بيت الفن
تشكل بعض العائلات في مختلف الأقطار العربية حضورا بارزا في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والدينية والثقافية والإبداعية والفنية، حتى لتعتبر ظاهرة ممتدة على مدار التاريخ العربي والإسلامي، بل إنها لتشكل ظاهرة عالمية، فكم من عائلات في أوروبا وأمريكا وروسيا والصين كما في عالمنا العربي والإسلامي حققت حضورا كبيرا في السياسة والحكم والاقتصاد وغيره من المجالات.
وقد دخلت هذه الظاهرة إلى المجال الفني الحديث منذ منتصف القرن التاسع وأوائل القرن العشرين عشر لتؤسس وتبني مقدمات مسيرة الفن العربي في المسرح والسينما والغناء والفن التشكيلي والدراما وغيرها من الفنون.
وفي ندوة أقيمت ضمن فعاليات أيام الشارقة المسرحية تحت عنوان “الفن يورث.. عرض تاريخي حول عائلات المسرح العربية” كانت هناك إشارات مهمة للعلائلات المسرحية التي تستحق التأريخ والتوثيق لما قدمته من تجليات كان لها أثرها على المسرح، فضلا عن التطرق لتساؤلات مهمة حول نجاح وتفوق أو فشل الأبناء والآثار السلبية للظاهرة اليوم.
وأرخ الناقد والباحث المسرحي المغربي فهد الكغاط للظاهرة، مشيرا إلى أن نشأتها جاء مع نشوء الظاهرة المسرحية نفسها في بلاد اليونان، إذ يؤكد بعض الدارسين أن عائلات رواد التراجيديا الإغريق: إيسخيلوس وسوفوكليس ويوربيديس، قد مارست المسرح في اليونان، بعض أفرادها مارسه في حياة الرواد الثلاثة، وبعضها الآخر بعد رحيلهم، هكذا يشير أمين سلامة إلى أننا نجد سلسلة كاملة من شعراء التراجيديا في أسرة أيسخولوس إيسخيلوس مثل ابنه يوفوريون وابن أخيه فيلوكليس الأكبر، وفي الجيل التالي لهذين مورسيموس وميلانثنوس، وقد أحرز يوفون ابن سوفوكليس بعض النجاح في حوالي نهاية حياة والده.
ورأى أن المسرح العربي على امتداد تاريخه من البداية إلى الآن قدم عددا مهما من التجارب المسرحية التي بلورها وقدمها إلى الجمهور أفراد ممارسون للمسرح ينتمون للعائلة ذاتها، وقال “إذا كان عدد من هذه التجارب التي تبرز فيها، بدرجة أو بأخرى، مشاركة العائلة المسرحية الواحدة في الصياغة والإنجاز، فإن عددا آخر منها أخفق في ذلك سواء أكانت ناجحة أو فاشلة، يأخذ مظاهر متنوعة بحسب الوظائف التي يضطلع بها الممارسون الذين هم من نفس العائلة. وإذا كان الأمر يتعلق في تجارب كثيرة بوظيفة واحدة هي التمثيل (الزوجان، أو الأخوان، أو الأب والابن، معا بوصفهما ممثلين)، فإن الوظائف المسرحية التي يشغلها ممارسون ذوو انتماء عائلي واحد، تتنوع في تجارب مسرحية أخرى، وإن قلت، ما بين التأليف والإخراج والتمثيل والسينوغرافيا وتصميم الملابس والإدارة والانتاج.
ووضع الكغاط جدولا يخص فروع شجرة الأنساب الواحد في الممارسة المسرحية العربية المغربية، فمن جيل الرواد والجيل التالي له وانطلق من العائلات ذات فردين: الزوجان: عبدالله شقرون وأمينة رشيد (التأليف والتمثيل)، عبدالواحد عزوري وثريا جبران (التأليف والإخراج والتمثيل وإدارة فرقة مسرحية)، نبيل لحلو وصوفيا هادي (التأليف والإخراج والتمثيل وإدارة فرقة مسرحية)، عزيز سعد الله وخديجة أسد (التأليف والإخراج والتمثيل وإدارة فرقة مسرحية).
ثانيا الاب والابن والابنة: عائلة الكغاط: محمد الكغاط (التأليف والاخراج والتمثيل والنقد والبحث المسرحي وإدارة الفرقة)، وفهد الكغاط (التأليف والنقد والبحث المسرحي). عائلة برشيد: عبدالكريم برشيد (التأليف والاخراج والتنظير المسرحي)، نادية برشيد (التمثيل والكوريغرافيا). ثم انتقل إلى جيل نهاية القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة مثل عائلة أحرار: لطيفة أحرار وفاطمة الزهراء أحرار. وعائلة الوالي: الأخوان رشيد وهشام الوالي. والزوجان: رشيد برومي وأسماء هوري، ومحمد الحر وهاجر الحامدي وغيرهم.
ثم العائلة ذات الثلاثة أفراد مثل عائلة محمد التسولي: محمد التسولي والابن سعد التسولي وزوجة الابن فاطمة خير، والعائلة ذات الخمسة أفراد كعائلة محمد حسن الجندي الأب والزوجة والابن والابنة والابن الأصغر، والعائلة ذات الأفراد السبعة كعائلة البدوي، والعائلة ذات العشرة أفراد مثل عائلة الطيب الصديقي”.
وتناول الكغاط ظاهرة العائلة الممارسة للمسرح والفرقة المسرحية العائلية، مؤكدا أن عددا من الفرق المسرحية العائلية أسس لتجارب مهمة في الحركة المسرحية العربية، ولعل أبرز النماذج على ذلك فيما يخص المغرب عائلة الطيب الصديقي وعائلة عبدالقادر وعبدالرزاق البدوي وعائلة عبدالواحد عوزري وثريا جبران، وعائلة نبيل لحلو وصوفيا هادي وغيرها من العائلات التي مارست المسرح وبشكل أساسي في إطار الفرقة الواحدة ذاتها، على أن عائلتي الصديقي والبدوي تمثلان النموذج على مشاركة أكثر من فردين من العائلة في الفرقة الواحدة، وعائلتي عوزري / جبران ولحلو/ صوفيا تمثلان النموذج على مشاركة فردين فقط من العائلة هما الزوجان.
وتوقف الكغاط مع عائلة الصديقي ليرى ضرورة إعادة كتابة تاريخ الفرق المسرحية العائلية وإبراز قيمة الحضور العائلي في الصياغة الفنية لتجاربها.