لا أقبل التفاوض على كرامتي من أجل العمل
أرفض الأدوار التي تقدم الصورة النمطية
السينما العالمية يحكمها أشخاص لا يشبهوننا
لدينا مواهب فئ العالم العربي قادرة على المنافسة
تركت المدرسة في عمر 14 سنة لعدم اقتناعي بهذه المنظومة
وتعلمت من الملاكمة قيما ليست موجودة في أي مدرسة بالعالم
لا أبحث عن الشهرة بقدر حرصي على أن تصل الأفكار التي أؤمن بها للناس
السينما ليست حوارات إذاعية.. إنها حوارات مشاعر والحديث الأساسي هو حديث حركة الكاميرا
من بطولات الملاكمة إلى نجومية التمثيل، تشكلت تجربة الممثل المغربي / الفرنسي، الذي كرمه مهرجان الجونة في دورته الأخيرة بجائزة عمر الشريف، لتعلقه الشديد به، ولقناعته بأنه من فتح الباب للممثلين العرب في السينما العالمية.
التقينا سعيد تغماوي، لنسأله عن تجربته في السينما العالمية، ولماذا انتقل من عالم الرياضة إلى الفن، ومدى ارتباطه بجذوره المغربية، وسبب تركه التعليم في سن مبكرة، كما تحدث أيضا عن أسباب حبه لعمر الشريف، ولماذا يراه استثنائيا، كما كان له رأى في حادث مقتل المدرس الفرنسي، وتوابعه في فرنسا والعالم الإسلامي.
حاوره أحمد فاروق*
كيف تابعت الحادث الإرهابي الذي تعرض له المدرس الفرنسي وردود الأفعال التي وصلت لدعوات مقاطعتها؟
أنا ضد فكرة المقاطعة، ولكنني مع التفهم والدراية والحب، فنحن كمسلمين أيضا أبناء للجمهورية الفرنسية، ونحن مع المسيحيين واليهود جميعنا شعر بالرعب من الحادث الإرهابي الذي تعرض له المدرس الفرنسي، وأنا على المستوى الشخصي، اعتبرت قتل المعلم بمثابة يتم لي، وكأني فقدت أبا، لكن في النهاية هذا التصرف الإرهابي الغبي حدث من شخص يمثل نفسه وليس المسلمين، أما موجة العداء ضد المسلمين، فهي حدثت من الحكومة الفرنسية، وبالتالي النظام ارتكب جريمة أكبر من جريمة الإرهابي المعتوه الذي قتل المدرس، لأن الحكومة هنا لا تمثل أشخاصا ولكنها تمثل النظام والدولة الفرنسية.
كمواطن فرنسي مسلم من أصول عربية.. كيف انعكس عليك هذا الحادث وتوابعه؟
أنا شخصيا لم أتأثر سواء بدعوات المقاطعة من المسلمين أو بالتصريحات العدائية من الحكومية الفرنسية، وليس لدى أزمة في حماية نفسي بشكل عام، لأنني ربما أملك قدرا من الشهرة والمال، وبيوت في كل من فرنسا والمغرب وأمريكا، ولكنني أتحدث هنا عن كيفية حماية المجموعة المسلمة التي يخطط لها بأن تذهب لنفس مصير اليهود في الماضي.
وحتى نتحدث عن الأزمة الأخيرة، علينا أن نعود لتاريخ العلاقة بين الفرنسيين والعرب والأفارقة بشكل عام. نحن لم نذهب إليهم، ولكنهم من جاءوا إلينا بذهنية الطامع في الثروات، وقرروا أن يصنعوا مصيرنا، لكن الأيام دارت وأصبح هناك جيل من العرب والأفارقة المسلمين يحملون الجنسية الفرنسية، وبالتالي من حقنا أن تشملنا قيم التسامح أيضا، وأن نعامل باحترام، ودون شيطنة.
لكن هناك للأسف ثقافة قائمة على شيطنة الآخر، ورغم أن هناك أسطورة تاريخية تقول بأن فرنسا هي التي قاومت النازية، لكن فى الوقت نفسه هناك واقع يقول بأن الفرنسيين هم الذين شيطنوا اليهود وسلموهم للرايخ، ونحن كمسلمين لن نسمح بأن يتم تكرار هذا السيناريو معنا.
