اكتشف سميرة بن سعيد وعزيزة جلال ومحمود الإدريسي وآخرين
وليد السجعي
“أذكري”، و”ابتسم يا غزال” لإسماعيل أحمد، و”رفيقتي” لمحمد علي، و”يا حبيب القلب” و”حسبتك” لعبد الهادي بلخياط، و”كان قلبي هاني” للراحل المعطي بلقاسم، ورائعة “أنت” التي غناها الفنان عبد الوهاب الدكالي، كلها أغان من ألحان الموسيقار المغربي عبد النبي الجيراري، الذي ينتمي إلى الجيل الذي وضع اللبنات الأولى للموسيقى والأغنية المغربية، راكم في مساره الإبداعي الكثير من التجارب التي ساهمت في تكوينه ودعم مواهبه، التي ولدت معه.
بدأ الفنان عبد النبي الجيراري، الذي يعتبر بمثابة الأب الفني للعديد من نجوم الأغنية المغربية، مساره الفني منذ صغره، رغم انتمائه لعائلة بعيدة كل البعد عن الوسط الفني. توطد عشقه للموسيقى منذ الأربعينيات من القرن الماضي، عندما كان يتردد مساء كل جمعة على ساحة المشور السعيد بالرباط، حيث كانت فرقة الخمسة والخمسين الموسيقية، التابعة للقصر الملكي، تعزف مقطوعات من الموسيقى، في عهد الملك الراحل محمد الخامس. قادته خطواته ليتعلم قواعد الموسيقى في معهد موسيقي متواضع، حيث تعلم المبادئ الأولى للعزف على بعض الآلات الموسيقية.
في سن مبكرة، وتحديدا سنة 1945، أسس رفقة كل من الفنانين أحمد البيضاوي وصالح الشرقي، وسمير عاكف، وعبد القادر الراشدي، أول جوق مغربي أطلق عليه اسم “جوق الاتحاد الفني الرباطي”. وهي المجموعة التي كونت الجوق الوطني في ما بعد.
ساهم “جوق الاتحاد الفني الرباطي” في إحياء سلسلة من السهرات والحفلات الفنية الوطنية، لبث الحماس في نفوس الوطنيين، بتنسيق مع أبرز قادة المقاومة في المغرب. انطلاقا من إذاعة “راديو ماروك”، بدأت معزوفات ونغمات جوق الجيراري مثل “سلوى” و”بشرى” و”جمال الريف” تصل إلى آذان المستمعين المتعطشين إلى الموسيقى المغربية، التي بدأت تتشكل آنذاك، بالاعتماد على غنى التراث المغربي وتنوع إيقاعاته.
يعتبر الجيراري، الذي كان يجيد العزف على العديد من الآلات الموسيقية، أول من أدخل آلة البيانو في الموسيقى المغربية، من خلال رائعة “أذكري” التي أداها الراحل إسماعيل أحمد، كما عرف بانفتاحه على تركيبات وتعبيرات موسيقية لم تكن مألوفة آنذاك في المغرب، من خلال سعيه للتحديث والعصرنة وتطوير القوالب القديمة، بألحان من قبيل “ابتسم يا غزال” لإسماعيل أحمد، و”رفيقتي” لمحمد علي، و”يا حبيب القلب” و”حسبتك” لعبد الهادي بلخياط، و”كان قلبي هاني” للراحل المعطي بلقاسم، ورائعة “أنت” التي غناها الفنان عبد الوهاب الدكالي.
انطلاقا من سنة 1967، بدأت رحلة عبد النبي الجيراري في البحث عن أصوات جديدة، لتطعيم الأغنية المغربية، من خلال برنامجه التلفزيوني الذائع الصيت “مواهب” الذي كان أول برنامج في تاريخ التلفزيون المغربي يعنى باكتشاف الأصوات، ويتبناها ويخصها بالرعاية والتوجيه إلى أن يشتد عودها.
بحاسته الفنية التي لا تخطئ، كان الجيراري يكرس كل وقته، للبحث عن الأصوات الناشئة، ليتبناها فنيا، ويصقلها بالرعاية الفائقة، قبل أن يفتح أمامها الأبواب، لتدخل منها إلى عالم النجاح والشهرة، لدرجة أن أغلب الأصوات المغربية التي ظهرت في سبعينيات القرن الماضي، كانت من اكتشافه.
اكتشف الجيراري من خلال برنامجه الفنانة سميرة بنسعيد، التي كانت أول من تخرج من برنامج “مواهب” وهي ما تزال طفلة لم تتجاوز ربيعها التاسع، من خلال أدائها مقاطع من أغنية “الأطلال” لأم كلثوم، لتنطلق إلى عالم الشهرة والمجد. كما اكتشف الفنانة عزيزة جلال، وهي ما تزال تلميذة في إحدى المدارس الثانوية بمدينة مكناس، بعدما أدت أغنية “الليل موال العشاق” لشريفة فاضل، في برنامج مواهب لتعقبها بأغنية “ليالي الأنس” للراحلة أسمهان باقتراح من الجيراري، الذي تنبأ لها بمستقبل عظيم. واكتشف كذلك المطربة الراحلة رجاء بلمليح، التي حضرت أول مرة إلى برنامج “مواهب” مرفوقة بوالدها سنة 1978، وشاركت بأغنية “أعطني الناي وغني” للفنانة فيروز فأبانت عن وعي وإلمام بقواعد الإلقاء الفني الرفيع. وكذلك الحال مع محمود الإدريسي، والملحن محمد بلخياط، والمطرب عماد عبدالكبير، والملحن عز الدين منتصر، وعبد المنعم الجامعي، والبشير عبده، ومحمد الغاوي وغيرهم.
امتد نشاط البرنامج وتوسع ليشمل مختلف أشكال التعبير الأدبي والفني، فكانت هناك فقرة خاصة بالشعر والزجل تحت إشراف الشاعر الفنائي المهدي زريوح، بينما كان نجل الجيراري، معدا لفقرة الخط، كما تردد أيضا على البرنامج في البداية زجالون وشعراء شباب، منهم الشاعر الغنائي عمر التلباني، كاتب كلمات “سوق البشرية” لعبد الوهاب الدكالي. وفي سنة 1985، وفي عز النجاح الذي عرفه، توقف البرنامج، لكنه ظل حيا في الذاكرة، من خلال الأصوات العديدة التي اكتشفها.