نور الدين الصايل

أسى وحزن على فقيد السينما المغربية نورالدين الصايل

بيت الفن

غادرنا في الساعات الأخيرة من ليلة أول الثلاثاء 15 دجنبر الجاري، المدير السابق للقناة الثانية والمركز السينمائي المغربي، نور الدين الصايل، عن سن ناهز 73 عاما.

وحسب ما أعلنته زوجته الإعلامية نادية لارغيت، فإن الصايل تعرض لوعكة صحية نقل على إثرها إلى مستشفى بمدينة الدارالبيضاء، حيث وافته المنية إثر سكتة قلبية، مشيرة إلى أن جثمانه سيوارى الثرى ظهر أمس الأربعاء بعد وصول ولديه من فرنسا.

الكبار لا يموتون

تركت وفاة الصايل أسى كبيرا في نفوس أصدقائه ومحبي شخصه وثقافته، إذ قال المخرج السينمائي والناقد عبد الإله الجوهري “رحيل سيخلف فراغا في ساحة الفن السابع بالمغرب نظرا لمكانة الرجل، الذي يشهد له أعداؤه قبل أصدقائه، بمكانته ودوره في تجذير ثقافة السينما بالمغرب.

وأضاف الجوهري “لا اعتقد أن الصايل مات، أكيد أن الخبر غير صحيح كما نشرت ونعت آلاف الصفحات عبر العالم داخل المغرب وخارجه، لأن الكبار لا يموتون وإن رحلوا جسدا فأرواحهم تظل محلقة في فضاءات الدنيا الواسعة. لا أعتقد أن الصايل مات، هو الذي نشر بذور محبة السينما بين أجيال وأجيال من المغاربة والعرب والأفارقة، وكرس وقته وجهده لتجذير معاني المشاهدة السينمائية الحقة. لا أعتقد أن الصايل مات، وتلامذته ومحبي جلساته الثقافية والإنسانية أحياء يشهدون على عمق محبتهم وتعلقهم به وبمعرفته الشاسعة في دنيا الفكر والفن.

من جانبه قال مدير الإعلام والتواصل بمؤسسة مهرجان السينما بخريبكة، عبد العزيز ثلاث، إن  الساحة السينمائية المغربية والإفريقية فقدت أحد رموزها البارزين الفقيد نور الدين الصايل، الذي  ظل معتليا منابر المرافعات من أجل سينما وطنية وقارية لما يفوق نصف قرن. خلالها استطاع أن يشيد صرح شخصية بكاريزما قوية في مجاله. شخصية التفت حولها لـ”مصارعته ومطارحته” فئات من السينيفليين ونقاد السينما وصناعها.

صراعاته ومطارحاته استنبتت الأعداء كما استنبتت المناصرين من اجل نشرأفكار أو رؤى أو استراتجيات لتدبير وتطوير المنظومة السينمائية وأحيانا الإعلامية. برفع سقف الخيارات من تطوير وتخليص المشهد الإعلامي من بقايا ما يسمى بالطابوهات (المتكلسة) عند البعض أثناء تواجده بالقناة التلفزية المغربية الثانية كتكملة لما بدأه خلال فترات الثمانينات بالقناة المغربية الأولى عبر “سينما منتصف الليل” … أو من خلال تحمله إدارة المركز السينمائي المغربي بخلق ديناميت إنتاجية سينمائيا، ومن خلال رقمنة وتحديث القاعات والمركبات السينمائية … انه الصديق الذي يقدره الجميع المخالفون/ المختلفون معه وكذلك المناصرون بطبيعة الحالة.

الفقيد تحملت معه ومع أصدقاء من مدينة خريبكة ومن المكتب الجامعي للأندية السينمائية مسؤولية “أثقل عبء سينمائي” ويتعلق الآمر بملتقى خريبكة للسينما الإفريقية، منذ الدورة الثانية، بعد تحملي مهام تسيير النادي السينمائي بخريبكة ومنذ ذلك الوقت ونحن جميعا نعمل على تشييد صرح السينما وتحصين قلعتها الإفريقية خريبكة، كان الفقيد وكنا معه ندافع عن هوية سينمائية قارية علمنا إياها معلمنا الذي رحل في غفلة من الجميع تاركا الأعداء متأسفين والأصدقاء مصدومين من الوقع.

من أجل إنتاج سينمائي إفريقي حقيقي

لطالما دعا الصايل الدول الإفريقية إلى إنتاج أكبر عدد ممكن من الأفلام على المستوى الوطني من أجل المساهمة في النهوض بالفن السابع في إفريقيا، إذ أنه كان مؤمنا بأنه من خلال التفكير من منطلق وطني فقط، نتمكن في النهاية من إنتاج إفريقي حقيقي. فمن الضروري للغاية إنتاج كميات كبيرة من الأفلام إذا كنا نرغب في رفع مستوى السينما الإفريقية.

