبالتالي ألا يعد عرض الفيلم في هاته اللحظة الفارقة في تطور القضية الوطنية، لتكون مرتكزا يعرف شعوب الدول المترددة في فتح قنصلياتها بالداخلة والعيون بموضوع النزاع وخلفياته السياسية والتاريخية وما ارتكب ويرتكب في حق مواطنينا بتندوف، ألا يستحق أيضا فتح بلدان لقنصلياتها بالأقاليم الصحراوية دعما شعبيا يسند مواقفها على مستوى الداخل عبر برامج ثقافية وفنية، فما هو دور المراكز الثقافية التابعة لوزارة الخارجية بأفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية، وأي وظيفة لقناة العيون في تعبئة ساكنة تنوف ضد أطروحة الانفصال، وبأي ذنب نحاسب شابا ولد هناك بعد المسيرة على مواقف تصدر منه عبر الفايسبوك أو مناوئته للمواقف المغربية التي لا يسمع عنها ولا يعرف عنها الشيء الكثير، بفضل الدعاية التي شب عليها في مخيمات العار، وكيف الوصول إلى جزء من الرأي العام الأوربي المعبأ بخطاب المظلومية الذي ظلت تروج له الآلة الإعلامية للجزائر وما عملت عليه من اختراقات للمجتمع المدني في تلك البلدان بأموال البترول، بما فيه مجال السينما، ونحن نعرف موقف المخرج الاسباني بيدرو ألمودوفار من قضية وحدتنا الترابية، والذي لم يستطع مهرجان مراكش استقطابه لهذا السبب، وخافيير بارديم الممثل الإسباني صاحب الأوسكار الذي أنتج فيلم “أبناء السحاب، الصحراء الغربية آخر مستعمرة”. هذا الفيلم الذي وفر للبوليساريو تعاطفا دوليا بعدما جرى عرضه في مهرجانات عالمية منها مهرجان برلين. إلى جانب أفلام أخرى حديثة. كما بتته القناة الفرنكو ألمانية (ARTE)، مضافا إليه “نحن متمردون في الصحراء الغربية”، الذي هو من إنتاج قناة بريس الإيرانية، زيادة على الدور الذي ظلت تقوم به مؤسسة روبرت كينيدي عبر النزول بكل ثقلها لاستقطاب نجوم هوليوود لتأييد فكرة البوليساريو.
قوة الديبلوماسية وضعف السند الإعلامي الرسمي
السؤال الذي يطرح هو إذا كانت الدولة تقوم بمجهودات جبارة على المستوى الديبلوماسي، فأين هو سندها الإعلامي الذي لازال متخلفا عن ما أنجز على أرض الواقع بسنوات ضوئية، فالإعلام والدراما همت الكفيلان بصيانته، مع أن هذا لا يجعلنا نبخس بعض البرامج التحليلية والحوارية قيمتها، باستثناء أنها موجهة للنخبة بالداخل أكثر من الخارج، فبعد أزمة الكركارت، نجد الشباب من رواد الفايسبوك هم من يقود حملة فضح الصور والفيديوهات المفبركة من طرف الكيان الوهمي، عبر التحقق من مصدرها ومكان وزمان حدوثها، مع العلم أن القنوات المغربية لا تعدم كفاءات لتقديم برامج ترصد ما يروج له من طرف الكيان الوهمي في الفضاء الأزرق وكذا الإعلام الرسمي الجزائري من أكاذيب ومغالطات، والمسالة لا تتطلب معجزة، حيث يمكن الاستئناس ببرامج في قنوات أجنبية تتخذ بشكل عام القضايا التي تثير تفاعلات الرأي العام، عبر “هاشتاك” وتويتر والفايسبوك، والسير على منوالها، نموذج قناة الجزيرة، وتجدر الإشارة بالمناسبة أن قناة (ARTE)، قامت في بعض برامجها بفضح المعارك الوهمية التي تروج لها البوليساريو عبر الفايسبوك، بأسلوب أنيق وجد له صداه في صفوف الشباب المغربي.