علاء الدين الجم

الجم يفتتح عروض مسابقة “أسبوع النقاد” في “كان”

بيت الفن

افتتح فيلم “سيد لمجهول” (معجزة القديس المجهول) للمخرج المغربي علاء الدين الجم، مسابقة “أسبوع النقاد” التي تنظمها الجمعية الفرنسية للصحافيين ونقاد السينما، ضمن فعاليات مهرجان كان السينمائي.

ويتناول الفيلم، الذي عرض بحضور مخرجه وأبطاله الرئيسيين يونس بواب، صلاح بن صالح، أنس الباز، ومحمد نعيمان وآخرون، قصة أمين، الذي يسرق مبلغا كبيرا من المال ويهرب به إلى التلال، حيث تتعقبه الشرطة. وقبل اعتقاله، يدفن المال في حفرة ويغير معالمها لتبدو أشبه بقبر. وبعد سنوات من السجن، يعود لتفقد كنزه، فيجد أن القبر تحول إلى ضريح لولي مجهول، ونشأت قرية في محيطه، فيكون على الشاب أن يقيم في المكان مترقبا فرصة لاستعادة ماله.

في قراءته للفيلم الروائي الطويل الأول لعلاء الدين الجم (إنتاج مغربي/ فرنسي/ قطري)، يقول الناقد المصري أمير العمري “لا شك أننا أمام فيلم يمتلك مخرجه الكثير من الطموح، مع لمسات فنية عالية في الصورة توفرت بفضل الإنتاج المشترك والتمويل المتعدد الجهات، ومع ذلك يعاني من بعض الهنات التي كان يمكن التغلب عليها، ومعظمها تتركز أساسا في السيناريو والمونتاج، والكثير منها يمكن اعتباره أخطاء البدايات”.

ويغلب على الفيلم، الذي استفاد من دعم عدة شركاء من بينهم (مؤسسة الدوحة للأفلام والمركز السينمائي المغربي والمنظمة الدولية للفرنكوفونية بفرنسا ومؤسسة دعم سينما العالم بفرنسا ومهرجان لوكارنو والقناة الثانية “دوزيم” ومعهد ساندانس بالولايات المتحدة)، يضيف العمري، الطابع الكوميدي الساخر، ويميل إلى تصوير الكثير من المفارقات العبثية التي تحيط بحياة مجموعة بشرية تعيش على الأسطورة التي خلقتها…”.

يبدأ الفيلم بشاب ملتح هو “اللص”، والمفارقة أن الغالبية العظمى من الرجال في هذا الفيلم يطلقون لحاهم ويطيلون شعورهم مثله تماما، لكن مع التباين في السحن والأشكال التي تبدو في معظمها كاريكاتيرية تشعر بأنها ربما تكون قد خرجت لتوها من أحد أفلام الكارتون.

“اللص” يتجه إلى تلك البقعة الصحراوية التي ستصبح مسرحا لأحداث الفيلم، يصعد إلى ربوة جبلية مرتفعة حيث يدفن حقيبة كان يحملها معه من الواضح أنها مملوءة بالمال الذي سرقه، وهو يحفر في التربة ويدفنها حيث الموقع كما لو كان مدفنا لشخص ما.

وفي اللقطة نفسها وقبل أن يبتعد اللص سرعان ما تعلو أصوات التنبيه في عدد من سيارات الشرطة التي تحيط به ويتم اعتقاله، دون أن نعرف كيف ظهرت هذه السيارات بهذه السرعة ولا كيف عرفت بمكانه ولا كيف تجاهل رجال الشرطة استعادة الغنيمة المنهوبة؟ فكل هذه التفاصيل لا أهمية لها في سيناريو الفيلم الذي كتبه المخرج الشاب نفسه والذي يقوم على قدر لا بأس به من التجريد والقفز فوق الواقعية.

وفي المشهد التالي نفهم أن اللص قد خرج من السجن وذهب إلى المكان الذي دفن فيه غنيمته لكي يكتشف أن الموقع تحول إلى ضريح بناه الناس فوق المدفن، وأطلقوا عليه “ضريح سيد لمجهول”.

يستعين اللص بزميل له يقول له ويكرر كثيرا إنه هو الجسد، أي “العضلات”، بينما هو، أي اللص “المخ”، أي العقل الذي يخطط وأن عليه بالتالي أن يستجيب لتعليماته من دون تردد أو اجتهادات من جانبه.

ويتشاور الاثنان في كيفية استعادة الكنز المدفون، ويرى اللص أنه لا مناص من حفر القبر الكائن داخل الضريح لاستخراج الحقيبة، ولكن ليلة بعد أخرى يتم تأجيل العملية لسبب أو لآخر.

ويتفرع الفيلم إلى شخصيات أخرى كثيرة منها شخصية حارس الضريح المتطوع الذي يعتبر الكلب الذي يستعين به لمقاومة لصوص الضريح (لا نعرف ماذا سيسرقون بالضبط باستثناء حفنة من العملات الصغيرة التي يلقيها الزوار في وعاء كبير مليء بالماء يتبرك به المرضى!)، لكن الحارس الذي يبدو شديد الإخلاص في ممارسة عمله، يبدو كما لو كان يقوم بمهمة مقدسة.

