أي مستقبل للفن السابع والصناعة السينيماتوغرافية ما بعد كوفيد19!؟

أي مستقبل للفن السابع والصناعة السينيماتوغرافية ما بعد كوفيد19!؟

تأثيرات كورونا على السينما العالمية (3/3)

الجزائر: جمال محمدي*

كغيرها من القطاعات والأنشطة الإنسانية والمعرفية الأخرى، تأثرت السينما العالمية والفنون كلها، أيما تأثر جراء ما لحقها من أضرار وخسائر فادحة، مست في الصميم حجم ودواليب الإنتاج السينمائي ووسائط  المشاهدة منذ ظهور وباء كوفيد 19 في  النصف الثاني من شهر يناير/كانون الثاني 2020 بمدينة ووهان الصينية، ومع انتشار هذا الوباء السريع بمختلف دول العالم،كانت  السينما والصناعة السينيماتوغرافية أول الفنون  التي تأثرت بهذا الوباء ، سواء من حيث رقم المعاملات أو من حيث حجم الإنتاج والإبداع الفني،الذي لم  يحقق حتى الآن نسبة  20 % مقارنة بالعام 2019، تكبد فيها قطاع الصناعة السينماتوغرافية  خسائر مالية قد تصل الى 25 مليار دولار بحلول نهاية العام 2020 ! .

لعل أكبر المتضررين من وباء كوفيد 19 المستجد، تأتي الولايات المتحدة الأمريكية مركز هوليود، أو في الصين ثاني اكبر منتج ومستهلك للأفلام العالمية، التي تعرف نسبة نمو إرتياد الجمهور للقاعات السينمائية بها نحو 32 %، حسب أخر إحصائيات العام 2019، أما هوليوود لوحدها، فهي تدعم أكثر من مليوني وظيفة، و 400 ألف شركة أمريكية، تعمل في مجال صناعة السينما وتوزيعها، أو في بريطانيا التي  تبلغ قيمة الأفلام والتلفزيون بها،  حوالي 60 مليون جنيه إسترليني يوميًا، تضخ في الاقتصاد البريطاني، ويبلغ عدد التذاكر المباعة في المملكة المتحدة حوالي 170 مليونً تذكرة سنويًا

وفي أوروبا وأسيا ومختلف الدول العربية، لاسيما منها مصر العربية اكبر منتج ومستهلك للسينما في الوطن العربي، كانت للأزمة الصحية الناجمة عن فيروس كورونا عليها تأثيرات غير مسبوقة، وهي التي بلغت إيرادات قطاع السينما بها قرابة 70 مليون دولار من 33 فيلما فقط العام الماضي، ويشغل قطاع السينما في مصر، نحو مليون شخص على الأقل، يعملون في صناعة السينما و40% منهم يعملون بشكل دائم.

وبمدينة ورزازات ، “هوليوود أفريقيا”، التي احتضنت أضخم الإنتاجات السينمائية العالمية وأشهرها، إلا أنها تعيش اليوم مرحلة ركود اقتصادي كبير، بسبب تأثير فيروس كورونا على الإنتاجات السينمائية المحلية والأجنبية، حسب تصريح عبد الرزاق الزيتوني رئيس لجنة الفيلم بورزات،  في تصريح لسكاي نيوز بقوله ” أن الاستثمارات الأجنبية في صناعة السينما في المغرب فاقت 75 مليون دولار سنة 2019، كما بلغت الإنتاجات السينمائية الأجنبية من نفس السنة 21 فيلما، مسجلة بذلك قفزة نوعية مقارنة مع السنوات الماضية. إلا أنه في سنة 2020، أوقف وباء كورونا هذه الصناعة، بعد أن كانت ورزازات تعرف تصوير ثلاثة أفلام من كوريا الجنوبية والبرازيل والولايات المتحدة الأمريكية.

فجأة توقف كل شيء وتم إغلاق قاعات السينما ودور العرض، وتوقّف إنتاج الأفلام بشكل ينبئ بنكسة مالية حقيقية ستبقى أثارها وانعكاساتها على مدار أربع،  أو خمس سنوات قادمة، ضربة قوية بسبب تداعيات جائحة فيروس كورونا وسط توقعات بخسارة مالية تتعدى 160 مليار دولار من النمو المتوقع خلال السنوات الخمس المقبلة.

