“كذب أبيض” فيلم واقعي تاريخي يحقق معادلة صعبة
عبد الإله الجوهري
عندما عرض فيلم “كذب ابيض” بمهرجان “كان” في عرضه الأول، كان لي شرف الحضور والمشاهدة، شرف خلدته وقتها بمقالة أولى تحدثت فيها عن قوة الشريط فنيا وتقنيا، وأكدت أن أسماء المدير تفوقت رغم إكراهات الإنتاج وضغط اللوبيات التي تفرض على كل من يبحث عن دعم ما، من الشركات أو الصناديق الغربية، ضرورة استحضار كليشيهات عن مجتمعاتنا العربية وتوظيفها بما يتلاءم مع التصورات العامة المهيمنة على المخيال الغربي، مخيال لا يرى فينا غير الظلام والقبح والكلام الساقط والقتل والذبح والإرهاب. لكنها (المخرجة)، ولحسن حظها وحظ سينمانا الوطنية، ومن موقعها الواعي المسؤول كانت عند حسن الظن الإبداعي وحققت ما لم يحققه الكثير من مرتزقة البحث عن دعم الآخر، الآخر الباحث بكل قوة النفوذ والمال عن طرق لتركيع سينمانا وجعلها فنا ملحقا بالغرف الخلفية لتقزيم وجودنا وعمق تاريخنا وتراثنا.
أسماء صنعت فيلما برؤية فنية ذكية، فيلما يتناول مرحلة شائكة من تاريخنا المعاصر، انتفاضة شهداء الكوميرا (كما أسماها إدريس البصري) بما يستجيب والتصورات العامة للغربيين، حيث السجن والقتل ورائحة الموت، لكن في إطار لا يزيف الحقيقة، بل يسجل بكل صدق ما حدث، أحداث واقعية تاريخية أليمة، وفي الآن نفسه يرصد حركة مجتمع من خلال أسرة وعائلة وجيران المخرجة، بكثير من الحساسية الفنية والجمالية المستمدة من قبح الوقت، ووعي ثقافي حقيقي، ليغدو الكذب حقيقة والحقيقة كذبا، وتتناسل الأسئلة، عما وقع وكيف وقع، من اجل ألا يقع مرة أخرى.
نعم أسماء أنجزت فيلما واقعيا تاريخيا يحقق معادلة صعبة، من الصعب على الكثيرين تحقيقها، معادلة إعجاب الجمهور الغربي وفي الآن نفسه رضى الجمهور المغربي، وقبل ذلك انتزاع تصفيق النقاد وكل لجان تحكيم المهرجانات العالمية الصغيرة والكبيرة.
مبروك لأسماء، ومبروك للسينما المغربية الفوز بجائزة النجمة الذهبية لمهرجان مراكش السينمائي الدولي.