بيت الفن
يواصل الناقد السينمائي سليمان الحقيوي اشتغاله على القضايا التي يطرحها الخطاب السينمائي بإصداره كتابا بعنوان “الخطاب السينمائي..قضايا في التلقي والتأويل”، الذي يركز على مقاربة المادة الإبداعية للفيلم من زاوية تمثلات المشاهد وانتظاراته والدلالات التي يستقيها من لحظة الفرجة نفسها.
الكتاب الذي صدر عن دار “سليكي أخوين” بطنجة في 145 صفحة يبدو خطوة في اتجاه المشاهد الذي يخوض لذة استهلاك الصورة وما يلازمها من “المشقة” الضرورية لتفكيك دلالاتها وربط العلاقات بين الصور المتتالية المكونة للمتن الفيلمي. إنه نوع من الخروج من دائرة التخاطب الذاتي الذي يغرق فيه جانب كبير من النقد السينمائي، مما يحول دون تفعيل دور النقد كوسيط لإشاعة الثقافة السينمائية.
ولذلك يؤطر الكاتب إصداره ضمن محاولة للمساهمة في “إعادة بناء علاقة معرفية مع خطاب الصورة، الخطاب الذي نستهلكه أكثر من غيره، لكننا نعرف عنه أقل من غيره”.
يرصد الحقيوي اكتساح الصورة للمجال التداولي وكيف أصبحت الصورة السينمائية بالتبعية صيغة إرسالية ذات دلالات لا تتحقق في غيرها، بحيث أن الهروب من التعامل معها إنما هو رفض للاندماج في روح هذا العصر، حسب الكاتب الذي يتقاسم مع قارئه في محور “السينما وحدود التلقي” سؤالا محوريا “ما الذي يجعل السينما تتفوق على باقي الخطابات في سرد الحكايات والقصص”.
في القسم الأول الموسوم بـ “قضايا في التلقي”، يقتفي المؤلف مسار الصورة السينمائية نحو الهيمنة بفضل قدرتها التواصلية الخلاقة، ويعيد طرح علاقة السينما بالأدب التي تتجدد أسئلتها المزمنة، ويضع معارك السينما مع النقد في سياقها، ويسائل مهمة الناقد ويحاول تحديد هذه الكتلة المنفلتة من مستهلكي الإنتاج السينمائي التي تسمى “الجمهور”.
أما في القسم الثاني، الذي يحمل عنوان “قضايا في التأويل”، فيعمق المؤلف حفرياته في موقع السينما ضمن أنساق الدين والمجتمع والسياسة. يعرج على الوضع المرتبك الذي تعيشه الصورة في سياق الفكر الديني، بين الاضطهاد والتحريم، ويطرق خلفيات تلك الحدود التي تسيج بها الأخلاق جرأة الفيلم وصانعه، ويفكك سؤال الفن في علاقته بالمجتمع والحرية والتابو. ولأن السينما ظلت منصتة لتحولات السياسة ونبضات المجتمع، فإن الحقيوي يتوقف عند السينما والثورة، ويقارب الربيع العربي وقلق السينما، متأملا مسارات الحكي والتعبير في نماذج من الأفلام التي أعادت بث الأصوات التي خرجت للمطالبة بالتغيير في الساحات والشوارع. ويجمع كتاب سليمان الحقيوي بين العمق النظري الرصين الذي يوظف أهم المرجعيات العربية والغربية في مقاربة الخطاب السينمائي وسلاسة النص الموجه لقارئ مهتم، لا ينحصر بالضرورة في المحفل العلمي المتخصص في المجال المعرفي المرتبط بالصورة عموما والصورة السينمائية بوجه خاص.
ولعل هذا المزيج يعزى إلى ازدواجية الأفق الذي تنحدر منه تجربة الكاتب في جمعه بين المرجعية البحثية الجامعية والاشتغال المنتظم بالنقد الذي ينشره في الصحف والمجلات المغربية والعربية.
يذكر أن سليمان الحقيوي حاصل على دكتوراه في اللغة والإعلام. وصدر له “سحر الصورة السينمائية” عن دار الراية بالأردن (2013) و “نقد السينما الأمريكية” عن الدار نفسها (2015)، بالإضافة إلى المساهمة في كتب جماعية.