في ظل تفشي كوفيد 19 (1 / 3)
الجزائر: جمال محمدي*
ما من شك أن فيروس كورونا، قد خلط حسابات وأجندات أهم وأعرق المهرجانات السينمائية في العالم، وهي التي كانت تسابق الزمن لكي تكون في مواعيدها المقررة ، وجاء كوفيد19 على حين غرة، ليعدها الى نقطة الصفر، وهي التي لم تفكر يوما في هذا الخيار من قبل، جراء فرض التباعد الجسدي والحجر الاجتماعي والصحي والبروتوكولات الحكومية المتشددة والمقيدة للتجمعات مهما كان نوعها.
غير أنه أمام استمرار وباء كورونا في الانتشار، لم تجد صناعة السينما والمهرجانات السينمائية خيارا من منصات العرض والمشاهدة عبر الانترنت، وبذلك كانت هذه المهرجانات مضطرة إلى مسايرة هذا الوباء منذ ظهوره في النصف الثاني من شهر يناير/كانون الثاني 2020 بمدينة يوهان الصينية، كخطوة لجملة من التدابير والأنشطة التي تسمح لصناع السينما من تحد هذا الداء إلى حين، لأن السينما والصناعة السينيماتوغرافية والمهرجانات السينمائية تحديدا أول من تأثر بهذا الوباء .
ومن هنا كان لجوء بعض المهرجانات في كل بقاع العالم، خاصة تلك المهرجانات التي لم يكن بمقدورها إقامة التظاهرة، بالنظر إلى حجم مخاطر كوفيد 19 الذي عاد مجددا ليكتسح كل بلدان العالم بنسب متفاوتة، مما جعل القائمين على إدارة المهرجانات السينمائية إلى خيار المنصات الرقمية كبديل للقاعات السينمائية، وقد سمحت هذه الخاصية كطريقة بديلة انتقالية من الإبقاء على شعلة السينما ومشاهدة الأفلام، عبر الويب والمنصات الرقمية، للإبقاء على خاصية التواصل بين المخرجين والجمهور في مختلف بقاع العالم، من خلال إشراك الجمهور الافتراضي في مشاهدة الأفلام.
وكان أول مهرجان من هذا النوع وبعيدا عن هوليود وهو المهرجان الدولي الافتراضي الدولي للفيلم القصير بالجزائر FIVA الذي بادر إليه السينمائي جمال محمدي، وتم تنظميه من من طرف اللجنة الوطنية للشباب والأنشطة الثقافية التابعة المنظمة الوطنية للمجتمع المدني والمواطنة (NOCSC) وقد أقيم المهرجان في الفترة مابين 20 افريل /نسيان ولغاية 20 ماي 2020 بمشاركة 36 دولة بمعدل 87 فيلم ترشح للمنافسة الرسمية تم فيه عرض أكثر من 20 فيلما قصيرا توج فيه الفيلم المغربي ” مداد أخير ” (ENCRE ULTIME) للمخرج اليزيد القاديري بجائزة إكوزيوم للسينما وهي أكبر جائزة للمهرجان في طبعته الرقمية الأولى لعام 2020 .
من جانبها لم تنتظر المهرجانات السينمائية العالمية العريقة، كمهرجان كان اكبر مهرجان سينمائي، الذي اضطر ولثالث مرة في تاريخه التخلي عن البساط الأحمر ونجومه بعد أن ألغيت دورته الأولى بسبب الحرب العالمية الثانية، وتعطلت فعالياته في مايو 1968، على خلفية المظاهرات الطلابية التي أجتاحت فرنسا، اذ تم تنظيم طبعته الثالثة والسبعين في 27 أكتوبر عبر الويب، مكتفيا بمراسم افتتاح رمزي،ومنح سعفته الذهبية للأفلام المشاركة والذي فازت فيه مصر بالسعفة الذهبية”ستاشر” للمخرج سامح علاء كأفضل فيلم قصير، والظاهر أن تجربة العروض الرقمية الاضطرارية التي قزمت كان السينمائي هذا العام لم تقنع كثيرا تييري فريمو المدير الفني للمهرجان الذي قرر إقامة دورة مصغرة على الواقع من 27 الى 29 أكتوبر2020 في قصر المهرجان المكان المكان والفضاء الطبيعي لمهرجان كان السينمائي أكبر وأعرق المهرجانات السينمائية في العالم.
وفي ايطاليا أقيم مهرجان البندقية السينمائي (لا موسترا) أمام عدسات الكاميرات الحرارية وجمهور يرتدي الكمامات لأول مرة في تاريخ السينما، وهي الدورة السابعة والسبعين في الفترة من 02 لغاية 12 سبتمبر 2020 ورشح 18 فيلماً للفوز بجوائز “الأسد الذهبي” وهي طبعة التضامن مع السينما العالمية، متحدياً بذلك جائحة كوفيد-19 التي غيّرت وجه العالم، بحضور مديري اكبر المهرجانات العالمية، كانت هذه الطبعة فرصة للتضامن مع السينما العالمية في محنتها، فقد ظهرت شعارات المهرجانات العالمية على جدران الصالة الكبرى للمهرجان والقى كل واحدٍ من مدراء المهرجانات السينمائية الأكبر في العالم ،كلمة مُقتضبة عن السينما ودعمها، وأهمية المهرجانات ودورها كصناعة، وكمنابر ثقافية، وتعليمية، وترويجية، وخدماتية وهتف جميعهم بإبتهاج وأمل باسم المهرجان الذي جمعهم ورقم الدورة، باللغة الإيطالية.