لماذا تشعر أن التصريحات العدائية التي أعقبت الحادث ممنهجة؟
بشكل أساسي، هناك نظرية تعرف بالإزاحة، فالدولة الفرنسية لديها مشاكل كثيرة سياسية واقتصادية، وكانت في حاجة إلى شيء يخطف الأنظار، كما يحدث في لعبة كرة القدم التي تلهى الناس عن مشاكل مجتمعية مهمة.
لكن أيضا هناك مقولة كل من يقرأها سيعي المعنى المقصود منها في هذا السياق، وهى: عندما تريد أن تقتل الكلب تدعى أنه كان مريضا وسعران، لتجد لنفسك مبررا بضرورة التخلص منه بأي طريقة، فما يحدث هو مسألة شرعنة لأشياء الغرب بالأساس يريد أن يفعلها.
تحمل الجنسيتين الفرنسية والأمريكية.. كيف استطعت الحفاظ على هويتك العربية والإسلامية؟
أنا حريص على أن أكون نفسي، أحترمها، وأطبق التقاليد التي تعلمتها من أسرتي، وأن أكون عقلانيا ولا أقع في تصرفات منبعها انفعالي. فنحن نعبر عن ثقافتنا ونحميها جيدا عندما نكون مثقفين وأذكياء بالقدر الكافي.
كما أنني بشكل عام لا أزال مرتبطا ببلدي المغرب، فهي جزء أساسي في حياتي، أملك فيها بيتا أقضى فيه معظم العام، ربما أكثر من الأوقات التي أقضيها في فرنسا وأمريكا، فعلاقتي بالمغرب لا تنقطع أبدا، وقبل فترة قصيرة انتهيت من تصوير فيلم جديد هناك، وأي شيء جميل بشكل عام يمكن أن أقدمه لبلدي لا أتأخر.
في كرة القدم هناك كثير من اللاعبين العرب لا تكتمل تجربتهم في الغرب بسبب العنصرية.. هل تعانى من العنصرية في السينما؟
بالطبع هناك عنصرية في التعامل مع المختلفين بشكل عام في الغرب وليس فقط في السينما والرياضة، فقط ضع كاميرا في خوذة على رأسك، واذهب لتؤجر شقة، أو حتى لتسير في الشارع، ودعها تسجل كيف ستكون نظرات الناس إليك، وتخيل لو أنت أبيض ووضعت نفس الخوذة وتحركت في نفس الشارع لتفعل نفس الأشياء، كيف ستكون النظرات إليك، بالتأكيد هناك على الأقل نظرة عنصرية لكل مواطن لونه مختلف، وأنا منهم لأني من أصول عربية وأسود ومسلم.
وعلى مستوى العمل، أنا شخص معروف بأنني أواجه، ولدى مواقف واضحة من أشياء كثيرة، وهذا أدفع ثمنه من الذي وصلت إليه ويزيد من الصعوبات والتحديات، ولكن مهما حدث أبدا لا أتفاوض على كرامتي، فهذا شيء أرفضه تماما، وأسعى لأن أكون نموذجا لغيري في هذه النقطة، وأنصح دائما من يأتي للعمل بالسينما العالمية أننا لا يجب أن نتفاوض على كرامتنا من أجل العمل.
هل بعد هذه المسيرة الطويلة في السينما الفرنسية والأمريكية لا تزال تعانى من كونك ممثلا من أصول عربية؟
بالطبع ما زلت أواجه، لكن ليس بنفس القدر الذي كان يحدث فى البدايات، فحاليا وضعي أفضل كثيرا، ولكن عندي هم ومسئولية تجاه الأشخاص الذين جاءوا من نفس الخلفية ويخوضون التجربة في بدايتها، فأنا أعرف ماذا يعانون حاليا، وهذه أزمة بالنسبة لي.
رغم أنك ولدت ونشأت في فرنسا.. لكن معظم الأدوار التي تقدمها لشخصيات مسلمة.. لماذا؟
أنا ألعب دور الإنسان بغض النظر عن ديانته، فأنا أتحمس لدور الإنسان، والمسلم إنسان.
لكنى ما أحب التأكيد عليه، أنني لا أقبل الأدوار التي تقدم الصورة النمطية السلبية للمسلمين، حتى إذا كانت فرصة بالنسبة لى كممثل، لقناعتي بأنني إذا قدمت هذه النوعية من الأدوار يمكن أن أتسبب في خراب بلاد مقابل بناء بيت لي، وأنا لا يمكن أن أفعل ذلك.
