بيت الفن
سجلت الدورة الـ21 من المهرجان الوطني للفيلم، التي احتضنتها مدينة طنجة من 28 فبراير المنصرم إلى 7 مارس الجاري، بطولات مطلقة للنساء في 3 أعمال سينمائية روائية طويلة، مقابل تراجع واضح في عدد المخرجات، الذي انحصر في مشاركة مخرجة واحدة مريم التوزاني بفيلم “آدم”، في المسابقة الرسمية للفيلم الروائي الطويل، التي ضمت 15 فيلما، مقابل خمس مخرجات من بين 15 مشاركا في مسابقة الفيلم الروائي القصير هن أسية الإسماعيلي، ولينا اعريوس، سناء العلوي، مريم عبيد، وصوفيا العلوي، و3 مخرجات من بين 12 في مسابقة الفيلم الوثائقي الطويل، ويتعلق الأمر بـأسماء المدير ومريم بكير ولبنى اليونسي.
مقابل تراجع عدد المخرجات المشاركات في المسابقات الرسمية الثلاث، نجد مشاركة 10 عضوات في لجان التحكيم الثلاثة مقابل 5 أعضاء.
وبالنسبة للتكريمات حظيت المخرجة فريدة بورقية بتكريم خاص في حفل الاختتام، كما بصمت فريدة بليزيد على حضور متميز في المهرجان من خلال عرض فيلمها “باب السما مفتوح” (1988)، الذي جرى تقديمه في نسخة مرقمنة، حيث عبرت عن امتنانها للمركز السينمائي المغربي، الذي أعاد الحياة لأقرب أفلامها إلى قلبها.
“آدم” ..تجربة إنسانية توحد بين امرأتين
سينما نسوية بامتياز، لا تنتمي إلى عالم الأفكار التي غالبا ما هيمنت على سينما المرأة في المغرب، سواء كانت من صنع مخرجة أو مخرج يطرح قضايا المرأة وينتصر لها. سينما تنتمي إلى التجربة الإنسانية، وفيلم يتمحور حول تجربتين قاسيتين لامرأتين في الدار البيضاء، واحدة مات زوجها والأخرى حامل خارج مؤسسة الزواج.
“آدم” فيلم نسائي، ليس فقط، كونه من إخراج امرأة، مريم توزاني، بل لأن موضوعه يتعلق بشكل خاص بعالم المرأة في مجتمع مغلق مثل المجتمع المغربي. يتميز الشريط رغم بساطته، بسلاسة موضوعه ووضوح شخصياته ورؤيته، كما أنه ناطق بكامله باللهجة المغربية دون أي إقحام للفرنسية.
تدور أحداث الفيلم في (المدينة القديمة) بالدارالبيضاء. وهو الحي الشعبي المتزمت الذي يكفي أن تدخله امرأة شابة حامل لا يعرفها أهل الحي، لكي تحاصرها النظرات من كل جانب، وهو ما يحدث لإحدى البطلتين. أما الموضوع فهو كيف يمكن للمرأة أن تشق طريقها دون الرجل؟ وأن تعتمد على نفسها في إدارة شؤون حياتها بعيدا عن أسر الرجل ودون الاحتياج إليه وأن تواجه بمفردها وبكل شجاعة، عواقب اختياراتها ونتائج أخطائها أيضا.
في الفيلم شخصيتان رئيسيتان لامرأتين، “سامية” (نسرين الراضي)، التي جاءت من البادية إلى المدينة وهي في مرحلة متقدمة من الحمل نتيجة علاقة جنسية غير شرعية. تبحث عن عمل يوفر لها نوعا من الحياة الكريمة ولو مؤقتا إلى حين وضع مولودها، فهي لا تستطيع العودة إلى أسرتها لكي تلد هناك. تطرق جميع الأبواب دون جدوى، فلا أحد يريد أن يسند إليها عملا وهي في هذه الحالة المتأخرة من الحمل، إلى أن تلتقي المرأة الثانية “عبلة” (لبنى أزبال) الأرملة، التي تقيم مع ابنتها “وردة” (8 سنوات) بعد وفاة زوجها، وهي تعتمد على نفسها في تدبير شؤون الحياة من خلال بيع الفطائر وأرغفة الخبز، التي تصنعها في المنزل وتعرضها للبيع عبر باب غرفة في منزلها جعلتها بمثابة دكان، هذا الباب ينفتح على الشارع الذي يعج بالناس.
