القاعات متعددة الاستعمال

القاعات متعددة الاستعمال وسؤال الإيرادات والصيانة والبرمجة؟

هل أزمة القاعات السينمائية بالمغرب، قدر لا فكاك منه، فما عاد بعد كل هذه السنين، القول، إنها أزمة عارضة، حتى ولو أن المهدي اقترح خطة طارئة صاغها بأسلوب جيد ولغة سليمة ومتماسكة، غير أن الفكرة لم تحمل سمة التميز، ونخشى ما نخشى من وراء هكذا كلام انشائي، أن يرتبط انفراج الأزمة بموت المريض بعد عذاب الاحتضار الطويل.

المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والاتصال، كان تحدث عن دعم إنشاء 150 قاعة متعددة الاستعمال على امتداد التراب الوطني وتأهيل قاعات المسارح ودور الشباب لتمكينها من الإسهام في عرض الأفلام السينمائية المغربية، هذا الكلام يمثل موقفا تقنوقراطيا، كونه يجرد المشكلة من أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وكأن الإشكال القائم هو عرض الفيلم المغربي على أنظار الجمهور، أما مسألة الربح المتعلق بإيرادات هاته الأفلام في عروضها المحلية، فالوزير لا يهتم بهذا العائد، وكأني بالسيد الوزير سيقوم مقام الموزعين، طبعا من خلال وزارته، ونتمنى أن يقدم المهدي بنسعيد تصوره أو روايته في هذا الشأن لنرى ما إذا كانت تصلح للنشر.

وكي لا يظل كلامه عابرا في حديث عابر على حد تعبير الراحل محمود درويش، نتمنى أن يعود إلى بعض مستشاريه ممن يمتلكون بعض المواهب في مجالات السينما، ليقترحوا عليه نوعية التوزيع، ثقافي أو تجاري، وما هو ثمن التذكرة، وتوقيت العرض، ومدة العرض بالقاعة، والقاعات الصالحة له على ضوء هذا العدد، وهل سيقتصر نشاطها على مجال السينما أم ستكون أنشطتها متنوعة؟

ومحور الأنشطة، يثير هو الآخر بعض التساؤلات، فهل سيقتصر الأمر على برمجة الفيلم المغربي أم سيكون هناك تنويعا للعرض، وبالتالي هل تسعى الوزارة إلى حل إشكالية توزيع الفيلم المغربي أم إشكالية القاعات، إذا كان الجواب متعلق بالنقطة الأولى،فأين نحن من تنوع العرض، وبالتالي ما موقع السينما الدولية من الإعراب؟ وعلى رأسها السينما الأمريكية، التي تحبل بأفلام الخيال العلمي، والدراما وأفلام الحركة والمغامرة، والأفلام الأسطورية والتاريخية، والكوميديا، والأفلام الرومانسية،وأفلام التنشيط، الى غيرها من الأجناس الروائية، وفرت لها شروط الهيمنةتشكيلنمط فرجوي يرقد في ذهن المشاهد المغربي والعالمي.

إذا كانت الوزارة آخذة بعين الاعتبار مسألة تنوع العرض، فهل هي أخذت بجدية فرضيات الأسئلة الواردة في الفقرة ما قبل السالفة؟

لا نظن ذلك، فكلام الوزير، لا يتعدى كونه حديث شاي، في حضرة مخرجين ومنتجين كان حلمهم لقاء الوزير للدردشة وقول آمين. إن الإعداد الجيد والمنهجي لورقة تحاول أن تنظر بعمق إلى أزمة القاعات السينمائية، او أي موضوع آخر، فقبل أن تصدر عبارة عن تصريح إعلامي، عليها أن تستند إلى خطة علمية ذات استراتيجية ثابتة لا تتغير بتغير الأشخاص، تقوم (بتشديد وكسر الواو) الأمس وتستشرف الغد، وتستند على فلسفة وأهداف ومنهج، وبديناميات الواقع وآليات ترجمة البرنامج والكوادر المؤهلة لقيادة المهمة. فكم من وزير باعنا الوهم في أكثر من قطاع، لأنه بكل بساطة كان يجري تمرينا في تصريف زمنه السياسي.

