محمد لفتح

“فاصلة” تحتفي بالروائي الراحل محمد لفتح

تكريم خاص لـ “جان جينيه” بعد عشر سنوات من رحيله

بيت الفن

بعد عشر سنوات عن رحيله، وبمبادرة من دار النشر “فاصلة” برمجت الدورة 25 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، تكريما خاصا للروائي الراحل محمد لفتح، الذي شبهه النقاد في فرنسا بجان جينيه، وردا على ذلك، قال في أحد حواراته الصحافية “أعتبر مقارنتي بجينيه فخرا، فهو من الكتاب القلائل الذين فتحوا لي آفاق الكتابة المطلقة، سيما في مجال الشعر”. وفي حديثه عن المكان وعلاقته بالكتابة قال “بما أن ظروفا عائلية جعلت حياتي موزعة بين فرنسا ومصر والمغرب، لا أحس بأي تمزق جراء هذا الوضع، بل أرى نفسي محظوظا. فهل يمكن الكاتب أن يحلم بحوافز أقوى من غنى الهويات واللغات وتداخل الأحاسيس والثقافات والمتخيلات المختلفة؟”.

ومحمد لفتح، الذي لم يعش لحظة الاحتفاء به قيد حياته، طالما فضل أن يبقى متواريا في الظل، معبرا عن قناعته بأن إبداعاته هي “مجرد محاولات شخصية”.

هذا الكاتب الذي اكتشفه أستاذه إدمون عمران المليح وكان يعتبره “أفضل كاتب بالفرنسية عرفه المغرب على الإطلاق”، أبان عن قدرة مدهشة في الكشف، من خلال كتابته، عن تعددية أنماط الحياة والتفكير داخل المجتمعات المعاصرة، حيث ارتبطت عوالم كل أعماله الروائية بفضاء المدينة بكل تشعباتها.

كان لفتح واعيا بمهمة الأدب ودوره، وهذا ما عبر عنه في ورقة قرأها ضمن ندوة نظمها “اتحاد كتّاب المغرب” عن “الأدب والهجرة”، قال فيها إن “الرواية عمل ضد البربرية، وكل أشكال التحجر الديني والإيديولوجي… حين ينعزل الكاتب، وينفصل عن الجماعة يبقى أمام أفق وحيد، هو أفق الورقة البيضاء”. وعندما سألته إحدى الصحافيات عن شعوره بعدما فتحت له أخيرا عوالم النشر، وهو يبلغ الستين، أجاب “لن يتيسر لي ربما أن أرى ما سينشر لي من كتب. لكنه شيء جميل أن أستمر في الكتابة تحت ظل الموت”. وبالفعل، لم ير لفتح رواياته مطبوعة ولم يحفل أبدا بانتقالها إلى العربية، أو فوزها بإحدى الجوائز المهمة.

واعتبر رشيد خالص، عن دار النشر “فيرغيل” (فاصلة)، أن “التكريم الذي نخص به اليوم محمد لفتح، هو لحظة اعتراف بأهمية ما كتبه هذا الروائي، الذي شكل بصمة مميزة بالنسبة للأعمال المكتوبة باللغة الفرنسية”، مشيرا إلى أن دار النشر فاصلة، واحتفاء منها بذكرى هذا الروائي الكبير، عملت على تقديم آخر إصداراته لزوار المعرض.

ومن أبرز أعماله “آنسات نوميديا” و”وردة في الليل” و”تحت الشمس وضوء القمر” و”طفل الرخام” و”شهيد من زمننا” و”يوم فينوس” و”حكايات العالم العائم”، و”المعركة الأخيرة للقائد نعمت” التي توجت بالجائزة الأدبية الخاصة بفندق “المامونية” بمراكش، بأغلبية أصوات لجنة التحكيم، التي ترأستها الروائية الفرنسية أوربان، بعد سنتين من رحيل لفتح.

ولد محمد لفتح عام 1946 في مدينة سطات، وقضى جزءا من طفولته ومراهقته في بيت جدته من والدته، مع ثلاثة من أخواله كانوا يمتهنون التعليم. ما مكنه من الانخراط، منذ نعومة أظفاره في عالم الكتب. درس في الدارالبيضاء، ثم باريس التي حل بها عام 1968 في ذروة الثورة الطلابية، ليتخرج منها مهندسا في الأشغال العمومية.

عاد إلى المغرب في عام 1972، وخاض لاحقا في مجال علوم الكومبيوتر بعصامية، واشتغل في الصحافة الثقافية، وكتب خصوصا في صحيفتي Matin du Sahara وAu Temps du Maroc. وبدءا من أواسط الثمانينيات، انتابته حمى الكتابة بجنون. فعاد إلى باريس عام 1990 وقرر التفرغ نهائيا للكتابة الروائية، رغم ضيق اليد وظروفه المالية الصعبة.

نشر روايته الأولى “آنسات نوميديا” عام 1992 عن دار “l’aube” الفرنسية، ومباشرة بعدها قرر التوقف عن النشر، إلى أن أقنعه الكاتب سليم جاي بالنشر في دار “لا ديفيرانس” (الاختلاف)، التي أصدرت له ست روايات متتالية، منذ عام 2006.

قرر محمد لفتح العيش في القاهرة مع شقيقته منذ عام 2000، وهناك أغمض عينيه للمرة الأخيرة في 20 يوليوز 2008، بعد صراع مع المرض، عن عمر يناهز 62 عاما.

وحسب الشاعر المغربي عبد الإله الصالحي “سيبقى محمد لفتح لغز الأدب المغربي المعاصر باللغة الفرنسية، اكتشفناه متأخرين، عبر ست روايات أصدرتها دار (لا ديفرانس) الفرنسية…كان لفتح على معرفة واسعة بالعالم الثقافي المغربي، لكن يبدو أن أصوله الطبقية المتواضعة أو ربما انتماؤه إلى ثقافة “هامشيّة” مترسخة فيه، جعلاه ينفر من مخالطة نخبة الأدباء “المفرنسين”، الذين درسوا اللغة في مدارس البعثات الفرنسية، وفرض بعضهم أنفسهم في المراكز الثقافية الأجنبية في المغرب، بأعمال رثة في غاية السطحية شكلا ومضمونا. كان صديقنا يفضل العزلة، والاختلاط برواد الحانات المظلمة والأروقة المعتمة…”.

عن بيت الفن

شاهد أيضاً

الأمن الثقافي

الأمن الثقافي المغربي في خطر!!

في أفق اتخاذ قرار جماعي  بمقاطعة كل الأنشطة الثقافية والمعرض الدولي للنشر والكتاب، في مرحلة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *