مهرجان الفنون الإسلامية

فنانو العالم يبوحون بأسرار الجمال بمهرجان الفنون الإسلامية بالشارقة

الشارقة : فاطمة حميد

من أبرز الفقرات التي عرفتها الدورة الجارية من مهرجان الفنون الإسلامية في نسخته الثانية والعشرين فقرة “حوار الفنانين”، وهي فقرة مخصصة للقاء الإعلاميين بالفنانين، يتحدث فيها ضيوف المهرجان الذين قدموا من بلدان مختلفة بإبداعات مختلفة مرتبطة بالفن الإسلامي عن تجاربهم التي يعرضونها في هذا الحدث الفني تحت شعار “مدى”.

وبهذه المناسبة وقبل انطلاق الحوار الفني، الذي جرى يوم أمس السبت الـ14 من دجنبر، بفندق راديسون بلو بالشارقة، كرّم محمد إبراهيم القصير، مدير إدارة الشؤون الثقافية في دائرة الثقافة، ومدير المهرجان، ومعه فرح القاسم المديرة الفنية، الفنانين المشاركين في الدورة الحالية، كما كرّم، بصحبة خالد مسلط، رئيس اللجنة الإعلامية في المهرجان، الإعلاميين المحليين والعرب، تقديراً لجهودهم في تغطية الحدث الفني.

وتناوب على الحديث، خلال الحوار المفتوح الذي عقد على فترتين صباحية ومسائية، 23 فناناً من دول عالمية عدة، بسطوا أعمالهم الفنية المشاركة في الدورة الحالية، وسلطوا الضوء على المراحل التي أُنجزت فيها التجهيزات، كما أبرزوا مشاريعهم الفنية الأخرى في عرض تسجيلي هذا وقدّم كل فنان كلمة موجزة عن انطباعه الخاص حول تجربته في المشاركة في المهرجان، ومساره الفني.

وكانت البداية مع الأمريكيين «وييد كافانا وستيفن نوين» وعرضا ثمرة عملهما المشترك «دراسة التراكيب». وقد تم إنجاز العمل من محور دوّار خشبى مغلّف بالخشب الرّقائقى، ومن فوقه تمّ التّلاعب بمعدن قياس رقيق (الألومنيوم أو النحاس أو البرونز) لصنع تمثال ضخم بدا وكأنه مزيج من شكل طبيعى وكائن من العصور القديمة.

وأوضح الفنانان أنهما عندما ينجزان تجهيزا فنيا، يكون هدفهم مراعاة كل مساحة المعرض وتنشيطها باستخدام العمل الذى يملأ المعرض، ويقولان “بالنسبة لهذا العمل فإننا نتصور إنشاء نموذج نفق طبيعيّ (شجرة) يسير عليها المشاهد، ويعبر من خلالها عندما يدخل مساحة العرض، ومع خروج المشاهد من النفق ونظره إلى المكان الذى جاء منه، سيرى نظاما جذّابا يحاكى الأنماط المتكررة المميزة للفن الإسلامي، وينبثق العمل من نموذج واحد (جذع شجرة) إلا أنه ينتشر عبر المعرض لإنشاء بيئة غامرة».

من جهته، الفنان الإسبانى «خوسيه كارلوس» استعرض تجربته الفنية التى اختار لها عنوان «التراث» وهو عمل ينتمى إلى ثقافة تراثية محضة، فقد استخدم اللوح الأموى الجلدى المذهب لقناعته بأنه صلاة مستمرة مليئة بالضوء، وتعج بالفروع والأوراق المقدسة وتعبيرات الليالى المظلمة. يقول: «اللوح الجلدى المذهب هو مشهد من الأشكال التى ينتهى بها المطاف في الجمال، يمتد منذ بدء العمل على اللوح وانتهاء بإنجازه حد الكمال».

أما الفنزويلية «ماجدالينا فرنانديز» فأبرزت أنها استقت فكرة عملها من الحركة المستمرة للبحر وكثافة مياهه، حيث تمثّل الأمواج، حسب فرناندز، تنفّس كوكبنا، ويشبه إيقاعه العمليّة السحرية للولادة والتحول والبعث، والتى تحافظ على سيرورة الحياة. بهذا المعنى، ترى الفنانة أن البحار ساحات للمغامرة والاكتشاف والاتصال والبعد، وتتجسد كأماكن حدودية توضح جغرافية الأرض، وتحيط بالوجود الإنسانى وتحميه.

وتضيف الفنانة: «لطالما نُظرَ إلى البحار، بعمقها ومداها اللامتناهى، وثراء الحياة التى تضمّها، على أنها مناطق غامضة لا يمكن استكشافها بشكل كليّ، كما أنها تلمّح بالتساوى إلى تجارب الصفاء أو العنف الشديد، والتى تسمح بالاعتراف بجمال الطبيعة وفهمها، وإدراك قوتها وجبروتها».