كان يرى أنه ليس من الضرورة إنتاج الفيلم التحفة. بل يتعين علينا أن ننتج سينما عادية، مع إنشاء سوق يمكنها استيعاب هذا الإنتاج الوطني، مشددا على ضرورة أن تستوعب الدول تأثير الصورة السينمائية في العالم.

وبالنسبة للصايل لن يحل الإنتاج السينمائي المشترك محل المشاكل الخاصة بكل بلد، لكن يتعين على السلطات المسؤولة على القطاع أن تعزز قدرتها برغبة مخلصة في الإنتاج المشترك، متسائلا في الوقت نفسه عن أسباب النقص الصارخ في الإنتاج المشترك من جانب القوى الاقتصادية الكبرى في القارة.

ولا أحد ينكر دور نور الدين الصايل في دعم مهرجانات السينما بإفريقيا بدءا من المهرجان الإفريقي للسينما والتلفزيون لواغادوغو “فيسباكو”، الذي لم يفوت أي دورة من دوراته، وأيام قرطاج السينمائية، ثم مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة، الذي يعتبر الصايل من مؤسسيه.

مستقبل السينما رهين بسوق داخلي للفيلم

نورالدين الصايل كان يشدد على ضرورة حل المشاكل المتعلقة بنقص القاعات السينمائية، داعيا إلى اعتماد سياسة ثقافية متطورة من أجل الإقلاع بالصناعة السينمايئة المغربية، تعتمد في المقام الأول على إنشاء المزيد من المركبات السينمائية لجذب ومنح فرص الاختيار ليس فقط لرواد السينما بل للجمهور العريض أيضا.

وإذا كانت مشكلة الإنتاج قد تم حلها في عهده، فإن استغلال دور السينما هو التحدي الكبير الذي يتعين حله، مؤكدا أنه إذا لم يكن هناك سوق داخلي للفيلم، “فإن الإنتاج سوف يتلاشى تدريجيا”.

لقد دعا الراحل إلى “تحرير الطاقات الإبداعية”، مشددا على أن المغرب يتيح فرصا كبيرة لحرية التعبير، حيث تتميز فترة ترؤسه للمركز السينمائي المغربي بحرية تعبير، رافقتها تعبئة متميزة للدعم المالي من أجل إنتاج المزيد من الأفلام وإغناء الخزانة السينما الوطنية.

تجربة سينمائية غنية رهن إشارة الشباب

حرص الراحل نور الدين الصايل، على تقاسم تجربته السينمائية وعشقه للفن السابع من أجل إعطاء الفرصة للشباب لإبراز مواهبهم.

الصايل، الذي رأى النور في مدينة طنجة سنة 1948، افتتن مبكرا بعشق السينما باعتبارها “جامعة تكوينية”، حيث أعطاها من وقته وجعلها محور انشغالاته. ومنذ بداية علاقته بعالم النوادي السينمائية وهو في سن 14 من عمره.

تعلم الصايل، الذي كان وراء مبادرة خلق الجامعة المغربية للنوادي السينمائية سنة 1973، أن السينما ليست وسيلة للترفيه فقط، ولكنها أيضا وسيلة تتيح إمكانية استثمار الأفكار والمشاعر، وقراءة بعض الأشياء، ومن ثمة تنبثق فكرة قراءة الفيلم.

سخر الصايل، الذي سبق له أن تقلد عدة مهام من ضمنها الإشراف على إدارة المركز السينمائي المغربي والقناة الثانية “دوزيم”، تجربته الغنية والممتدة زمنيا في مجال خدمة وإنعاش الثقافة الفنية، إلى جانب مساهمته في انبثاق صناعة سينمائية مغربية.

وترأس الراحل لجنة الفيلم بورزازات، التي نجحت في السنوات الأخيرة بجلب استثمارات أجنبية مهمة من أجل تصوير الإنتاجات السينمائية بالمغرب، وقد ظهر ذلك من خلال المردود المالي السنوي للإنتاجات السينمائية في ورزازات التي تظل على رأس القائمة.

محطات من مسار طويل

نور الدين الصايل من مواليد سنة 1948 بمدينة طنجة. تابع بها دراستها الثانوية، بثانوية ابن الخطيب. حصل على دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة، بكلية الآداب بالرباط. اشتغل في بداية مساره مدرسا لمادة الفلسفة بثانوية مولاي يوسف بالرباط، قبل أن يعين سنة 1975 مفتشا عاما لمادة الفلسفة، وهي الوظيفة التي أداها حتى تاريخ تعيينه في مارس 1984 مديرا للبرامج بالتلفزة الوطنية.

