كتاب يبرز السبل المثلى لتجسيد الواقع ورواية الحقائق التي تستحق الحكي
بيت الفن
في هذا الكتاب الموجز المكتوب بلغة واضحة، تصحب باتريشيا أوفدرهايدي القارئ في رحلة عبر المسارات المتنوعة لتاريخ الفيلم الثقافي، وتطلعهم على النقاشات الحية، العنيفة دائما، الدائرة بين صناع السينما والباحثين بشأن السبل المثلى لتجسيد الواقع ورواية الحقائق التي تستحق الحكي.
وبعد أن تلقى أوفدرهايدي نظرة عامة على القضايا المحورية لصناعة الأفلام الوثائقية، كتعريفاتها وأغراضها وأشكالها ومؤسسيها، تركز على العديد من أنوع الفيلم الوثائقي الفرعية، ومن ضمنها أفلام الشؤون العامة، والدعاية الحكومية (خاصة الأعمال المنتجة خلال الحرب العالمية الثانية)، والأفلام الوثائقية التاريخية، وأفلام الطبيعة.
وملحق بالكتاب قائمة بمائة فيلم وثائقي رائع ينبغي على كل مهتم بهذا المجال ألا تفوته مشاهدتها.
تقول المؤلفة: إن مادة الكتاب ليست مستقاة من المعرفة العلمية فحسب، ولكن من خبرتي كناقدة أفلام على مدى أربعة عقود، فإنها تعكس اهتماماتي ومواطن القصور لدي، وأنا متحيزة للأفلام الوثائقية الطويلة وأعمال صناع الأفلام المستقلين.
وتتابع، نبع انجذابي للأفلام الوثائقية في الأساس من وعد جذب الكثير من صناع الأفلام لذلك الشكل الفني، ذلك الوعد الذي وصفه المحرر والناقد البارز داى فون، في مقالة عن التهديد الذي تمثله المعالجة الرقمية للفيلم الوثائقي، بأنه “الإحساس الداخلي بأنه لو أتيح للناس أن يشاهدوا بحرية، لشاهدوا بإخلاص، ناظرين إلى عالمهم بأنه قابل للتدقيق والتقييم، وأنه على القدر نفسه من المطاوعة والمرونة التي يتسم بها الفيلم”، وقد وجدت الإلهام فى أعمال المخرجين أمثال ليز بلانك، وهنرى هامبتون، وبيريو هونكاسالو، وباربرا كوبل، وكيم لونجينوتو، ومارسيل أوفيلس، وجوردون كوين، وأجنس فاردا.
بدأت الأفلام الوثائقية في السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر بعرض باكورة الأفلام من هذا النوع، والفيلم الوثائقي له أشكال عدةـ، فمن الممكن أن تكون رحلة عبر بلدان وأساليب معيشية غريبة، كما في فيلم “نانوك ابن الشمال” 1922، ويمكن أن تكون قصيدة مرئية كقصيدة جوريس إيفينز “المطر” 1929، وهي قصة تدور حول يوم ممطر، يصاحبها موسيقى كلاسيكية كخلفية، تعكس فيها العاصفة أصداء البنية الموسيقية، ويمكن أن تكون عملا فنيّا للدعاية، فقد أخرج المخرج الروسي دزيجا فيرتوف، الذي صرح بأسلوب حماسي بأن السينما الروائية مسممة وهالكة، وأن المستقبل للأفلام الوثائقية، فيلم “الرجل ذو الكاميرا السينمائية” 1929 كدعاية لنظام سياسي ونوع من الأفلام.
فما الفيلم الوثائقي؟ إحدى الإجابات السهلة والتقليدية لهذا السؤال هي: ليس فيلما سينمائيّا، أو على الأقل ليس فيلما سينمائيا بالمعنى الذي ينطبق على فيلم “حرب النجوم”، إلا عندما يكون فيلما ذا صبغة درامية، مثل فيلم “فهرنهايت 9 / 11” (2004)، الذي حطم جميع الأرقام القياسية للأفلام الوثائقية. وإحدى الإجابات الأخرى السهلة والشائعة هي: فيلم يخلو من الهزل، فيلم جاد، يحاول أن يعلمك شيئا ما، ما لم يكن من نوعية الأفلام التي على شاكلة فيلم ستاسي بيرالتا “العمالقة الراكبون” (2004)، الذي يأخذك في رحلة مثيرة عبر تاريخ التزلج على الماء. فالعديد من الأفلام الوثائقية أعدت بدهاء بهدف واضح هو الإمتاع. والحق أن معظم صناع الأفلام الوثائقية يعتبرون أنفسهم قاصين، لا صحفيين.
وربما تكون إحدى الإجابات البسيطة: فيلم عن الحياة الواقعية. وتلك هي المشكلة تحديدا: فالأفلام الوثائقية تدور “حول” الحياة الواقعية، لكنها ليست حياة واقعية، بل إنها ليست حتى نوافذ على الحياة الواقعية، إنها لوحات للحياة الواقعية تستخدم الواقع كمادة خام لها، ويعدها فنانون وتقنيون يتخذون قرارات لا حصر لها بشأن اختيار القصة، ولمن ستروى، والهدف منها.
“الفيلم الوثائقي: مقدمة قصيرة جدا”
تأليف: باتريشيا أوفدرهايدى
ترجمة شيماء طه الريدي
مراجعة هاني فتحي سليمان
تصنيف الكتاب: فنون / سينما
دار النشر: مؤسسة هنداوي
تاريخ النشر: 2013
عدد الصفحات : 148
استمتع بقراءة وتحميل الكتاب على الرابط التالي: الفيلم الوثائقي مقدمة قصيرة جدا