الكتاب يستعرض صورا من أبرز مراحل المطرب السوري منذ الطفولة
بيت الفن
وقعت الكاتبة السورية شذا نصار، أخيرا، في دار النمر في بيروت كتابها “صباح فخري سيرة وتراث” بحضور المطرب السوري المخضرم صباح فخري (86 عاما).
وفي حفل التوقيع اكتفى فخري بتوجيه عبارات الشكر إلى كل من ساهم في صناعة هذا الكتاب قائلا “أشكركم وأتمنى لكم دوام السعادة وطول العمر. هناك ناس لنا معها صداقة تساوي عمرا”.
في كلمتها وصفت المؤلفة فخري بأنه “قلعة حلب الثانية”. وقالت نصار للصحافيين إن كتابها جاء في وقت كانت حلب تعيش الدمار وتراثها التاريخي والمادي يندثر. وأضافت “خطرت لي فكرة صباح فخري وقلت لنفسي يجب أن يبقى هذا التراث مضيئا، وما كتبته هو لحلب وللأصالة والتراث”.
وتم توقيع الكتاب، الصادر عن دار هاشيت أنطوان في بيروت، بحضور المؤرخ الموسيقي اللبناني إلياس سحاب والفنان اللبناني غدي الرحباني الذي اعتبر أن ظاهرة صباح فخري لن تتكرر نظرا إلى تجذره في الفن الأصيل.
يقول صباح فخري لمحاورته في الكتاب إن أهله اكتشفوا صوته لأول مرة عندما كان رضيعا. ويروي كيف كان أحد أقربائه يتعمد إيقاظه عبر “قرصه” لأنه يحب سماع صوته حتى وهو يبكي.
صقل صباح الدين أبوقوس، وهو الاسم الأصلي للفنان، صوته في حارة الأعجام داخل قرية القصيلة في أحد أحياء حلب القديمة حيث كان محاطا بثلة من شيوخ الطرب والمنشدين وقارئي القرآن وصانعي مجد القدود الحلبية. وفي سن مبكرة تمكن الطفل صباح الدين من ختم القرآن وتلاوة سوره في جوامع حلب والحلقات النقشبندية مفتتحا أول تمارينه مع الشيخ بكري الكردي أحد أبرز مشايخ الموسيقى.
اشتد عود صباح الدين وازداد تعلقه بالإنشاد والتجويد من خلال مجالسته كبار منشدي الطرب الأصيل، واجتاز امتحانات غنائية صعبة على أيدي “السمّيعة” الذين يتمتعون بآذان لا تخطئ النغم، وتكشف خامات الصوت وتجري اختبارات حتى لكبار الأصوات آنذاك.
وقد ساهمت “خوانم” أو نساء ذلك الزمن في صعود نجم الفتى صباح الدين، حيث أن من العادات الاجتماعية لسيدات حلب تحديد موعد شهري لكل سيدة تستقبل فيه من ترغب من معارفها، وتكون الدار مفتوحة للغناء والعزف والرقص، وهو ما كان يسمى “القبول”. وصارت النساء يطلبن من صباح الدين الغناء في هذه التجمعات.
وتمكن الطفل صباح الدين من دخول المدرسة الحكومية الحمدانية في حلب وهناك برز تفوقه كتلميذ يشارك في المهرجانات السنوية للمدرسة. وتقول الكاتبة إن الفنان سامي الشوا تعهد لاحقا صباح الدين بالرعاية حيث غير اسم الفنان الناشئ إلى “محمد صباح” واصطحبه معه في جولات غنائية بالمحافظات. ولم يكد محمد صباح يبلغ الثانية عشرة من عمره حتى وجد نفسه يغني في حضرة رئيس الجمهورية السورية آنذاك شكري القوتلي خلال زيارته إلى حلب عام 1946، ما اعُتبر محطة مصيرية قفزت بفتى الموشحات إلى خارج حدود حلب.
رفض محمد صباح العرض الذي قدم له بالسفر إلى مصر آنذاك لصقل موهبته وآثر البقاء في دمشق والغناء عبر إذاعتها الرسمية. تقول الكاتبة “في إحدى الحفلات الإذاعية المباشرة على الهواء، التي كان يقدمها المذيع صباح القباني، شقيق الشاعر نزار قباني، أراد النائب فخري البارودي أن يتبنى المطرب محمد صباح ويعطيه لقبه فقدم المذيع المطرب باسم صباح فخري”.
وتذكر الكاتبة أن أدوار صباح فخري القديمة الأولى كانت من ألحان سري الطنبورجي، وهو حمصي المنشأ سكن في دمشق وعمل بائع أحذية. لكن انتقال حنجرة فخري من الصبا إلى الشباب تسبب في حشرجة فاجأت صاحبها وصعقت خبراء الغناء إذ يقول الكتاب إن هرمونات الرجولة غيّرت من طبيعة صوته إذ بدا كالمبحوح.
وتقول الكاتبة “لعبت الحالة النفسية لصباح دورها السلبي. كلما حاول أن يرفع عقيرته بالغناء كان يفاجأ بشخص آخر يغني من حنجرته.
إنه ليس صوتي.. لست أنا ما الذي حصل؟ كلها تساؤلات كان يضج بها رأس الشاب الذي بدأ يشعر بفقدان أغلى ما وهبه إياه الخالق”.
وفي سن الخامسة عشرة أطبق صباح فخري على صوته واعتزل الغناء مكرها، فراح يبحث عن لقمة عيشه في الترحال بين قرى ريف حلب إلى أن التحق بخدمة العلم عندما أصبح شابا يافعا. وتقول الكاتبة “مع اكتمال رجولته تبلورت حنجرته واكتمل تكوينها لتعيد للكنز الدفين تألقه، وعاد صوت صباح فخري الرجل يشق لنفسه مكانا بين ذكريات سنين المراهقة في أحياء حلب وبيوتها”.
وعاد فخري إلى أضواء الشهرة من بوابة إذاعة حلب وسهرات إذاعة دمشق، وما كان يعرف بخيمة حماد التي غنى فيها مع المطربة اللبنانية صباح، وهناك قدم الموال بالقدود الحلبية وغنى “مالك يا حلوة مالك” و“يا مال الشام”.
وتقول الكاتبة إن صباح فخري توج الموال ووصل به إلى مكانة لم يصل إليها غيره وارتفع بمستوى الأغنية الشعبية فجاورت القصيدة.
ويستعرض الكتاب صورا من أبرز مراحل صباح فخري منذ الطفولة مرورا بالخدمة العسكرية وصولا إلى أبرز أفلامه ومسلسلاته وبينها مسلسل “الوادي الكبير” مع وردة الجزائرية.