بيت الفن
عادت المطربة المصرية، نجاة الصغيرة، للظهور من جديد، بعد أن أعلنت اعتزالها الفن في عام 2002.
ولم تكن عودة نجاة بسبب عمل فني جديد أثار حماسها لتقديمه، ولكن بعد تصدع واحدة من أشهر عمارات حي الزمالك في العاصمة المصرية القاهرة “الشربتلي”، نتيجة هبوط أرضي مفاجئ بسبب مشروع مترو الأنفاق.
وتلقى سكان المبنى أوامر بإخلاء العقار حفاظا على أرواحهم، ومن بينهم المطربة نجاة الصغيرة التي رصدتها عدسات الكاميرات وهي منقبة ورفضت الإدلاء بأي تصريحات إعلامية أو الإفصاح عن هويتها للصحافيين.
ولدت نجاة الصغيرة في القاهرة، والدها هو محمد كمال حسني البابا، الخطاط العربي الدمشقي الشهير الذي هاجر إلى مصر في شبابه حيث تزوج بوالدة نجاة وهي سيدة مصرية. اختها الفنانة سعاد حسني، وعمها الفنان السوري أنور البابا.
بدأت نجاة الصغيرة في الغناء في التجمعات العائلية في سن الخامسة. وقدمت أول فيلم لها بعنوان “هدية” (صدر عام 1947) في سن الثامنة . كتب عنها الكاتب الصحفي المصري فكري أباظة في بداية ظهورها “إنها الصغيرة التي تحتاج إلى رعاية حتى يشتد عودها وفي حاجة إلى عناية حتى تكبر، وهي محافظة على موهبتها، مبقية على نضارتها”.
عندما بلغت نجاة سن التاسعة عشر كلف والدها شقيقها الأكبر “عز الدين” ليدربها على حفظ أغاني السيدة “أم كلثوم” لتقوم بأدائها فيما بعد في حفلات الفرقة. ووصلت نجاة إلى درجة من الإتقان مكنتها من تقليد “أم كلثوم”، وبهذا بدأت مرحلة جديدة في مشوارها الفني.
كان بيت والدها معروفا باسم “بيت الفنانين”. فابنه، عز الدين حسني (1927 – 2013)، هو ملحن موسيقي، وقد درس شقيقته نجاة الموسيقى والغناء. وابنه الآخر سامي حسني يعزف على آلة التشيلو، وهو كذلك مصمم مجوهرات وخطاط. والفنانة الشهيرة سعاد حسني (1943-2001) هي الأخت غير الشقيقة لنجاة.
قدم لها الشاعر مأمون الشناوي أغنية “أوصفولي الحب” من تلحين محمود الشريف، وكانت هذه الأغنية بدايتها الفنية الحقيقية. ومنذ ذلك الوقت أحاطت نجاة نفسها بالمثقفين أمثال محمد التابعي، مأمون الشناوي، كامل الشناوي، فكري أباظة، محمود الشريف، وأخيها عز الدين حسني إضافة إلى رؤوف ذهني وغيرهم. فكونت نجاة هيئة مستشارين من أصدقاء ينصحونها، وينيرون الطريق أمامها.
إلى جانب موهبتها عرفت نجاة بدقتها الشديدة جدا في العمل، وحرصها الشديد الأقرب إلى الوسوسة. وكان لهذا الحرص دور كبير في نجاحها المستمر.
تعاونت نجاة بعد ذلك مع الموسيقار محمد عبد الوهاب في لحن “كل دا كان ليه”، لتتوالي بعدها أعمالها الفنية. وغنت أيضا للملحنين: سيد مكاوي، وحلمي بكر، وبليغ حمدي، وكمال الطويل وهو أفضل الموسيقيين الذين استوعبوا صوتها ، وكذلك الموسيقار محمد الموجي وهاني شنوده.
تزوجت نجاة مرتين. كان زواجها الأول في سن مبكرة، تحديدًا في عام 1955، عندما كانت بعمر 16 (أو 17) سنة، من كمال منسي الذي كان صديقا لشقيقها، ثم انفصلت عنه حوالي عام 1960. ومن ثمة تزوجت مرة أخرى في عام 1967 من زوجها الثاني، المخرج حسام الدين مصطفى (1926-2000)، إلا أنها انفصلت عنه بعد مدة قصيرة، ولم تتزوج منذ ذلك الحين، حيث تشير التقارير الإعلامية إنها اتخذت قرارا بتكريس حياتها لتربية طفلها الوحيد “وليد” من زواجها الأول، وإلى التفرغ لعملها.
كان أداء نجاة على المسرح دائما موفقا. قال الملحن كمال الطويل (1922-2003) وهو أحد الذين تعاونوا معها كثيرا، في مقابلة تلفزيونية أنه بالنسبة إلى الملحنين فإن نجاة الصغيرة كانت الأفضل أداء على مستوى العالم العربي. وبالنسبة إلى الجمهور فهم يضعونها في المركز الأول عربيا. حتى قبل أم كلثوم (1898-1975)، التي لا يزال العديد من الناس يعتبرونها أعظم مطربة عربية في التاريخ.
كما يرى محمد عبد الوهاب، وهو أبرز ملحن عربي في القرن العشرين، أن أعماله وألحانه كانت أكثر أمانا مع نجاة. ووصفها بأنها “صاحبة السكون الصاخب”!
ويقول نزار قباني (1923-1998)، الدبلوماسي السوري وأحد أشهر الشعراء المعاصرين وأكثرهم احتراما في العالم العربي، في مقابلة تلفزيونية أنه عندما ينشر ديوانا شعريا فإنه يأمل في الحصول على نحو 15 ألف قارئ على أحسن تقدير، لكن عندما تغني نجاة إحدى قصائده فإنها تجتذب الملايين في العالم العربي. ويقول أيضا “… وأعتقد أنها (يقصد نجاة) هي الأفضل من بين المطربين الذين غنوا وعبروا عن قصائدي”.