أمير العمري: لجنة التحكيم ظلمت الفيلم الروسي “من دون حب” وحرمت كيدمان من جائزة أفضل ممثلة
أسماء لوجاني
لم تشهد الدورة الـ70 من مهرجان كان، حسب الناقد المصري أمير العمري، عملا يرقى لأن يكون تحفة سينمائية تعلق طويلا بذاكرة عشاق السينما، لكن كان هناك على الأقل فيلمان أو ثلاثة في المقدمة أولها الفيلم الروسي “من دون حب”، الذي لم تشأ لجنة التحكيم إلا أن تظلمه وتظلم مخرجه للمرة الثانية، فمنحته جائزة فرعية، يراها العمري، لا معنى لها، هي “جائزة لجنة التحكيم”، وهي جائزة زائدة عن الحاجة، يضيف العمري لأنها تتضارب مع “الجائزة الكبرى للجنة التحكيم” وهي الجائزة التالية في أهميتها للسعفة الذهبية.
وبدلا من منح هذه الجائزة المهمة للفيلم الروسي، يضيف العمري، ذهبت إلى الفيلم الفرنسي “120 دقة قلب في الدقيقة” للمخرج روبين كامبيللو، وكانت الصحافة الفرنسية مارست ضغوطا كبيرة من أجل فوزه بالسعفة الذهبية، وكانت هناك، أيضا، توقعات كثيرة بأن يتعاطف معه المخرج بيدرو ألمودوفار (وهو مثلي الجنس- أو شاذ جنسيا) بسبب موضوعه، الذي يتناول معاناة مجموعة من المثليين مع مرض السيدا، ولكن بأسلوب سينمائي يخلو، في رأي العمري، من الإبداع ويمتلئ بالمشاهد الجنسية الزائدة والمبالغ فيها بغرض تحقيق “الجرأة” و”الصدمة”وهو ما يجد فيه بعض هواة السينما المراهقين، ميزة في حد ذاتها.
مرة أخرى يظلم المخرج الروسي أندريه زيفنغتسيف وفيلمه “من دون حب” ويتم تهميشه، تماما كما حدث مع فيلمه السابق “الحوت” (ليفياثان أو وحش البحر) في مسابقة كان عام 2014 عندما لم تمنحه لجنة التحكيم سوى جائزة أحسن سيناريو، ويبدو أن هناك موقفا ما، مقصودا، من المخرج الروسي الذي يقال إنه من مؤيدي الرئيس بوتين!
وعن منح نيكول كيدمان جائزة خاصة عن الأداء في فيلمي المسابقة، اللذين شاركت فيهما (إضافة إلى فيلمين آخرين خارج المسابقة)، يقول الناقد العمري، إن الأمر مجرد بدعة لا معنى لها، وكان الأكثر مصداقية أن تحصل كيدمان على جائزة أفضل ممثلة التي تستحقها دون شك، فأداؤها في فيلم “مقتل غزال مقدس” مثلا، أو “الفاتنات” لصوفيا كوبولا، أفضل كثيرا من أداء الممثلة الألمانية ديان كروغر، التي نالت الجائزة، رغم اجتهادها الكبير في الفيلم الألماني “في الظلام” للمخرج التركي فاتح أكين، إلا أن الفيلم نفسه يمتلئ بالثقوب في بناء الشخصية وتصوير انفعالاتها ومبررات مواقفها، بل إن أداءها أقرب إلى الأداء النمطي في الميلودرامات المعروفة، كما أن الفيلم عموما ليس أفضل أفلام مخرجه، بل عمل مضطرب مشوش، يتبنى في النهاية فكرة شبيهة بأفكار الجهاديين الانتحاريين. وربما عدنا لتناوله تفصيلا في مقال قادم.
جائزة أحسن إخراج ذهبت،غالبا على سبيل المجاملة، إلى فيلم “الفاتنات” للمخرجة الأمريكية صوفيا كوبولا، ليس تشكيكا في قيمة فيلمها، فهو من ناحية الإخراج عمل كلاسيكي متقن دون شك، ويروي موضوعا مثيرا للاهتمام، ممتعا، لكنه لا يضيف جديدا، فصوفيا لا تسعى للخروج من معطف السينما التقليدية السلسة من خلال موضوع سبق تناوله من قبل، في مراهنة على فكرة “النجاح المضمون”، وبالمناسبة من أفضل عناصر الفيلم أداء نيكول كيدمان، لكن لجنة التحكيم رأت ألا تمنحها لمن تستحقها لمجرد أنها نجمة، ومشهورة، وربما لأنها سبق لها الحصول على جوائز عديدة.
الممثل الأمريكي جواكيم فينيكس حصل على جائزة أحسن ممثل عن دوره في الفيلم الأمريكي “أنت لم تكن هنا قط” للمخرجة البريطانية لين رامزي، وربما كان فينيكس يستحق الجائزة بسبب تماثله الكبير بدرجة مدهشة مع شخصية قاتل محترف يذهب لأداء عملية كلف بها، لكنه يجد نفسه داخل متاهة كبرى قد لا ينقذه منها سوى الموت.
ولعل من أكثر الأفلام التي ظلمت وتم تهميشها أيضا فيلم “مقتل غزال مقدس” للمخرج اليوناني يورغوس لانثيموس، الذي يعد من أفضل أفلام المسابقة، واكتفت اللجنة بمنحه جائزة أحسن سيناريو.
ولا شك في براعة السيناريو والحوار، والإخراج، والموسيقى وجميع العناصر الفنية الأخرى، لكن المفارقة أنه حصل على الجائزة مناصفة بينه وبين فيلم “أنت لم تكن هنا قط” صاحب السيناريو الأسوأ من بين أفلام المسابقة في رأي العمري، لكن الآراء قد تختلف، كما يتم عادة تحكيم بعض التوازنات، والاستجابة داخل اللجنة لنوع من “الصفقات” التي تهدف إلى إرضاء كل الأعضاء.
وظلمت اللجنة أيضا دون شك فيلم “كائن رقيق” للمخرج الأوكراني سيرغي لوزنيتسا عن عالم روسيا الداخلي المنهار من خلال رحلة امرأة روسية ذهبت تبحث عن زوجها في أحد سجون سيبيريا، ففي الفيلم رغم كل عيوبه ومشاكله، رؤية فنية مثيرة، وموضوع قوي، وشخصيات فريدة وغريبة، وتلاعب ممتع بالزمن، وتصوير جيد، لكن ربما يكون الأمر الوحيد الإيجابي في قرارات اللجنة أنها أدركت سخف وقصدية الفيلم الفرنسي “المهيبة” عن المخرج جون لوك غودار فتجاهلته تماما ولم تمنحه أي جائزة، كما كان البعض يأمل.