بيت الفن
في إطار الاحتفال باليوم العالمي للموسيقى، تنظم المديرية الجهوية لقطاع الثقافة بجهة فاس مكناس، منذ يوم الثلاثاء 23 يونيو 2020، عبر صفحتها الرسمية على (الفايسبوك) معرضا افتراضيا لذاكرة الحاج عبد الكريم الرايس، من إعداد وتنسيق وتقديم حفيد الحاج عبد الكريم الرايس هشام الرايس.
ويندرج هذا المعرض ضمن الأنشطة الثقافية والفنية التي تنظمها المديرية الجهوية لوزارة الثقافة والشباب والرياضة، قطاع الثقافة، بجهة فاس مكناس، في ظل الحجر الصحي، بسبب جائحة كورونا، منذ فاتح ماي المنصرم، على صعيد الجهة (فاس ـ مكناس)، وتقدمها على صفحتها الرسمية على الفايسبوك، تحت شعار “الثقافة عن بعد، لنعبر من خلال الفكر والفن في زمن كورونا ـ أبدع ـ من ـ بيتك”.
يشار إلى أن الحاج عبد الكريم الرايس، ولد بمدينة فاس العريقة سنة 1912، والتحق منذ سنوات شبابه الأولى إلى جوق محمد البحيري، حيث اكتسب كل ما ينقصه من خبرات وتجارب.
بعد وفاة البحيري، تسلم المشعل مؤسسا جوقا مختارا سماه تيمنا بمعلمه الراحل، واستمر في البحث عن كل جديد في أمور النوبة والآلة، إلى أن أصبح مديرا للمعهد الموسيقي بفاس سنة 1960، حيث حرص على تدقيق الصنعة ونبذ الزخارف الخارجة عن الطبع، وإحكام الوزن، وسلامة الربط بين الصنعات.
شارك الرايس بصفته رائدا من رواد المجال في ملتقى الموسيقى العربية بفاس سنة 1969 وتم تعيينه مستشارا ضمن لجنة القياسات والإيقاعات للموسيقى الأندلسية المغربية.
يقول الباحث الموسيقي أحمد عيدون إن الحاج عبد الكريم الرايس “لقن أسرار الصنعة لأجيال من الموسيقيين وحرص على المشاركة في حلقات البرامج ومشاغل المؤتمرات العلمية كمؤتمر فاس لسنة 1969، لم يتردد في دعم مشروع الأنطولوجية الكاملة لطرب الآلة وتسجيل أربع نوبات هي: الماية، والاستهلال، والحجاز الكبير، والحجاز المشرقي، بعدما قدم منذ بداية الاستقلال تسجيلات رائعة للإذاعة الوطنية، وقدم في عدة مهرجانات بفاس وشفشاون على الخصوص صنائع كان الآخرون يضنون بها. وكان من أخلاقه أنه يتحرى في حديثه عن الوكيلي والتمسماني التزام نبرة الاحترام، وعدم قبول أن ينتقدهم أحد أمامه، فهم رفاق الطريق وله معهم لغة خاصة هي سر التمكن والإحساس العميق بهذا الفن الكلاسيكي المغربي، ويضيف عيدون “أن الرايس تميز كرئيس جوق، بالاقتصاد في الحركات والاختصار في اللفظ، إذ لا يتعدى الأمر عنده إلقاء نظرة أو إشارة طفيفة بالقوس أو ترميز لعارفي الإيقاع، أما الصنعة فكان الكل يعلم أن نفقته مضبوطة وتدخلاته محكمة واستشرافه لأذواق المولعين والهواة معلوم، واختياراته الشعرية والزجلية مناسبة لكل مقام ومقال”.
وبخصوص أعمال الحاج الرايس الفنية، وجولاته الفنية خارج المغرب، أحيى الرايس سنة 1977 حفلة مهمة في مدينة بال السويسرية، وقدم في باريز وكولون منتخبات صارت في ما بعد أساس التسجيلات التي قامت بها إذاعة فرنسا ومؤسسة “هارمونيا موندي”، شارك في تظاهرة كبرى بلندن سنة 1979 أسهمت بالتعريف بطرب الآلة وجلبت إليه المزيد من المهتمين.
ويرى الباحث الموسيقي، أحمد خالص، أن الفنان الحاج عبد الكريم الرايس أدى واجبه في الميدان، قائلا إن “الحاج عبد الكريم الرايس شمر عن ساق الجد، وواصل ليله بنهاره، ليعرف بهذا التراث المجيد، ويلقنه للأجيال الصاعدة، ويبعث في روح أبناء هذا الوطن الاعتزاز بهذا الفن، والإقبال عليه والارتواء من منابعه الفياضة…ومن البديهي أن الحفاظ على هذه الموسيقى، وما تحتوي عليه من فنون القول والنغم وضروب اللحن والكلام لا يقتضي نشر هذا التراث فحسب، ولكنه يقتضي الاستمساك بالطرق الفنية والمادية التي كان يؤدى بها، والتشبث بالإطار والشكل الذي وصل به إلينا، وعدم محاولة إرضاء رغبات الجماهير والعوام بالتضحية بالنوبة والإنشاد والمقام”.
توفي الحاج عبد الكريم الرايس سنة 1996 بفاس عن عمر يناهز84 سنة، ليأخذ بعد ذلك تلميذه محمد بريول المشعل لإكمال ما بدأه الراحل.