يتضمن نماذج منتقاة من سيناريوهات أفلام عربية وعالمية
بيت الفن
“إنتاج الأفلام التسجيلية التلفزيونية” كتاب جديد للباحثة نجلاء الجمال تتعدد فصوله بين النظرية والتطبيق لتشمل الجوانب المهمة في صناعة هذه الأفلام انطلاقا من توضيح مفهوم الفيلم التسجيلي (الوثائقي) وخصائصه ومميزاته والأسس العلمية المتعلقة به، والفرق بينه وبين الأفلام الروائية، ومرورا بمراحل ما قبل إنتاج الفيلم التسجيلي “مرحلة العصف الذهني”، ووضع التصور المقترح للفيلم، ومرحلة المعالجة، وبنية الفيلم، وسيناريو التصوير المبدئي، وسيناريو ما قبل الإنتاج، ثم مرحلة أثناء التصوير التي تشمل سيناريو أثناء الإنتاج – التصوير، جماليات الكادر، العمق، الإضاءة، وارتباطها مع مضمون الفيلم، الصوت، الإخراج، وأخيرا مرحلة ما بعد الإنتاج: أسس كتابة التعليق الصوتي، نبذة عن طرق مونتاج الفيلم التسجيلي، وأهمها برنامج FINAL CUT PRO، توظيف الغرافيكس، توظيف المادة الأرشيفية بالفيلم، وتوظيف المؤثرات الصوتية بالفيلم.
صناعة الفيلم التسجيلي وفقا للجمال لم تعد حكرا فقط على المخرجين، ولكن امتدت صناعة الأفلام التسجيلية إلى كل هاو أراد توثيق بعض من اللحظات التي رآها جديرة بالاهتمام في حياته، إنها الطبيعة البشرية في رغبة الإنسان التي امتدت منذ فجر التاريخ في التوثيق والتسجيل، منذ بدايات توثيق الأحداث على جدران المعابد والبردي ووصولًا إلى تسجيلها بتقنية الـ HD. ومن هنا لا يعتمد الك تاب في بنائه على الجانب النظري فقط المتعلق بالجوانب النظرية المتعلقة بالفيلم التسجيلي، وإنما يتطرق إلى كيفية صناعة هذا الفيلم، والمهارات التقنية اللازمة لإنتاجه للوصول به إلى جمهوره المستهدف.
يتضمن الكتاب الصادر عن الدار المصرية اللبنانية مقدمة وخمسة فصول، وخاتمة تطرح مراحل إنتاج الأفلام التسجيلية بدءًا من اختيار الفكرة، وحتى مرحلة الإخراج والمونتاج مع طرح عشرات الصور والنماذج التوضيحية المفيدة. متطرقا أيضا لتعريف الأفلام التسجيلية، ونشأتها، والعوامل التي أدت إلى ظهورها وأهداف الأفلام التسجيلية، وخصائصها وسمات المخرج والفرق بين الفيلم التسجيلي والفيلم الروائي، وأنواع الأفلام التسجيلية، وأساليب تحليلها، وجوانبها الأخلاقية.
وتناقش الجمّال في كتابها الفرق بين الكتابة للأفلام والكتابة الصحفية، والقواعد العامة لكتابة النص، وأنواع السيناريو وخطوات إعداده، ومراحل التصوير وزوايا الكاميرا، وأنواع اللقطات، وتوظيف الإضاءة في الأفلام التسجيلية، ثم تتطرق إلى القواعد العامة لإخراج الأفلام التسجيلية ووظيفة المونتاج وعناصر بناء المشهد ودور المخرج، وأنواع المونتاج وحرفية الصوت والتعليق الصوتي، والموسيقي والمؤثرات الصوتية.
وتطرح الجمّال في الفصل الأخير نماذج منتقاة من سيناريوهات بعض الأفلام التسجيلية المصرية والعربية والعالمية، منها “مجمع الأديان.. مجمع المصريين”، “متحف الفن الإسلامي”، “الملك رمسيس الثاني”، “جسم الإنسان The human body”، “رحلات مقدسة Sacred journeys”، “الأسرار الخفية The hidden secrets”، “البيت Home”، “Man Grizzly”، “الطلاق على الطريقة اللبنانية”، “الوقت لا ينتظر”، “النفايات الإلكترونية”، وغيرها.