وماذا يجب أن نفعل لتغيير صورة المسلمين السلبية في السينما العالمية؟
يجب أن يكون لدينا تمثيل في كل فئات الصناعة بالسينما العالمية، من منتجين ومخرجين وكتاب وليس فقط ممثلون، وعلى المواهب والعباقرة في المهنة أن يجتمعوا لتغيير هذه الصورة، بأخرى إيجابية.
وإذا كان هناك تمويل متاح لنصل به إلى السينما العالمية، فيجب أن يذهب لمن يستحق، الذي يستطيع أن يصنع أعمالا جيدة تخدم صورتنا، وهذا لن يتحقق إلا عندما نقدم للسينما العالمية موضوعات حقيقية تمثلنا.
والحقيقة أنني كنت أتمنى أن أقضى وقتا أطول في مصر بعد تكريمي في مهرجان الجونة، لأسباب كثيرة منها أنني أريد جمع الموهوبين، الذين يشبهونني، من مصر والمغرب والخليج، لنصنع معا فريقا يحقق شيئا في الخارج.
لكن الأفلام العربية أصبحت موجودة بكثرة في المهرجانات الكبرى.. أليس هذا مؤشرا إيجابيا؟
نحن نستطيع صناعة أفلام أفضل من التي تصل للمهرجانات الكبرى، ولكن المشكلة أن الذي يصل عادة هو من يملك العلاقات والتمويل وليس الذي يستحق الوصول لتمثيل السينما العربية في الغرب.
فنحن لدينا مواهب تستطيع تقديم أعمال أفضل تنافس الأفلام الغربية، ولكن للأسف هذه المواهب ليس لديهم الأدوات التي تساعدهم في الوصول مثل الآخرين الذين يصلون بتجارب أقل جودة.
لماذا كل هذا الحب منك لعمر الشريف ولماذا تجربته ونجوميته لا تتكرر بنفس القدر مع الممثلين العرب الذين يذهبون للسينما العالمية؟
عمر الشريف كان استثناء كبيرا، لأنه في اللحظة التي صعد في السينما العالمية، كان من المستحيل أن يحصل ممثل عربي مسلم على فرصة ليصبح نجما عالميا، فالسينما العالمية حتى الآن يحكمها أشخاص آخرون لا يشبهوننا، ولذلك عمر الشريف تحول إلى أيقونة وأمل ورمز للكثيرين، كما أثبت أن السينما يمكن أن تعمل بمثابة محرك لطموح الناس للوصول إلى مراتب لم يحلموا بالوصول إليها.
ولكن يجب توضيح أيضا أن الصعود الاستثنائي الذي حققه عمر الشريف لم يحدث لأنه ممثل متحقق في السينما المصرية والعربية، فهو ليس سينمائيا عربيا صعد للعالمية، ولكن بسبب السينما الإنجليزية والأمريكية التي قدمها، حدث له ميلاد جديد في منظومة سينمائية أخرى، هي التي جعلته يصعد بهذا الشكل، وهذا الصعود هو الذي جعل ممثلا مثلى في المكان الذي أنا فيه الآن، لأنني أسير بنفس المفردات.
هل لهذه الدرجة تعتبر تجربته منهجا وتسعى لتكرارها؟
عمر الشريف كان شخصية رائعة، وأفتخر أنني حصلت على جائزة تحمل اسمه في بلده مصر، فهو الشخص الذي يجلب الأمل لي في السينما والحياة، ولكن هذا لا يعنى أنني أسعى لأن أكون نسخة منه، فأنا أريد أن أكون سعيد التغماوي، ولم أقصد بحديثي عن إعجابي بتجربته أنني أسعى لتقليده فبالتأكيد أنا مختلف عنه، ولكنني أقدره لأنه الشخص الذي فتح لي الباب، كما أنني سعيد بأنني أخوض مجال التمثيل ولدى ميراث من عمر الشريف، فمن المهم جدا أن نفهم بأن لكل شجرة في الدنيا جذور، وعمر الشريف هو الجذر ونحن الممثلين العرب في السينما العالمية ثمرات هذه الشجرة.
لماذا ليس لديك مشاركات في السينما المصرية وهل لديك القدرة على التمثيل بالعربية؟
أحب التمثيل في السينما المصرية إذا عرض على مشروع مناسب، والتمثيل باللغة العربية أو العامية المصرية، لن يكون عائقا لأنني أتحدث المغربية جيدا، وبالتالي من السهل التدريب على التمثيل بالفصحى أو العامية المصرية، وفى كل الأحوال اللغة ليست عائقا في التمثيل بأي بلد، لأن السينما بالأساس ليست حوارات إذاعية، ولكنها حوارات مشاعر، والحديث الأساسي هو حديث حركة الكاميرا.
