قصص مغربية تمزج بين الشعر والسرد والسينما بأصالة وسخرية تستعيد عوالم المدن البحرية
بيت الفن
“ثملا على متن دراجة هوائية” مجموعة قصصية للكاتب المغربي إسماعيل غزالي صيغت بإيقاع سريع. مؤلم إلى حد النشوة. ونحن نلاحق فيه السؤال منذ البداية: إلى أين أيها الدراج السكران الخارج لتوه من حانة البلدة؟
ومنذ البداية تتعلق قصص الكتاب، الصادر عن منشورات المتوسط في ميلانو، بضمير الأنا، أنا مفككة، مهلوسة غامضة وانتحارية، لكنها مرتبطة، مثل باقي الشخوص، بالواقع الهش، بهوامشه المظلمة، وظلاله الكثيفة، وبحفنة الضوء القليل التي تقودنا إلى طرق أفعوانية، في أعماقنا كما في الخارج حيث تتلقفنا المنحدرات والخيبات والكوابيس النهارية، في جغرافيا تتسلل إلينا عبر تفاصيل وروائح وألوان مبهجة.
ما كتبه إسماعيل غزالي، وفق الناشر، يشبه خلطة ساحرة، شعرية وسردية وسينمائية، ورثها عن بحار حكيم أو نديم قديم يتقن التعامل مع المياه كلها وإن كانت بلون الغرق، من النهر إلى البحر المتوسط، مرورا بالمسبح وبركة الماء، والمحيط الأطلسي، وجرعة البيرة وأمواجها المتلاطمة في كأس العالم الكبير. كل ما نقرأه يجرنا إلى ثمالة غريبة، نبقى معها يقظين، نتحسس الأشياء والحيوات والأفكار والوجوه، نتألم ونضحك ونشتم ونرقص ولا ندري إن كانت القصة القصيرة ستنتهي عند هذا الحد أم ستوغل في جرنا إلى المزيد من الجنون والمتعة.
يكتب إسماعيل غزالي بأصالة وسخرية حادة وقلق يثير ما نسيناه من عوالم المدن البحرية، في مشاهد ماثلة أمامنا، كأنها كادرات سينمائية لمخرج محترف، بوهيمي تجريبي ولا يهمه مصير أبطاله، طالما أنه يحتكم إلى مصير الإنسان في دوار لا ينتهي. هنا يطول الجسر مع كل خطوة نقطعها إلى الضفة الأخرى، هنا قد يقتلنا اللعب مع الدمى، وقد نقع في حب أشباح لا يراها غيرنا، وهنا أيضا يمكننا أن نسأل دراجة هوائية لتدلنا على وجهة لم يسبقْ لنا أن سلكناها.