ناقش موضوع “الفكر الإصلاحي بشمال المغرب في عهد الحماية”
وليد السجعي
نال الباحث والشاعر المغربي أنس الفيلالي، أخيرا، شهادة الدكتوراه بميزة مشرف، بعد مناقشته أطروحته في موضوع “الفكر الإصلاحي بشمال المغرب في عهد الحماية” بكلية الآداب أكدال بالرباط.
وناقش الفيلالي أطروحته تحت إشراف الدكتور الطيب بياض والدكتورة آسية بنعدادة، فيما تكونت لجنة المناقشة من المشرفين إلى جانب الدكاترة محمد خرشيش، والجلالي العدناني ومحمد الحاتمي.
وقسم الباحث أطروحته إلى خمسة أبواب، تناول في الباب الأول خضوع شمال المغرب للحماية الإسبانية وردود الفعل عند المواطنين والنخب الوطنية، ومظاهر الرفض، سواء عند من آمن بحمل السلاح كوسيلة وحيدة لرد المحتل، أو عند من اعتبر أن خيار الإصلاح يمكن أن يعطي ثماره المرجوة.
كما تطرق للمؤثرات الداخلية والخارجية الكبرى في الفكر الإصلاحي في منطقة شمال المغرب. وعمل على تحديد طبيعة الإصلاح لدى الرعيل الأول من المصلحين بهذه المنطقة، متخذين من محمد بن عبد الكريم الخطابي وعبد السلام بنونة نموذجين لفكرين مختلفين في التعاطي مع المسألة الإصلاحية.
وأظهر الباحث الدور الذي خلفته حرب الريف واستسلام الخطابي في بروز العمل الإصلاحي، الذي قادته مجموعة من النخب كان أبرزها الشخصيات موضوع البحث، التي عمل الباحث على بسط نظرة عامة عن البيئة الثقافية والاجتماعية والدينية الحاضنة بها، من خلال الإجابة عن إشكالات البيئة الثقافية ودورها في صقل شخصية هؤلاء، ومن ثمة وضع اليد على مكامن الاختلاف والتلاقي بين النخب في هذه البيئة. وأنهى الباحث الباب بفصل تناول فيه، الظرفية العامة للمنطقة ودورها في بلورة الإصلاح لدى النخب.
وعالج الباحث في الباب الثاني تصور النخب لمسألة الإصلاح بشكله العام، ومن خلاله وقف على بعض تجلياته في اهتماماتهم الإصلاحية، من خلال الوقوف على أبرز مواقفهم التي طرحوها لإصلاح الوضع المغربي بشكل عام.
فعرض الباحث نظرتهم للجوانب التي كانوا يرمون إصلاحها، إن على المستوى الفردي أو الجماعي، دون إهمال دور الحكومة الخليفية في هذا المجال. ثم انتقل ليبين طرق ووسائل وأشكال الارتقاء بالبلاد في نظرهم، عن طريق التمسك بالدين الحنيف أولا، والعلوم الحديثة ثانيا، وعن طريق الانفتاح على الآخرين سواء كانوا مشارقة أم غربيين.
وعلى مستوى الممارسة العملية للإصلاح، وقف الباحث على خمسة مسارات كبرى شكلت الإطار الإصلاحي العام عندهم، منها تأثير النهضة المشرقية ومظاهر الحداثة الأوروبية في فكرهم الإصلاحي، ودعوتهم إلى الإصلاح في إطار المؤسسة المخزنية، وكذا داخل التنظيمات السياسية، وأيضا الثقافية، وختم هذا الباب بمطالبات النخب بالإصلاح في إطار الحماية، وتعاملهم مع إدارة الحماية من أجل تحقيق ذلك.
وخصص الباب الثالث للتعليم باعتباره يشكل “أساس الإصلاح”، وقضية كبرى شغلت بال هذه النخب، واعتبروها مجالا ناجعا وسبيلا للقضاء على التخلف والاستعمار.
وأبرز وسائل الإصلاح التي دعوا إليها على المستوى الفردي، والأولويات الضرورية التي رأوا فيها السبيل للنهوض بهذا القطاع، ووقف على أهم المشاريع التعليمية التي حققتها الشخصيات الثلاثة في هذا الإطار.