وفي الأردن أقيم مهرجان عمّان السينمائي الدولي(الفيلم الأول) بعد تأجيله في شهر آذار (مارس) بسبب القيود المرتبطة بالانتشار العالمي لفيروس كورونا (كوفيد 19 حيث انطلق المهرجان في 23 غشت واستمر لغاية 31 منه بمنطقة العين، في العاصمة الأردنية عمّان، إذ أقيمت العروض في أماكن مكشوفة بمنطقة العبدلي الجديدة (الأرض المقابلة للبوليفارد) على شاشات كبيرة، بإعتماد طريقة المشاهدة المكشوفة “درايف إن” في حين جرت العروض الأخرى في المسرح المكشوف للهيئة الملكية الأردنية للأفلام في جبل عمّان، وصرحت مديرة المهرجان ندى دوماني، أن “المهرجان ينظم رغم كل الصعاب والعقبات، والفضل يعود بشكلٍ رئيسيّ إلى التزام وعزم المنظمين والشركاء” وتضمن برنامج هذه الدورة الاستثنائية 30 فيلماً روائياً طويلاً ووثائقياً، عربياً وَدولياً، بالإضافة إلى تسعة أفلام عربية قصيرة.
ولم يغب مهرجان الجونة السينمائي المصري عن موعده في العام 2020، رغم تأجيله من شهر سبتمبر إلى شهر أكتوبر حيث افتُتح دورته الرابعة في 23 من الجاري وأستمر لغاية 31 منه، وذلك وسط إجراءات احترازية مشددة من جانب إدارة المهرجان للحفاظ على صحة الضيوف والإعلاميين والجمهور وشهدت هذه الدورة عدد كبير من صناع السينما في مصر والشرق الأوسط والعالم، وشهدت فعاليات الدورة عرض 23 فيلما، من بينها 11 فيلما جديدا ومن أبرزها فيلم افتتاح الدورة “الرجل الذي باع ظهره” سيناريو وإخراج كوثر بن هنية، والذي تشارك في بطولته النجمة العالمية الإيطالية مونيكا بيلوتشي، ويعرف مهرجان الجونة من المهرجانات المتميزة الحديثة في منطقة الشرق الأوسط، ويهدف إلى عرض مجموعة من الأفلام المتنوعة، للجمهور الشغوف بالسينما والمتحمس لها، ويسعى لخلق تواصل أفضل بين الثقافات، من خلال فن السينما.
من جانبها لم تثني الإجراءات الصحية المشددة الخاصة بوباء كوفيد 19 ولا سوء الأحوال الجوية التي صادفت حفل الافتتاح حيث كانت إدارة مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي لدول البحر الأبيض المتوسط، في دورته الـ 36 بالإسكندرية من 7 إلى 12 نوفمبر 2020، قد راهنت على إجراء الفعاليات في موعدها حسب مدير المهرجان الأمير أباظة، وتوزعت عروض المهرجان بسينما رينسانس، ومركز الحرية للإبداع، واتيليه الإسكندرية، كما أقيمت ندوات المكرمين بقاعة عزت العلايلى بفندق شيراتون، وعرفت الدورة احتفالية سينما الإسكندرية في حفل ختام المهرجان، يذكر أن جميع فعاليات هذه الدورة الاستثنائية جرت تحت معايير محددة بإشراف وزارة الصحة التي تعاونت كثيراً مع المهرجان .
وبالمغرب اضطرت جمعية “سيني مغرب”، المنظمة للمهرجان المغاربي للفيلم بوجدة، والمزمع تنظيمه من 25 إلى 29 نونبر 2020 إلى تنظيم دورة هذا العام افتراضيا وعن بعد بمشاركة 6 أفلام سينمائية طويلة من مختلف الدول المغاربية، بالإضافة إلى 12 شريطا قصيرا مشاركا ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان، في حين صرح مدير المهرجان خالد سلي، أن هذه الدورة، تأتي لكي لا يكون هناك توقف في شعلة السينما وتقاليد المهرجان، فرغم الجائحة سيكون بمقدور المهتمين بالسينما والمشتغلين بها مشاهدة أفلام عن بعد والمشاركة في مختلف فعاليات الدورة المتمثلة في ورشات تقنية وفنية عن بعد، في المهن السينمائية، ككتابة السيناريو والإخراج والماكياج، بالإضافة لماستركلاس، وندوتين حول السينما والثقافة والتنمية، والسينما ما بعد كوفيد-19.
ومهما يكن من أمر قد تكون جائحة كورونا من أجبرت منظمي المهرجانات السينمائية العالمية وهي مضطرة لمسايرة وباء كوفيد 19، وكانت الضحية الأولى لهذا الفيروس، بداعي ضرورة مواصلة نشاطها كمنبر للعروض وسوق للعرض وتصدير النجوم ، والتسويق للأفلام، لكنها بالتأكيد لن تسمح بأن تكون آخر ضحاياه.
*جمال محمدي ..كاتب وناقد السينمائي