ليلة من مائة ليلة وليلة جمعت بين شعراء ينتمون إلى تجارب متجاورة ومتغايرة ويتعلق الأمر بكل من الشاعرة الزجالة نعيمة الملكاوي والشاعر شفيق الإدريسي والشاعر محمد سعيد المقدم والشاعرة والزجالة فتيحة النوحو…
بيت الفن
في فضاء مدرسة الصنائع والفنون الوطنية بتطوان، صدحت أصوات شعرية تنتمي إلى تجارب متجاورة ومتغايرة في كتابة القصيدة المغربية المعاصرة، خلال أمسية شعرية كبرى نظمتها دار الشعر بتطوان جمعت ما بين الشعر الفصيح والشعر العامي المغربي «الزجل».
وافتتحت الشاعرة المغربية المقيمة في فرنسا نعيمة الملكاوي هذه الليلة الشعرية بقصيدة «الطير الحر»، محلقة في أرجاء وفضاء مدرسة الصنائع والفنون الوطنية، وهي تنشد زجلا: «الشمس شاعلة شمعة/ والعين حاملة دمعة. القلب ليوم يتحسرشكون غاد يفهم/ الشاشة تحكمات/ من بنادم تمكنات. وفالقلوب سكنات/ فيقو يا هاد الناس من السهات/ خرجوا وعانقوا الحياة… شربوا الهوا مع البحر/ حلقوا مع الطير فالشجر/ راه بنادم اتخلق حر».
واستهل ابن مدينة أصيلة الشاعر شفيق الإدريسي مشاركته، وهو يتلو قصيدة «همسات ليل حزين»، ومنها: في جفن الليل/ يعتم الضوء/ على أشلاء حزني/ تمر الساعات المكتئبة/ تحت أعاصير الشتاء/ أقتفي شرود الحلم/ على خدود وسادتي. وفي أغصان النباتات اليابسة/ يسكن عبير الشوق/ نهر صدري/ وتصدح في أذني/ نغمات الأمواج المتعبة… أنا المعتكف في معبد السماء، أنفث دخان اغترابي/ كأني أمتص من نبع ماضي السنين/ صقيع حزني/ عندئذ قرأت قصائدي على مقصلة المدينة/ في احتفال تراجيدي».
أما شاعر البحر، كما أطلق عليه أصحابه، وهو محمد سعيد المقدم، فهو «يبني من الوهم أحلامًا مؤجلةً/ ويرسمُ العمرَ في طيْفِ الحكاياتِ»، ثم يمضي يقول: أهدهدُ الحرفَ في ظِلِّ السكونِ على/ شطِّ الخيالِ وأشدو بالمسرّاتِ. وأغزِلُ الصمتَ أنغامًا تُؤانسني/ في غُربتي بين أحلامي وآهاتي. إني هنا خلف أسرابِ المُنى تعبٌ/ ألاحقُ العُمرَ في كَفِّ المسافاتِ. أهفو لأفقٍ بعيدٍ لا أراهُ سوى/ في خافقي، مثلَ نجمٍ غابَ عن ذاتي. لكنني طيفُ إنسانٍ تكدّسهُ/ أحلامُهُ بين أوجاعٍ ومأْساةِ. ما عدتُ أحملُ إلا وهمَ قافيتي. تجوبُ أوراقَ أحلامي وأبياتي».
أما الشاعرة سعيدة أملال فتقترح في قصيدتها الزجلية ما يلي: «إذا قدرتي تحرقني حرقني ما عليهش/ لكن أمانة عليك رمادي خليه للريح/ هو عارف مزاجي مليح/ وفاهم أصل طيني/ عارف فاين يزرعني من جديد/ وعارف منين يسقيني».
ومن قصيدة «سيمفونية العشق والجرح» قرأت الشاعرة فتيحة النوحو: «ماذا لو غفت/ كل عيون المدينة/ لحظية البوح/ لراقصت فينوس/ تحت زخات المطر/ ماذا لو غنى المطر/ لأوراق الشجر/ حين تستكين الريح/ ماذا لو سألنا الريح/ عن سر ثورتها/ لشربنا معا/ نخب السلام…».
وختم الشاعر الزجال نور الدين مغوز ليلة الشعر هاته منشدا: «اشمن نهار يا بلادي/ تجيني فوق عمارية مبرزة / مرشوشة بالحنة/ ومزينة بالمحنة/ حاسة بالنخوة وعريسك يستنا؟/ اشمن نهار يفششوك ولادي/ كلك خير، فرادية مطرزة / تجيني بالهمة / وتشخد اللمة/ وغدايدك تخوا/ ونصورك جنة / اشمن نهار يابلادي؟/ نغزلك تاج من خيوط الشمس/ ونفرشلك قلبي توسديه/ نبوحلك ب عطشي تورديه/ ونعشقك على كتاب لله والسنة /اشمن نهار؟…».
وتمثل ليالي الشعر أهم تظاهرة شعرية تنظمها دار الشعر منذ تأسيسها، وقد جاوزت مائة ليلة وليلة، وشارك فيها مئات الشعراء من مختلف القارات، كما أقيمت هذه الليالي في أزيد من عشرين مدينة مغربية، ويتعلق الأمر بليالي الشعر وليالي الزجل في تطوان وطنجة ومرتيل والمضيق والفنيدق والقصر الصغير ووزان وتاونات والعرائش والقنيطرة، وليالي الشعر الأمازيغي في طنجة والحسيمة والناظور والسعيدية، وليالي الأندلس في شفشاون، وليالي الشعر العربي في وجدة وجرادة، وليالي الملحون في فاس ومكناس وتطوان والرباط، وليالي الشعر العالمي في الرباط والدار البيضاء.