الفيلم ليس معنيا هنا بماضي سامية، من أين جاءت بالتحديد؟ وماذا وقع لها؟ ومن هو الرجل الذي عاشرها وحملت منه؟ ولماذا تخلى عنها وفي أي ظروف؟.. الخ. فالرجل شبه غائب عن الفيلم عمدا فهذا ليس فيلم الرجل بل المرأة أمام واقعها وأمام مشكلتها. وأزمة سامية هي التي تكشف، أيضا، أزمة لبنى. فالمأزق هنا مشترك.
“نساء الجناح ج”.. 4 نساء يتحدين الاكتئاب
انتصر الفيلم الروائي الطويل للمخرج محمد نظيف، الذي تم عرضه ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للفيلم، للمرأة من خلال أربع نساء سيتخلصن من معاناتهن مع المرض بالاتحاد والشجاعة في مواجهة مشاكلهن.
تتشارك 3 نساء غرفة واحدة داخل مستشفى للأمراض النفسية، وخلال رحلة علاج قصيرة من الاكتئاب؛ يلامس مخرج الفيلم المغربي “نساء الجناح ج” بعضا من القضايا الاجتماعية المسكوت عنها عبر حكاياتهن، بينما على الجانب الآخر يبلور قيمة الصداقة، وكيف تصبح طوق نجاة في عالم تشتد قسوته.
فيلم “نساء الجناح ج” بطولة أسماء الحضرمي، وجليلة التلمسي، وإيمان مشرافي، وريم فتحي، وفاطمة عاطف، ونسرين الراضي، وكنزة فريدو، ومن إخراج محمد نظيف، في ثاني فيلم روائي طويل له.
تنطلق أحداث الفيلم من داخل الجناح “ج” بمستشفى الأمراض النفسية بمدينة الدار البيضاء، حيث آمال التي فقدت ابنها الوحيد في حادث، وتلوم نفسها طيلة الوقت على ذلك، وابتسام التي خدعتها أمها وزوّجتها من رجل مثلي الجنس بعدما أخفت عنها حقيقته، وريم الفتاة التي تعرضت للاعتداء الجنسي من والدها، وعندما جاهرت بالأمر وقف الجميع ضدها، حتى أمها شهدت ضدها بالمحكمة.
ورغم الصورة النمطية عن غالبية أطقم التمريض بمثل هذه المستشفيات، من قسوة وغلظة في التعامل مع المرضى، يقدم مخرج الفيلم نموذجا حنونا متعاطفا، يتمثل في الممرضة حليمة، التي تساعد الثلاث نساء على الخروج سرا في بعض الليالي للسهر والترويح عن أنفسهن. لكن حتى هذه المرأة يتضح أنها على شفا الاكتئاب، بعدما خدعها خطيبها وأخذ مدخراتها للزواج من أجنبية، والحصول على جنسية أوروبية.
وأمام ضغوط المرض والمجتمع وأقرب الأقرباء، يصبح اتحادهن قوة، وتتحول صداقتهن إلى مفتاح لمعظم المشاكل التي يعانينها.
“أبواب السماء” فيلم ينفتح على واقع السجينات
في إطار مسابقة الأفلام الروائية الطويلة بالمهرجان تم عرض الفيلم المغربي “أبواب السماء”، الذي يعد ثاني تجربة سينمائية لمخرجه مراد الخودي بعد “فورمطاج”،
يتناول الفيلم، الذي تدور أحداثه داخل سجن للنساء، جانبا من المعاناة اليومية لسجينات محكوم عليهن بالإعدام وما يعشنه من عذاب نفسي وبدني جراء ظروف السجن القاسية انتظارا للحظة تنفيذ الحكم فيهن.
لكل واحدة من السجينات قصة تحكي بعض تفاصيلها بالتدريج عبر زمن الفيلم (100 دقيقة)، حيث نتعرف على الأسباب التي أدت بكل واحدة منهن إلى ارتكاب جرائم قتل بوعي أو بدونه.
جدة الفيلم تكمن في موضوعه، الذي حاول مراد الخودي، مخرجه وكاتب سيناريوه في آن واحد، الانفتاح من خلاله على عوالم سجن عينة من المحكوم عليهن بالإعدام لتسليط بعض الأضواء على معاناتهن المختلفة، خصوصا النفسية منها، وظروف ارتكابهن جرائم القتل في حق مغتصبيهن أو أزواجهن وأبنائهن أو غيرهم.
كما تكمن أهمية هذا الموضوع في محاولة مساءلة عقوبة الإعدام في حد ذاتها والجدوى منها، وفي التساؤل عن مصير الأطفال، الذين يولدون داخل السجن وغير ذلك من الأمور.
الفيلم من بطولة راوية وفاطمة الزهراء بناصر وهدى الريحاني ونسرين الراضي..