وبحسب شركة “أمبيري أناليست” أنه وسط إجراءات التباعد الاجتماعي وبقاء نحو 40% من سكان العالم في منازلهم، خسرت دور السينما عالميا عند نهاية الموجة الأولى من الوباء نحو 17 مليار دولار من إيراداتها المتوقعة حتى نهاية مايو.   وستخسر نحو 25 مليار دولار مع نهاية العام 2020 ، لاسيما وأن هذه النكسة المالية مرتبطة بعودة الأفلام العالمية الكبيرة، التي كانت تعول عليها صناعة السينما، والتي بلغت عائدات شباك التذاكر العالمية بفضلها نحو  42 مليار دولار العام الماضي – وهو أعلى مستوى على الإطلاق و ساهمت بنحو ثلث ما يقدر بنحو 136 مليار دولار من قيمة إنتاج وتوزيع الأفلام في جميع أنحاء العالم.

ففي أمريكا مركز صناعة الأفلام والترفيه والتي تحتضن مقرارت اكبر استديوهات وشركات إنتاج الأفلام العالمية الكبيرة، وهي وارنر بروذرز (Warner Bros) والت ديزني (Walt Disney) (20th Century Fox) بارامونت (Paramount)  سوني (Sony) انيفرسال (Universal) والتي تنتج في السنة وحدها من 20 الى 25 فيلم عالمي ضخم التكلفة، في حين خسرت مجموعة “أي أم سي” وهي أكبر سلسلة لدور السينما في الولايات المتحدة  نحو2.4 مليار دولار في الربع الأول من العام الجاري، بعد أن أجبرتها جائحة كورونا على إغلاق نحو 12% من دورها التي تتجاوز 8.2 آلاف دار سينما.

وكان تصوير الأعمال السينمائية والتلفزيونية قد توقف في لوس أنجلوس منتصف مارس بسبب جائحة كوفيد-19، قبل أن يُستأنف ببطء في أواخر يونيو/ حزيران، بعد أن جرت المحادثات مع تحالف منتجي السينما والتلفزيون، وهي منظمة تجارية تمثل استوديوهات كبرى بما فيها “ديزني” و”يونيفرسال” و”باراماونت” و”وورنر براذرز” بالإضافة إلى أبرز شبكات التلفزيون. وقالت رئيسة نقابة الممثلين في هوليوود جابرييل كارتريس  أن هذه الاتفاقية  ترسي بروتوكولات منطقية وعلمية تسمح للأعضاء بالعودة إلى مزاولة العمل الذي يحبونه”.

وفي الهند التي تعرف بقوة الإنتاج، مست الجائحة شبكة دور عرض”ريغال” أين تم إغلاق ثلاثة آلاف دار سينما، أدى إلى خسائر بـ130 مليون دولار في مبيعات شبابيك التذاكر بسبب كورونا خلال الثلاثي الأول من الجائحة، وكانت الهند حتى قبل ظهور فيروس كورونا قد عرفت انخفاض ملحوظ في عدد مرتادي دور العرض، وقاعات السينما بنسبة تقدر بـ 32%  ومرد ذلك  كون قاعات العرض تعاني من نقص نسبي في الشاشات، ووجود قيود على جانب العرض في دور السينما الجديدة،  حيث يوجد طلب كبير على المسارح القادرة على تقديم مجموعة متنوعة من التجارب المصممة خصيصًا لأولئك الذين يبحثون عن الترفيه العائلي المثالي، مثلما يوضحه  سيدهارث جين ، مدير في مجموعة  “اينوكس INOX ” إحدى المجموعات متعددة العرض (multiplexe cinématographique) الرائدة في الهند.