عطفا على ما سبق، وقبل الحديث عن جاهزية البنايات (150 قاعة متعددة الاستعمال)، فهل كلها صالحة للعرض؟ لا جواب. ما هي كلفة إصلاح الغير الصالح منها، ما حجم ميزانية المعدات المتعلقة بتدبير العرض؟ ما هي موارد هاته الميزانية؟ ومن سيقف على أمور الصيانة والتوزيع والبرمجة؟ ومن سيشرف عليها؟ ما مدى توفر فريق العمل على المعرفة الفنية والإدارية والتقنية لإدارة مشروع التنشيط والبرمجة السينمائية؟

أسئلة ربما تجرنا إلى سؤال التنشيط الثقافي بشكل عام على مستوى خريطة المركبات الثقافية التابعة للوزارة، وأحراك التابعة للجماعات والمجالس المحلية، ولنعقد مقارنة بينها وبين مراكز البعثات الثقافية الأجنبية، لنتبين ضآلة حجم تأثيرها في المحيط،ليبدو الفارق بينمهما بحجم السماء والأرض،ثم نتساءل في السياق ذاته،عن القيمة المضافة التي قدمها خريجو معهد التنشيط الثقافي والمسرحي لهاته المؤسسات، ونحن ندرك أن جلهم موظفين أشباح، متفرغين لأنشطتهم الرئيسية، الفنية، السينمائية والتلفزيونية؟ ولا ضير أن تفتح السياسة لفئة أخرى المسالك إلى قبة البرلمان ودواوين الوزارات، وعلى رأسها وزارة الثقافة، واللهم لا حسد، وسيأتي الوقت لتقييم مردودهم بالمعطيات والأرقام.

السيد الوزير وهو يعرض برنامجه للنهوض بقاعات العرض، كان حري به أن يزن كلامهعوض دغدغة حواس الناس بخطاب متهافت المضمون، كما كان عليه أن يستند إلى تجارب من حولنا، ونحيله هنا على السعودية التي كانت تتوفر على 30 قاعة سينمائية إلى حدود سنة 1979 ، غير أنها اغتيلت مع بداية عقد الثمانينيات، تحت يافطة التحريم، وها هي تشهد الآن فورة على مستوى الاستثمار في المركبات السينمائية، التي استقطبت العديد من المستثمرين الدوليين في مجال الصناعة السينمائية، ويبلغ حاليا عدد صالات السينما 39 صالة، بعدد شاشات بلغت 385 شاشة، ومن المتوقع أن تصل إلى 1500 قاعة بنهاية 2025.

وصاحب توسع إنشاء القاعات تطور إيرادات شباط التذاكر بما يقارب 500 مليون دولار خلال العام 2021، هذا في ظل أزمة كرونا، أما الرقم المسجل عندنا فلا يتجاوز المليون دولار برسم سنة 2021.

وياما دعا الراحل نورالدين الصايل للاستثمار في المركبات السينمائية منذ زمان إلى جانب قاعات صغيرة تقدم عروضا متعددة، وكان إبانه يستند إلى رقم المعاملات التي حققها مركب ميكاراما بالدار البيضاء لوحده، والمقدرة آنذاك في 50 بالمائة من كل الإيرادات المسجلة في كل القاعات السينمائية المغربية، كما كان يدرك أن أسلوب نمط الاستهلاك تغير.فالتنقل إلى السينما بالمدن الكبرى أصبح يتطلب تنوعافي العرض، ومرافق التسلية، والأمن، وموقف السيارات، الخ، حتى إذا أخذت العائلات ابناءها إلى السينما، تكون مطمئنة على فلذات كبدها، سيما القاصرين منهم، وبإمكان الآباء ان ينظموا برنامجهم الخاص، في انتظار نهاية العرض الذي يحضره الأبناء.

وسط الظلام الحالك الذي يلف مشهدنا السمعي البصري، لا بد أن نحلم بمدن بها منتزهات وفضاءات خضراء ومركبات سينمائية ومسارح، وأن نحلم أيضا، بزيادة مبالغ الدعم وهو المطلب الذي أحيل على الحكومة منذ العام 2012 ولم يجد آذانا صاغية، في حين ارتفع دعم الإنتاجات الأجنبية بسخاء، مع العلم أن نسبة المشاريع المقدمة إلى لجنة الدعم ارتفعت أضعافا مضاعفة خلال العقد الأخير، كما تدل على ذلك المشاريع المقدمة إلى اللجنة في الدورة الأخيرة، والتي بلغت 90 مشروع سينمائي طويل، استفادت منها أربعة مشاريع فقط…

 

بيت الفن

عن بيت الفن

شاهد أيضاً

سينما باتي

“باتي” الفرنسية تفتتح مركبا سينمائيا من الجيل الجديد بالدارالبيضاء

يضم المركب السينمائي المتواجد بالمجمع التجاري “مرجان” سيدي معروف كاليفورنيا 8 شاشات حديثة مجهزة بأحدث …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Protected by Spam Master