أما الباب الرابع، فتناول من خلاله الباحث مسألة تتعلق بالاقتصاد في علاقته بالفكر الإصلاحي، باعتباره أحد أسس التقدم. وأبرز الجهود الكبرى التي بذلها هؤلاء للنهوض بهذا القطاع لدى الحكومة وسلطات الحماية، ونظرتهم للاقتصاد من خلال حاجيات المجتمع، والمطالبة بالاستقلال الاقتصادي كجزء من الاستقلال السياسي. ووضع المصلحون مجموعة من الأولويات للنهوض بالاقتصاد، بما فيها دور البنوك التي تحدث عنها في الفصل الثالث، واعتبروها مصدرا للقوة والنفوذ المادي والروحي، ودورها في الصناعة والزراعة والتجارة كأعمدة لاقتصاد مغربي قوي، ووقف الباحث في الفصل الأخير على المشاريع الاقتصادية التي وضعها المصلحون كوسائل لمواجهة الاقتصاد الأجنبي، وهيمنت فكرة العمل الجماعي على مجمل تصوراتهم الإصلاحية في هذا الميدان.
وفي الباب الأخير، تعرض الباحث للكيفية التي يرى فيها هؤلاء إصلاح المجتمع من خلال “ثورة اجتماعية”، وكيف أن فكرة العمل في حدود الشريعة الإسلامية من منظور المصلحين، الذين ركزوا على التشبث بالدين الإسلامي الحق لتحقيق هذه الغاية. مبرزين أهمية الدين في الحياة الاجتماعية، ومراهنين عليه في الحفاظ على الهوية، رغم السيطرة الاستعمارية، لذلك بينا مجموعة من الخطوات التي قام بها المصلحون للحفاظ على المكتسبات التي جاء بها الدين في أفق إصلاح حال المجتمع، والمتمثلة في وجوب احترام العقيدة الإسلامية والعناية باللغة العربية، وتصحيح خطاب الدعوة الدينية، ومحاربة الرجعية وانتقاد الدعوات التبشيرية، والدعوة إلى الاجتهاد والتحلي بالأخلاق في إطار الشريعة الإسلامية، والدعوة إلى استقلال القضاء وتنظيم الأحباس، ونقد عادات الطرقية والتبرك بالأضرحة.
ووقف الباحث على استراتيجيتهم التي أكدوا فيها على ضرورة التوفيق بين النظري والعملي في الدين، حتى تتحقق الإصلاحات الاجتماعية.
كما وقف في الفصول اللاحقة على القضايا التي شغلت هذه النخب، ورأتها أساسية للإصلاح، كالثورة على العادات والتقاليد العقيمة، وإصلاح وضعية المرأة، ثم الوقوف على عدة أولويات لإصلاح المجتمع، عن طريق اهتمامهم بمجموعة من الفئات الاجتماعية التي هي الأساس لإصلاح المجتمع، وهي العائلة بأفرادها، ومختلف الشرائح الاجتماعية الأخرى، كالأطفال المشردين، ومؤسسات العجزة والمرضى.
وفي الأخير، بين الباحث كيف راهن المصلحون على النهوض الاجتماعي عن طريق عدة مؤسسات اجتماعية فاعلة، عملوا على المطالبة بالإصلاح في ظلها.
ولا يعتقد الباحث في بحثه، أنه يدافع أو ينتقد هذه النخبة، بقدر ما كانت رغبته الصادقة هي الوقوف على فكرها الإصلاحي من زاوية تاريخية صرفة، مبرزا فكرها ونظرتها للإصلاح، في ظل الجيل المثقف والوطني الذي انتمى إليه عبد السلام بنونة والتهامي الوزاني وعبد الخالق الطريس.
يذكر أن قاعة المناقشة كانت مملوءة عن آخرها بالطلبة والباحثين والأساتذة الجامعيين، ورموز النضال والبحث العلمي والثقافي بالمغرب أمثال المؤرخ عثمان المنصوري رئيس الجمعية المغربية للبحث التاريخي، أحمد المرزوقي المعتقل السابق بتازمامارت، خالد السفياني رائد القوميين العرب، محمد السكتاوي رئيس منظمة العفو الدولية بالمغرب، إدريس حيدر كاتب ورئيس سابق لمنظمة العفو الدولية، رشيد الجلولي روائي وناشط حقوقي، محمد سعيد المرتجي الأكاديمي المقتدر، د أحمد وإيحمان المناضل العربي الفذ، محمد سعيد الريحاني الأديب والمترجم المقتدر، والدكتور يحيى حسنين المستشار الثقافي لسفارة مصر العربية بالمغرب.