وبرأي الخبراء والمتابعين لتأثير وباء كورونا على الإنتاج السينمائي العالمي، وبالعودة إلى المعطيات والمؤشرات ، يتبين فعلا أن وباء كوفيد 19 قد يجعل منتجي الأفلام ومراكز الترفيه الكبيرة في خطر دائم ومحدق بأي لحظة، وسيجعلهم يفكرون ألف مرة قبل العودة لإنتاج أفلام كبيرة عالمية ذات التكاليف المرتفعة، نتيجة الارتفاع في عقود التأمين من المخاطر بالأنفس وبرؤوس الأموال،وسوف لن يكون من السهل أو بمقدور الاستوديوهات المستقلة الحصول على مصادر التموين الكلاسيكية بالنظر إلى حجم المخاطرة التي فرضها الوباء.

حيث يرى جاسون بلوم المنتج الأمريكي المتخصص في أفلام الرعب والإثارة، بأن صناعة السينما سوف لن تصبح بالمنظور المتعارف عليه ويضيف: “لا أعتقد أن دور السينما ستختفي”، مشيرًا إلى أن دور السينما ما زالت تلعب دورًا مهمًا في الثقافة الأمريكية، وأعتقد أن الذهاب لمشاهدة فيلم بشكل جماعي سيكون على ما يرام، لكنني أعتقد أنه سيكون هناك عدد أقل من الأفلام داخل القاعات، وبالتالي سيكون هناك خيار اقل بالنسبة للمشاهدين. أو المزيد من الأفلام في دور العرض، ولكن سيتم تحديد موعدها لمدة أسبوع أو أسبوعين فقط”.

من جانبنا كمتابعين للمنتج السينمائي العالمي، على الأقل نعرف أن هوليوود  كانت على مدار المائة عام المنصرمة تعمل على الهيمنة المالية واحتكار أسواق صناعة وتوزيع المنتج الفيلمي والترفيهي، وتتخذ من السينما وسيلة لفرض الهوية الأمريكية وبسط نفوذها عبر العالم يسندها الدور الأيديولوجي الذي يوفق بين الصناعة السينمائية التجارية وبين الجوانب الدعائية الأيديولوجية وهي علاقة أبدية لترسيخ  فكرة قوة الرجل الأبيض !.

صحيح أن صناعة الفيلم السينمائي الكلاسيكي قد ولت بتراجع استخدام لفائف الفيلم السينمائي 35 ملم أمام زحف التكنولوجيا الرقمية، التي ستحيل شريط “هانيبال” الى المتاحف، اذ لم  يعد استخدامه متاحا للجميع لتكلفته الباهضة وقلة وسائل عرضه بقاعات السينما منذ سنوات، ولكن بكل تأكيد لن يكون مصير صناعة الفيلم السينمائي بهوليود آو غيرها يشبه مصير وخرافة الاسطوانة الفنوغرافية ” disque phonographique” التي أصبحت الآن من الزمن الجميل !!. ومن العبث القول أن مشاهدة فيلم سينمائي على جهاز سمارتفون كفيل بتعويض المشاهدين متعة وحميمية مشاهدة فيلم على شاشة كبيرة ساحرة وآخاذة. .!!.

لذلك بإمكاننا القول وليس الجزم، بأن الوقت لم يحن بعد لسحق صناعة السينما الكلاسيكية التقليديةـ، أمام زحف المنصات الرقمية ،واستحواذها على نسبة معتبرة من المشاهدين، لأنه لا يزال لديها مجال كبير للنمو،لاسيما عن طريق الإنتاج الجديد القائم على الملكية الفكرية من الأفلام، مثل ألعاب الفيديو والألعاب والكتب والمتنزهات الترفيهية، ولكن بالنهاية، لا يمكن للتكنولوجيا بأي حال من الأحوال تعويض الخيال الإبداعي بل فقط تجعله ممكننا، هذه الحقيقة نلمسها في كل جوانب الحياة الحديثة، وتتجسد بوضوح في مجال السينما.

*جمال محمدي: كاتب وناقد سينمائي جزائري

عن بيت الفن

شاهد أيضاً

الغرفة المغربية لمنتجي الأفلام تستغرب ترويج مغالطات بحقها لا تستند على أي دليل

الكتب المسير للغرفة: استقالة 4 منخرطين أمر عادي ومستعدون لمجابهة كل من يتهمنا بالفساد أو …