الساموراي السبعة

أكيرا كوروساوا و”الساموراي السبعة” يبعثون في حلة جديدة بقرطاج

أيام قرطاج السينمائية

تونس: عبد الإله الجواهري

قوة أيام قرطاج السينمائية، لم تتمثل خلال هذه الدورة بالعروض الفيلمية، أوالتكريمات واللقاءات والندوات ومنصات الدعم، بل أيضا في الإنفتاح على سينمات مختلفة، سينمات عالمية معروفة بتنوعها وغناها، حيث تم عرض مجموعة أفلام كلاسيكية واخرى حديثة، ضمن فقرة “سينمات تحت المجهر”، فقرة عرفت، أكثر من غيرها، كثافة من حيث إقبال الجمهور، خاصة منه عشاق السينما (السينيفليون) من نقاد ومثقفين ورواد الأندية.

وإذا كانت برمجة هذه الفقرة، شهدت تقديم أفلام شهيرة، من مثل: “كفر قاسم” لبرهان علوية، و”حروب صغيرة” لمارون بغدادي من لبنان، و” وإيزرا” لنيوتن إدواكا، و”أكتوبر 1″ من نيجيريا، و”شعر بلا نهاية” لأليخاندرو خودوروفسكي، و”نيرودا” لبابلو لاران من الشيلي، فإن نقطة القوة والبهاء تمثلت في مجموعة أفلام يابانية، خاصة منها الفيلمين الكلاسيكيين المرممين، الأول للمخرج الظاهرة خلال النصف الأول من القرن العشرين، كينجي ميزوغوشي الذي عرض له شريط “حكايات القمر الشاسع بعد المطر”، والثاني للمخرج العبقري، ورمز سينما الشمس الصاعدة لأعوام طويلة، خاصة منها سنوات الخمسينات والستينات والسبعينات، أكيرا كروساوا، الذي قدم له فيلم “الساموراي السبعة”، أو الفيلم التحفة، باعتباره واحدا من أهم الأفلام العالمية الخالدة، وأكثرها مشاهدة واقتباسا في السينما العالمية، حيث يذكر الجميع الحفاوة التي قوبل بها لحظة عرضه لأول مرة بمهرجان كان سنة 1954، مثلما يذكر الأفلام التي أخذت منه، أساسا الشريطين الأمريكيين اللذين يحملان عنوان “الرائعون السبعة”، الأول منتج سنة 1960، من إخراج المخرج الأمريكي جون ستورجس، وبطولة كوكبة من نجوم السينما الأمريكية آنذاك، يتقدمهم الممثل الكبير يول برينير، والثاني الذي تحقق سنة 2016، من خلال رؤية المخرج أنطوني فوكوا وبطولة دانزل واشنطن، هذا دون نسيان النسخة الهندية الشهيرة التي أنتجت سنة 1975، تحت عنوان “شعلة” للمخرج راميش سيبي، وبطولة دهار مندرا وأميتاب باتشان، ثم النسخة المصرية المعنونة بـ “شمس الزناتي” المحققة سنة 1991، من إخراج سمير سيف وبطولة عادل إمام.

نسخة المخرج العبقري أكيرا كوروساوا، هزت مهرجان كان سنة 1954 (كما أشرنا)، وجعلت الكل ينتبه للسينما اليابانية، من خلال حصوله وقتها على الجائزة الفضية، قدمت في الدورة الحالية لمهرجان قرطاج، في أبهى نسخها، نسخة مرممة وفي كامل مدتها الأصلية، أي 207 دقيقة، علما أن طول مدة الفيلم، كانت قد فرضت على موزعيه لحظة خروجه للقاعات سنوات الخمسينات، حذف ساعة زمنية منه، الشيء الذي مس جوهر الشريط، وجعله يبدو في القاعات التجارية آنذاك، فيلما ناقصا لا تتحقق وتكتمل رؤيته إلا في المهرجانات التي تحترم جمهورها، وقبل ذلك تحترم الفن والسينما.

يتمحور الفيلم، كما يعرف كل عشاق السينما عبر العالم، حول قصة عصابة من اللصوص، اعتادت على سلب ونهب القرى النائية، مما جعل سكان إحدى هذه القرى تقرر وضع حد لهجوماتها وتنهي بذلك الكابوس الذي يتربص بهم في كل لحظة، فبعثوا بعض الأفراد منهم، للبحث عن محاربين ساموراي، كي يتولوا الدفاع عنهم وعن قريتهم، ووضع حد للصوصية وممارساتهم الشنيعة.

خلال البحث يستطيع هؤلاء القريون الاتفاق مع الساموراي كامبيي على صفقة حمايتهم ودفع اذى اللصوص عنهم، حيث يقوم هو الآخر بتجنيد خمسة محاربين آخرين إلى جانبه، إضافة لكيكتيشيو الذي يلتحق بهم (قام بدوره النجم الياباني تيوشيرو ميفوني). بعد تدريب القرويين وخوض سلسلة من المواجهات الدامية، يتم القضاء نهائيا على كل أفراد العصابة، مع موت بعض القرويين ورجال الساموراي السبعة، في المعركة الأخيرة.

الفيلم صنف وقت خروجه ضمن الملاحم التاريخية الحربية، وهو من الأنواع الأكثر شيوعا سنوات الأربعينات والخمسينات في السينما اليابانية، لكن أكيرا كروساوا أعطاه بعدا جديدا، حيث لجأ للواقعية في تنفيذ المعارك والمواجهات، مع جرعة زائدة في العنف، وتجنب كل أشكال التكلف أو المواقف الدرامية التي تستدر عطف الجمهور، أو تلهيه عن استعمال العقل واستحضار الثقافة اليابانية، في التفاعل مع أجواء الشريط وأبطاله، كما أنه وظف أسلحة نارية لم تكن توظف من قبل في هذا النوع من الأفلام، ليخرج فيلمه في حلة لم يألفها اليابانيون من قبل، مثلما صدم الشريط المتفرج الغربي بقوته وقوة تناول تاريخ بلد محارب عرف بقوة الشكيمة، قوة كانت لا تزال أثارها، آنذاك، تثقل الذاكرة بسبب الحرب العالمية الثانية وأهوالها، ونموذج الجندي الياباني المنتحر (الكاميكاز) في سبيل صون شرف بلده والدفاع عن تاريخه وتراثه.

عن بيت الفن

شاهد أيضاً

داود ولاد السيد وأيوب اليوسفي ينافسان على جوائز أيام قرطاج السينمائية

المرجة الزرقاء لـ داود ولاد السيد ينافس على جوائز الأفلام الطويلة وفيلم شيخة لـ أيوب …