وعندما يدهس مساعد اللص بسيارته الكلب بغرض التخلص منه لكي لا يعيق العملية التي يعتزم الاثنان القيام بها لاستخلاص المال المسروق، لا يموت الكلب بل يفقد معظم أسنانه، ويكاد الحارس يفقد عقله حزنا على الكلب، لكنه يحمله ويذهب به إلى حلاق القرية التي من الواضح أنها أقيمت على مقربة من الضريح، لكي يصنع الحلاق للكلب أسنانا بديلة، لكن الحلاق الذي يعمل في علاج وتركيب الأسنان يقول إنه لا يتعامل سوى بالأسنان الذهبية فقط، وهو ما يتفقان عليه.

موفدا من وزارة الصحة يصل طبيب شاب إلى العمل في الوحدة الصغيرة في القرية، حيث يجد ممرضا عجوزا منحني الظهر، يخفي أنه هو الذي كان وراء إشاعة أسطورة الولي الذي يتبرك به أهل القرية بغرض التغلب على الملل جراء الحياة الساكنة الجافة في تلك المنطقة.

ويتردد على عيادة الطبيب نساء عجائز لا لسبب سوى للتسرية عن أنفسهن، ويقول الممرض للطبيب إنهن يحضرن للتسرية عن أنفسهن فقط، وإن الوحدة الصحية والحمام الشعبي، هما وسيلتا التسلية المتاحة في القرية، أما عندما يمرضن فعلا فيذهبن إلى الضريح للتبرك بمائه “المقدس”.

هناك، أيضا، المزارع إبراهيم الذي ينتظر المطر الذي لا يأتي أبدا، منذ سنوات يترقب أي بادرة تنم عن تغير في الطقس تنذر بهطول المطر، يريد أن يروي أرضه الجافة، يتهم الضريح بأنه السبب في هجر الفلاحين الزراعة، ويريد تحطيم الضريح، وعندما يفشل يصاب بالمرض ويجن ثم يموت كمدا، وتتحقق معجزة هطول المطر بعد موته، فيطلقوا الأهالي على الضريح ضريح “سيدي إبراهيم”.

اما اللص فعندما يحزم أمره أخيرا ويهم باقتحام الضريح لاستخراج المال، يقوم شقيق إبراهيم بتفجير الضريح للقضاء على الأسطورة.. لكن المفاجأة تكون في انتظاره.

هذا البناء المتشعب الخيوط، حسب العمري، “يمنح الفيلم الكثير من التعرجات التي تبتعد عن حبكة يمكن أن تتصاعد، كما يسهب السيناريو في السرد بحيث يهبط الإيقاع كثيرا وتكثر التفاصيل التي لا تفيد الفيلم كثيرا وتتكرر مشاهد زائدة في دكان الحلاق مثلا مع الكثير من الثرثرة، ولا ينقذ الفيلم سوى طرافة الحوار في بعض المقاطع، وغرابة تصرفات الشخصيات إلى جانب غرابة المكان، وجمال الصورة مع اهتمام واضح بالتكوين، خاصة في استخدام اللقطات البعيدة العامة التي تمنح شعورا بالفضاء والصمت والعزلة، مع براعة اختيار مواقع التصوير الخارجي”.

ورغم ذلك، يوضح العمري أن الفيلم “يعاني عيوبا واضحة في تنفيذ بعض المشاهد مثل مشهد تفجير الضريح، فبينما يوحي الحفر واستخراج الحقيبة المدفونة في النهاية بأن مبنى الضريح الصغير الذي يفترض أن الدفينة موجودة في داخله (وكان اللص يحاول دائما اقتحامه عن طريق تحطيم بابه) قد أزيل بالكامل بفعل الانفجار، إلا أننا نرى في لقطات تالية بقايا المبنى قائمة والنيران ما زالت تشتعل فيها، وهي لقطة تتكرر مرات عدة فتربك المشاهد بسبب مخالفتها للتتابع المنطقي المفترض…وهناك أيضا ارتباك بصري في تصوير موقع الضريح، فبينما نراه في البداية وعلى مدار الفيلم يقع في أعلى الربوة الجبلية التي يصعدون إليها بواسطة سلم صخري، نرى الضريح في النهاية على أرض مسطحة تسير إليها السيارة بكل بساطة”.

ويخلص العمري إلى أن الفيلم “نظرة ساخرة لإهمال الدولة لتلك المناطق النائية، وترك سكانها واقعين في أسر الخرافة، مع تصوير مقصود لتقاليد الدفن وصلاة الاستسقاء في الصحراء وأصوات الآذان.. وحتى مساعد اللص يعتنق الخرافة ويخشى مغبة نبش الضريح، ورغم أنه لا يمانع في قتل الحارس إلا أنه يعتبر قتل الكلب يجلب اللعنة، أما اللص فهو أيضا يمسك بسجادة صغيرة ويتأهب للصلاة، في إيحاء بانفصال الأخلاق عن الدين، وبأن العلاقة بين الإنسان والغيبيات علاقة سطحية، ولكن هذه المعتقدات، رغم ذلك، مستمرة، بدليل إعادة بناء الضريح وشق طريق يوصل إليه أصبح السياح يقطعونه بسياراتهم كما نرى في النهاية بغرض التقاط الصور التذكارية أمام الضريح!”.

عن بيت الفن

شاهد أيضاً

تتويج مصر بجائزة أفضل جناح في سوق مهرجان كان السينمائي

 جناح مشترك جمع بين مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ومهرجان الجونة السينمائي ولجنة مصر للأفلام (EFC) …