بيت الفن
في الأطلس الكبير وتحديدا في إقليم ميدلت، يحتفل السكان بطقس لا يشبه الطقوس الأخرى، ويتعلق الأمر بموسم الخطوبة بإملشيل، الذي ينطلق مع متم كل صيف، في قبيلة أيت احديدو.
كل الطرق تؤدي إلى روما، مثل مشهور عالميا، ولكي تصل إلى إملشيل القرية التي تقع على علو 2200 م عن سطح البحر، وتوجد في قلب الأطلس الكبير الشرقي، يجب عليك أن تقل نوعين من وسيلة النقل، من أجل قطع مسافة 146 كيلومترا من الطرق المتعرجة انطلاقا من خنيفرة. طرق وعرة لكنها غنية بمناظر خلابة، الكثير من المغاربة يقطعونها لحضور موسم الخطوبة الجماعي، ولا يقتصر الأمر على المغاربة فقط، بل حتى السياح الأجانب مثل مارين التي أتت من بلجيكا من أجل حضور هذا الحدث، الذي لا مثيل له في العالم. تقول “جئت إلى هنا رفقة صديقتين، سافرت معهما إلى الكثير من البلدان التي تتميز بغنى ثقافتها مثل المغرب، الذي تتعدد فيه الثقافات والروافد التراثية، كما هو الشأن بهذا الاحتفال الاستثنائي”. وأكدث مارين لموقع “بيت الفن” أنها المرة السادسة التي تزور فيها المغرب.
حين تصل إلى القرية، تجد الزوار يتقاطرون على الشاحنات الصغيرة التي تؤمن الرحلة بين إملشيل وأكدود، حيث يوجد “سوق العام”، او ما بات يعرف بالسوق السنوي. في هذا الموسم تجرى خطوبة 60 شابا وشابة، بشكل يراعي التقاليد الموروثة من جهة، ومن جهة أخرى فإن العرس بإملشيل أقل تكلفة وأكثر بساطة من غيره في المناطق الأخرى.
وخلافا للرأي السائد الذي يعتقد بأن العروسين يتعرفان على بعضهما خلال الموسم، يتقدم العرسان أمام العدول قصد إضفاء طابع الشرعية على علاقتهم التي تبتدأ من دوارهم وقبيلتهم، وفي الوقت ذاته تكريس تقليد اجتماعي يضرب بجذوره في عمق التاريخ بهذه المنطقة.
ويتدفق سنويا إلى هذا الموسم، الذي يستغل الفضاء المحيط بالولي الصالح سيدي محمد أولمغني، عدد كبير من سكان قبائل الأطلس الكبير، وكذا عدد كبير من السياح المحليين والأجانب، بهدف التعرف على أحد المواعيد السوسيو-ثقافية الأكثر أسطورية في المغرب.
ويتميز هذا الموسم الذي يقام على بعد حوالي عشرين كيلومترا عن مدينة إملشيل بتنظيم سوق تقليدية كبيرة تجلب الآلاف من الأشخاص وتشهد رواجا اقتصاديا مكثفا، خاصة للتزود بالمنتجات والمواد، قبل موسم الخريف.
ولكن الموسم (ليضوض بالأمازيغية) مهدد بتحولات الحياة الاجتماعية التي تكتسح هذه المنطقة الواقعة على أزيد من 2000 متر من سطح البحر مما استدعى ارتفاع الأصوات الداعية إلى صيانته والحفاظ على طابعه الأصيل.
وتعود جذور إحياء موسم إملشيل إلى أسطورة رومانسية تحكى عن كون شاب من قبيلة آيت إبراهيم أغرم بفتاة من قبيلة أيت عزة، إلا أن العلاقة غير الودية التي كانت تسود بين القبيلتين حالت دون إتمام زواج الشابين. فبكى كل من العشيقين على حدة رفض الأبوين وشيوخ القبيلة (أمغار) عقد قرانهما إلى حد أن دموعهما كونت البحيرتين التوأم “إسلي” و”تيسليت”.