أشارت الجمّال إلى أنه منذ أن عرف الإنسان السينما في السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر 1895، كان هناك نوعان متميزان من الأفلام، شاع الاتفاق على تسمية أحدهما باسم الأفلام الروائية، وهي الأفلام التي تقوم على قصة خيالية، ويقوم فيها الممثل بدور أساسي، والممثل هو من يؤدي دورًا لشخصية غير شخصيته الحقيقية، أما النوع الآخر من الأفلام فرغم تمايزه عن الأفلام الروائية إلا أن الخلاف شاع حول تسميته وقد كان جون جريرسون، المفكر السينمائي وأحد رواد هذا النوع هو أول من أطلق عليه تعبير documentary film الفيلم التسجيلي. وبشكل عام تندرج الأفلام التسجيلية حتى ما يعرف بالأفلام التي تعبر عن الواقع، أي أنها غير خيالية، وبالتالي فهي تختلف عن الأفلام الروائية سواء الطويلة منها أو القصيرة، والتي غالبا ما توصف بأنها fiction أي أنها مبنية على الخيال بشكل أساسي، أي خيال مؤلفها، وحتى في حالة اعتمادها على قصص واقعية، مثل تلك التي تسرد قصة حياة إحدى الشخصيات كالرئيس الراحل جمال عبدالناصر أو كالفنانة الراحلة أم كلثوم على سبيل المثال، فإنها على الرغم من اعتمدها على قصص واقعية إلا أن المعاجلة والسياق العام للفيلم يكون مصطنعًا.
وقالت الجمّال إن الفيلم التسجيلي يتناول أشخاصًا حقيقيين بالفعل، وقضايا حقيقية، وأحداثًا حقيقية، وذلك في إطار سياق حقيقي، لإيصال رسالة محددة إلى الجمهور المستهدف، وبالتالي فلو كانت شخصيات الفيلم غير حقيقية وغير مستقاة من الواقع أو عبارة عن ممثلين يقومون بأدوار، ولو كانت القضية المقدمة في إطار الفيلم التسجيلي مفتعلة ومختلقة، فهذا يعني أنها ليست قضية حقيقية، بل ويتطرق الأمر إلى أكثر من ذلك، فلو كانت شخصيات الفيلم حقيقية والقضية حقيقية، وتم توجيههم في سياقات مفتعلة – لا تعكس حياتهم الفعلية – فهذا يعني الخروج من دائرة مفهوم الفيلم التسجيلي.
وأضافت: لكي نقترب من مفهوم السياق المفتعل، نسوق المثال التالي: فلو أردت مثلا أن تتناول ظاهرة البطالة في أحد المجتمعات، وأثرها على الاستقرار السياسي، ووجدت عدة عاطلين بالفعل ووجدت خبراء يمكنهم إثراء الفيلم من منظور اجتماعي وسياسي واقتصادي، والقضية واضحة بالفعل، وهناك تفصيلات كثيرة عنها، ولكن تم تغيير مسار إجابات هؤلاء العاطلين للتوافق مع أجندة سياسية معينة، في هذه الحالة يصبح المسار مفتعلا ومختلقا، بل ومصطنعا، لأنه لا يعكس حقيقة حياة هؤلاء العاطلين وعندئذ لن يكون الفيلم تسجيليا، لأنه لا يمثل سياقا حقيقيا.
وتابعت الجمال: من خلال متابعة مسيرة إنتاج الأفلام التسجيلية منذ بداية الألفية الجديدة، يمكن القول بتوقف الفيلم التسجيلي عن أن يكون ذلك الفيلم الممل الذي يتحدث عن موضوعات متشابهة وقديمة، وازداد وعي صناعه بضرورة احتوائه على عنصر التشويق ليتمكن المشاهد من متابعته إلى النهاية، فيتحصل على الفائدة المرجوة، ومنذ فترة لا بأس بها أيضا، أصبح للفيلم التسجيلي مهرجاناته وجوائزه بل وقنواته الفضائية المتخصصة، هذا فضلًا عن كونه بندا رئيسيًا على مائدة جائزة الأوسكار السنوية”.