في عام 1973، أسس الجامعة الوطنية لنوادي السينما بالمغرب (FNCCM)، وكان رئيسا لها حتى عام 1983. وقد ساعدت الجامعة في تأسيس مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة عام 1977.

عمل مستشارا لدى إدارة القناة الثانية المغربية بعد إطلاقها، قبل أن ينتقل إلى مجموعة كنال بلوس الفرنسية، التي تم تعيينه بها في منصب مدير مبيعات البرامج. ثم منذ 1999 أصبح مديرا عاما مكلفا بالبرامج والبث بالقناة.

في أبريل 2000، عين نور الدين الصايل مديرا عاما جديدا للقناة الثانية، وهو المنصب الذي اشتغل به حتى تعيينه على رأس المركز السينمائي المغربي (2003 – 2014).

باعتباره ناقدا سينمائيا، ساهم الصايل بكتاباته في مجموعة من المجلات، وأطلق مجلة خاصة بالسينما وقضاياها (Cinéma 3)، كما قام بتنشيط عدد من البرامج الإذاعية والتلفزية حول السينما.

ساهم الصايل، في كتابة سيناريو أفلام محمد عبد الرحمن التازي “ابن السبيل” سنة 1981، و”باديس” سنة 1989، و”للا حبي” سنة 1996. كما صدرت له سنة 1989 رواية بالفرنسية بعنوان (A l’Ombre du Chroniquer).

حتى لا يدمر الفيروس حياتنا الشخصية بشكل جماعي

آخر ما قاله الراحل بخصوص وباء كوفيد19 “الملاحظ أن هذا الوباء سقط دون سابق إنذار. الجميع يتألم. والتكيف مع الداء هي الكلمة الحقيقية. يجب أن ننظر إلى هذا الموقف بوضوح، ويتمثل في الفهم والتعلم. لكن لكي نفهم، علينا أن ننظر إلى ماهية الآليات وكيف تشتغل. اعتبارا من اليوم ليس من الواضح ما حدث بالضبط، أو كيف سيتطور، ناهيك عن العلاجات لإنهاء الوباء.

ماذا نفعل أثناء الانتظار؟ يجب أن ندرك أن الحقيقة موجودة، نحاول التكيف دون التخلي عن ما يشكل “ملح الحياة” العيش، التطوير، الإنتاج، الاستهلاك. بطبيعة الحال، فإن أصعب شيء هو إيجاد هذا التوازن غير المستقر بين غريزة الحفاظ على الذات لدينا، والتي لها أسس سليمة، والاستمرار في القيام بكل ما يتطلبه الأمر، حتى لا نفقد غريزة الحفاظ على الذات. باختصار، افعل كل ما يتطلبه الأمر لتحقيق التوازن بين ما يسمى بالمبدأ التحوطي وعدم جعل هذا المبدأ الاحترازي المقدس يدمر كل شيء في طريقه.

من الضروري أن نستمر قدر الإمكان في العيش بشكل طبيعي، للسماح للشخص بالمثابرة على وجوده. الشيء الرئيسي هو أن تدرك أن ما يحدث للبشرية أمر خطير وأن هناك سبلا للخروج. لم تطرح الإنسانية أكثر من المشاكل التي يمكنها حلها بمفردها. الشيء الرئيسي هو أن تظل دائما واضحا وتتجاوز هذا الوضوح لإظهار التضامن. دعونا نحاول أخيرا ألا يدمر هذا الفيروس حياتنا الشخصية. بشكل جماعي”.

ويعتقد نور الدين الصايل أن القرارات التي اتخذت في بداية الوباء كانت حكيمة ومفيدة بالفعل. بعد ذلك، كان هناك، حالات صعود وهبوط، من الضروري وضع هذا في المعادلة: هل تم تنبيهنا جميعا بشكل كاف إلى الخطر لحماية أنفسنا جيدا؟ هل اتبعنا المبادئ الأساسية التي تمنع انتشار الفيروس؟ كلنا نتحمل مسؤوليتنا في هذا. الشيء الوحيد المؤكد هو أنه عليك أن تتعلم التعايش مع هذا الفيروس حتى تفهم كيفية التغلب عليه. وآليات التغلب على هذا الوباء تتمثل في الوضوح والتضامن والمسؤولية.

عن بيت الفن

شاهد أيضاً

مهرجان خريبكة للسينما الإفريقية يكشف عن أفلام مسابقته القصيرة

“خروف وحمل وغربان” لـ أيمن حمو يمثل المغرب في المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة… بيت الفن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Protected by Spam Master