نعيمة أشركوك

تتويج نعيمة أشركوك بميدالية الاكاديمية الفرنسية للفنون

استحقاق عالمي جديد للفنون التشكيلية المغربية

بيت الفن

بات يوم السبت 22 يونيو 2019 يوما مشهودا في سجل الفنون التشكيلية المغربية، ما يعزز هذا الافتراض حصول الفنانة التشكيلية الشابة، نعيمة أشركوك، على ميدالية الأكاديمية الفرنسية للفنون والعلوم والآداب، التي يوجد مقرها بباريس.

ولم يكن هذا الاستحقاق تمرينا سهلا أو واجبا في عداد اليومي، وإنما اعتراف بمسار ابنة شفشاون الفني المتميز. إذ عبرت أشركوك عن سعادتها بهذا التتويج، الذي وضع الفنون التشكيلية المغربية في دائرة الضوء والنقد.

قطعت الفنانة رحلة ألف ميل بهذه الخطوة العالمية، ورأت في التتويج حلما تحقق، لأن الأكاديمية التي تشرف على تتويج المبدعين المتميزين في مجالات الفنون والعلوم والآداب تعد من أعرق وأرقى المؤسسات الثقافية بفرنسا وأوروبا والعالم، إذ تأسست سنة 1915، مشيرة إلى أنها تهدي التتويج إلى كل الفنانين والفنانات الذين يشقون طريقهم بثبات في مجال الفن التشكيلي.

مثلها مثل غيرها من الفنانين المرموقين، الذين سطروا أسماءهم بمداد من الفخر والاعتزاز، تكون أشركوك واحدة من الفنانات اللواتي سبقتهن شهرتهن إلى الديار الفرنسية.

فبعد اجتهاد قل نظيره في مجال التشكيل، تعزز بالكثير من المعارض في الداخل والخارج، والجوائز، أيضا، حيث حصدت أشركوك جائزة التميز لعام 2018 من لندن، كانت ميدالية الأكاديمية الفرنسية ثمرة هذا العطاء، الذي لا يقدر بثمن.

في رحلة بوحها الفني استطاعت الفنانة أشركوك ان تقرأ أحاسيس الغير، مثلها كقديس يوزع الترانيم، ويفشي ما تحمل الصدور، بهذه الحدوس القوية التي ملكتها، ذات مرة رسمت أحد الوجوه لإحدى الشخصيات، بروعة وإثقان، لكن الأمر خرج من طوع الواقع إلى حلمية التجريد بشهادة صاحب الصورة.

فنانة ارتضت التشكيل فسحة جمالية، إذ تسلقت أقواس قزح لتكتب بألوانها أسماء ما تحب من الأشياء الصغيرة والكبيرة، منشدة أحلاما فجرتها في كل لوحة، حصلت بها على العلامة الفنية الكاملة.

الكثير من النقاد ومتتبعي الحركة التشكيلية في المغرب، وكذا النقاد الأجانب أبهرتهم أعمالها واندهشوا للتركيبة اللونية واللطخة الصباغية التي لا تشبه أحدا، وإنما تشبه هذه المبدعة التي آمنت أن اليد الأولى التي رسمت في جوف الكهوف ونحتت على الصخور، هي ذاتها اليد التي تسلمت جائزة الأكاديمية الفرنسية ودبلوما مستحقا من طرف الأكاديمية الدولية العريقة.

في جو حماسي، يعز عن كل وصف كانت الفنانة التشكيلية اشركوك مع الموعد، فالساهرون على المحفل الدولي وأصحاب المدارك الجمالية، أصبحوا يعرفون عن قرب اسما تشكيليا جديدا انخرط بكل عفوية في قائمة المشاهير.

ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن المبدعة رسخت وجودها الفعلي والمهني ضمن الفنانات والفنانين الذين اكتسبوا شجرة أنسابهم من العالمية، وغرفوا غرفة من ماء الجمال. أشركوك أتقنت وأبدعت وتركت اسمها يتموج على ماء الحضور، وجلجل هذا الاسم المكان ورجع الصدى، لاشيء متروك للصدفة. أعمالها معادل رمزي لكائناتها الصغيرة والكبيرة، ولشخوصها الذين بحثت عنهم في محيطها وجغرافية المكان التي تنطق وتنشد أصيل شفشاون والحضارة الإنسانية، هاهي تتلمس كل الألوان وكل المواضيع، التي رسمتها شعرا وسخرت أسانيدها للأعمال الجادة، التي تحمل في أسرارها بذرة النجاح.

في منجزها البصري يدرك المتتبع الحصيف فتحات نحو الأفق، كأني بها تنسج أحلامها بعيون الشاعر والفنان الطائر، الذي يقاوم ويبدع برؤيا وروح الفنان الحالم، مخلصة لانتمائها إلى الواقع، ومرة تتجاوز الواقع بالخيال وصناعة الجمال.

تطالعنا تجربتها كبيان بصري لهوية منفتحة بعيدا عن كل النسخ الخائنة وقريبا من الاختلاف والتنوع الأوليين. على هذا النحو، تخوض الفنانة رحلة عبر تاريخ الأشكال والأقواس والبيوت والحارات القديمة. فكل لوحة محاولة اتصال دائم متعدد الواجهات والتمظهرات وترحال لا يعرف الكلل.

في مقتربها البصري دعوة مفتوحة للحضارة الأندلسية بكل تجلياتها وبكل صنوف اسرارها المخفية والمعلنة، فنحن هنا بصدد تاريخ بصري للمتخيل التصويري كما قرأته هذه المبدعة وأدركت أسراره البليغة في عالم دينامي ينهض كلحظة إبداعية من لحظات الهوية.

لقد أدركت في لوحاتها الحوارية بأن الإبداع الحقيقي هو الذي يحول الفن إلى صيرورة تتأسس على هوية الاختلاف. ألم يقل أحد النقاد الجماليين “لا يتخالف إلا ما يتشابه”.

سر هذه المبدعة، هو سر الموهبة الفطرية، لقد عثرت على كنوز التشكيل في طين الحياة، جعلت من أسلوبها البصري ومن تقنيتها الصباغية دلالة وجودية، وصاغت من مداركها التشكيلية جماليات شعرية، وآلية دفاع لوني عن الحياة والإبداع معا.

رسمت صور العالم المتحول، ورسمت صورتها الثابتة، فبين الثابت والمتحول تبزع تجربة الفنانة على حد النظر، وعلى مدى الروح، فهي تتشكل وتنبني على الفرادة والدعة والجدة، فهي تزودنا إبداعا بما يؤرق الحدس ويضيئه، ففي كل لوحة شذرات شعرية، بل هي صوتها الفردي، هكذا حققت المبدعة شرعيتها الجمالية، حين فرضت وجودها واسمها في أكبر المحافل الدولية، ولم يكن تتويجها سوى بداية النجاحات على الصعيد المحلي والعالمي.

عن بيت الفن

شاهد أيضاً

صالون المغرب للفنون التشكيلية يحتفي بالفنانة فوزية السقاط بفاس

الصالون يتواصل برواق محمد القاسمي بفاس بمشاركة حوالي 24 فنانة وفنان من داخل وخارجه… بيت …