وقدمت الجمال بعض النصائح لمخرج الفيلم التسجيلي المبتدئ لإنتاج فيلم تسجيلي فعال وذلك على النحو التالي:
* من المهم اختيار المواضيع التي تخص حياة الإنسان لكي يحصل الفيلم على قبول المشاهد ورضاه بشكل كبير، حيث لا يزال الإنسان وقضاياه هي المحور الأساسي الجاذب في عملية إنتاج الأفلام التسجيلية، وإن كان هذا لا يمنع تنوع الأفلام التسجيلية الناجحة وتعددها والتي تتناول الأحداث والأماكن، ويا حبذا لو تم دمجها في سياق الجانب الإنساني سواء داخل الحدث أو هذا المكان.
* البحث عن المعلومات والدلائل والوثائق، التي تؤيد وجهة النظر المقدمة بالفيلم التسجيلي.
* الصبر حتى تكتمل الفكرة وتكون كل الأدوات اللازمة متوفرة.
* وضع خطة مسبقة على شكل سيناريو وهو ما يسمى بالسيناريو المبدئي، وهو ذلك السيناريو الذي يظل قابلا للتعديل والتغيير طوال المراحل المختلفة لإنتاج الفيلم التسجيلي.
* عدم إعطاء الأهمية البالغة لنوعية وجودة الفيديو بقدر أهمية الوثيقة نفسها، فوثيقة إنشاء قناة السويس لا يمكن تجاهلها في إطار فيلم تسجيلي يتناول قناة السويس بدعوى قدمها.
* أن يضع مخرج الفيلم التسجيلي في الحسبان أن ما يقدمه سيعمل على تغيير الواقع إلى الأفضل أو سيؤدي إلى توضيح صورة غائبة، وبالتالي فالهدف من إنتاج الأفلام التسجيلية ليس المتعة والتسويق وإنما محاولة تغيير الواقع على نحو كبير.
* مراجعة كل المادة المتعلقة بكتابة سيناريو الفيلم ونص التعليق مراجعة لغوية ونحوية دقيقة. فضلًا عن مراجعة المادة العلمية التي يحتويها الفيلم التسجيلي من مراجع تاريخية، لتجنب أية أخطاء تاريخية غير مقصودة، والتي بلا شك تقلل من قيمة الفيلم التسجيلي حال اكتشافها من قبل أحد المتخصصين، والإشارة لذلك في وسائل الإعلام المختلفة بأن فيلما معينا يحوي أخطاء تاريخية معينة.
* التأليف الموسيقي يأتي في المرحلة الأخيرة بعد اكتمال بناء مشاهد ولقطات الفيلم التسجيلي، ويتم التأليف الموسيقي بشكل مخصوص للفيلم وفقا لموضوعه. والأفضل أن لا يتجاوز الفيلم ساعة واحدة وتحديدا 52 دقيقة، مع مراعاة قصر وطول الفيلم حسب الموضوع، وأسلوب المعالجة والإمكانيات المادية المتاحة، وعدم التطويل غير اللازم في طول الفيلم لأغراض تتعلق فقط بالمدة التي حددتها القناة التي ستعرض الفيلم.
* المخرج هو المسئول النهائي عن الفيلم التسجيلي، والذي يجب أن يكون هذا الفيلم نابعا من قناعاته الشخصية ورؤيته للأحداث التي يدور حولها الفيلم. ومن المهم العمل في إطار الفيلم التسجيلي بمفهوم الفريق الواحد، والذي يعني أن مهمة المخرج تتكامل مع المصور والمونتير، وكاتب السيناريو للخروج بفيلم يفيد من يشاهده، وينقل حالة واقعية موجودة في محاولة للتأثير على المتلقي النهائي تجاه آرائه واتجاهاته نحو موضوع هذا الفيلم التسجيلي.
يذكر أن نجلاء الجمّال تجمع بين العمل الأكاديمي والممارسة التطبيقية، حيث عملت مخرجة للأفلام التسجيلية بقناة النيل الثقافية بالتلفزيون المصري، فضلا عن خبراتها الأكاديمية في بعض الجامعات والمعاهد المصرية، ولها العديد من المؤلفات والبحوث المنشورة في مجالات العمل الإعلامي، وخاصة فنون التلفزيون.