أنت متعدد المواهب.. فلماذا طغى التمثيل على طموحك فى الكتابة والإخراج ومن قبلهما الملاكمة؟
لكي أثبت نفسي كمخرج أو كسيناريست بنفس القدر الذي أثبت فيه نفسي كممثل أحتاج إلى وقت طويل، فحتى أكون ملاكما جيدا تدربت 15 سنة، ولكي أكون ممثلا جيدا كافحت 25 سنة، لكنى بدأت الكتابة منذ 10 سنوات فقط، ولا أتعجل فى هذه التجربة، لأن قناعتي الشخصية أن الشيء الذي تصنعه بسرعة لكي تنجح وتتحقق بسرعة يحولك إلى «مديوكر»، وأنا شخص أحترم نفسي وأحترم السينما أيضا ولا يمكن أن أفعل شيئا لمجرد التواجد.
إلى أي مدى الشهرة التي اكتسبتها من الملاكمة اختصرت طريقك في احتراف التمثيل؟
الرياضة لم تختصر طريقي في التمثيل، بقدر ما ساعدتني في أن أكون رجلا حقيقيا، لكن ربما استفدت من الرياضة في التمثيل بأنني أستخدم نفس القيم والمهارات التي تعلمتها مثل الهدوء، والحركة والإيقاع، والثقة، وتحمل الضغوط، فكل هذه مهارات مشتركة بين الملاكمة والتمثيل.
ولماذا لم تستمر في الملاكمة رغم تحققك في هذه اللعبة؟
لأنني وجدت طريقا أفضل لحل مشاكلي في الحياة، النفسية وليست المادية، وجدت حلا لكبح الشياطين الموجودة بداخلي، فالمسألة ليست مسألة فلوس، ولكن المسألة مرتبطة بالراحة النفسية.
لكن رغم احترافي التمثيل، لا أزال داخل عالم الرياضة، فعلاقة مستمرة بأصدقائي القدامى في الملاكمة، وأحيانا أدير أعمال أبطال مشاهير، والأهم من كل ذلك، أنني ما زلت حريصا على الذهاب للتدريب بشكل منتظم حتى أحافظ على لياقتي.
لماذا لم تكمل تعليمك.. وهل تسبب ذلك في حرمانك من فرص أفضل في مسيرتك الرياضية والفنية؟
تركت التعليم لأني لم أقتنع بهذه المنظومة، فهي لم تكن تناسبني ولدى اعتراض عليها، فقررت أن أخرج فئ مرحلة متوسطة عندما كان عمري 14 سنة. حينها شعرت أن لدى مهارات كبيرة كمقاتل، فأنا إنسان قوى، وشعرت أن لدى طريقة يمكن أن أحل بها مشاكلي.
وبشكل عام هناك أنواع كثيرة من التعليم، من الأب والقرآن الكريم والمكتبة، والحياة بشكل عام تعلم الإنسان. هناك روافد كثيرة يمكن للإنسان التعلم منها، فالملاكمة علمتني قيما لم يكن من الممكن أن أتعلمها في أي مدرسة في العالم، والسينما أيضا هي أكبر معلم.
لكن هذا لا ينفي، أنني أخذت وقتا طويلا حتى استطعت تجميع مهاراتي معا، حتى تعوضني عن فكرة عدم استمراري في نظام التعليم التقليدي.
وهل وافقتك أسرتك بسهولة على قرار الخروج من النظام التعليمي؟
أنا شخص عصامي جدا منذ طفولتي، وبالتالي الخروج من التعليم كان قراري، فأنا وجدت نفسي في صالة التدريب. كنت أستمر فيها لساعات طويلة حتى أقتل وأهلك الشياطين الموجودة بداخلي، ولا أعرف إذا كانت هذه هي الطريقة الوحيدة التي ساعدتني أم أن هناك أشياء أخرى، لكنى في النهاية كنت أريد أن أتنفس.
هل تشعر أنك تستحق أن تكون أكثر شهرة في العالم العربي بعد الرصيد الذي حققته في السينما العالمية؟
لا أبحث عن الشهرة بقدر ما أريد أن تصل أفكاري التي أؤمن بها من خلال أعمالي إلى الناس.
*عن الشروق المصرية