ومن الأعمال المميزة أيضا عمل “قوس الصفر” لصاحبه جيمس تابسكوت من أستراليا. وتحدث الفنان عن منجزه. وتعد ممارسته في هذا العمل انعكاسا لتأثره بجماليات الفن الإسلامي، وقد لعب ملمس الأعمال الفنية المنجزة في هذا الفن دورا بارزا في لفت نظره لما يظهره من جمال يخلق تناغما بين الإنسان ومواد الطبيعة.

وبخصوص الأمريكية «جينى كريمنس»، فقد شرحت تفاصيل عملها الفني البديع تحت عنوان «البحث عن الجمال» بقولها: «في عملى أقوم بتصنيع الأشياء بتفاصيل يدوية دقيقة تتناقض مع بساطة المواد المستخدمة، ومن خلال إعادة استخدام أدوات تسويقية تعود إلى ثفافة المستهلك، قمت بتمزيق أظرف ومغلفات وكتالوجات يصعب إعادة تدويرها لأنّ أحبارها تحتوى على تركيزات عالية من المعادن الثقيلة، ومن ثم استخدمتُ هذه المواد في أعمالي، حيث عملتُ على لفّ وطيّ وخياطة الأجزاء الممزّقة، وحوّلتُها إلى نقوش منحوتة متآلفة، لتصبح أعمالا مستقلّة وأعمالا تركيبية تجذب المشاهد إلى عوالم صغيرة، ولكن لا نهاية كأنّها المدى».

من جهته «إيريك ستاندلي» تحدث عن عمله «الجوهر لا ينتظر» واستعرض أمثلة مادية للجوهر قبل الوجود، حيث يتجاوز النموذج الأصلى الدلالة المحلية والفورية، ويستدعى القلب ليشهد على الشىء اللامتناهى، كما يبدأ جلب النموذج الأصلى ليؤتى ثماره من الأصالة التجريبية التى تدين الوهم أو الارتقاء بالذات. يقول ستاندلي: «أعتبر هذه القيم مرتبطة ارتباطا وثيقا بالفن الإسلامى، وتنعكس في الأنماط الهندسية لعملي. وفى الواقع، فإن الـ«مدى» متأصل في ممارستى الفنية حيث أسعى إلى ابتكار قطع أثرية تشهد على الكون، وتكون مستنيرة بالوحدة والإيقاع والترابط بين كل الحياة الواعية. كما أتعامل مع مشاريعى مثل الآثار، وأكشف بحذر عما هو مألوف وغير مرئى على حدّ سواء».

الفنان المصري أحمد قرعلي الذي أبدع في «مبنى ينمو»، وهو نحت في المدى، نسيج باذج في المخيلة والتنفيذ، يتفرّع في كلّ اتجاه مثل أغصان الشجر، وقد كان المقرنص مادة للنمو والتكاثر في العمل أكثر منه مادة ذات وظيفة معمارية. هذا العمل علم بلغة الفن، وفنّ بلغة العلم، تدنو بالقرب منه فتشعر أنك تقف تحت مبنى متكامل الأركان، ثم ترى إلى الفكرة كيف انسكبت نبعا، وتعالت، في كلّ اتجاه، بناء شاهقا يصل طوله إلى عشرة أمتار، فيما يستند إلى قاعدة عرضها 12 مترا، وعمق يبلغ 12 مترا أيضا. يقول قرعلي: «المشروع المقدم جزء من مشروع نحتى أكبر استكمله تباعا في كل عرض، محاولا تطوير الشكل المعمارى في الحضارة الإسلامية من وجهة نظر نحات، متخيلا مدينة كاملة مستوحاة من هذا الإرث الفني. وعن عمله الثانى المشارك به في المهرجان الموسوم بـ«روح المدينة» يقول قرعلي: «يعدّ العمل نحتا أكثر منه إنستاليشن، حيث تم تفريغ النحت من كتلته ما جعله طائرا في الهواء، بالخامات الجديدة «الشيفون والنور». يشكّل النور ثلاثة أرباع الخامة، وهو ما يحدد الأشكال كلها، وإذا اختلف النور من أى اتجاه يختلف التكوين كله». ويتابع: «أعمل على المدينة، ومن ثم كل عام أقدم قطاعا جديدا لمفرداتها بطريقة تتناسب مع العصر. وقد فكرت أن هذه المدينة لا بد أن تكون لها روح معينة، إلى أن اهتديت هذا العام إلى أن النور هو الروح التى تعطى إحساسا بأن من يرى العمل يشعر بالقوة وقت الصلاة والعمل».

هذا وناقش المعرض الخطّى «عليم» للمصرى عبد الرحمن الشاهد، الأفكار والمفاهيم المتعددة كقيم مهمة للإنسانية، وتظهرها بوسائط مختلفة ورمزية عميقة، وتشكّل الحروف العربية أداة تواصل مهمة في خطابه الفنى المعاصر.

أما السورى محمد حافظ، الذي شارك بمعرض بعنوان «رحلات من حاضر غائب إلى ماض مفقود»، فاستعاد سلسلة من ذكريات الطفولة في بلده الأصلى سورية، ويظهر في الأعمال وجهات نظر متباينة عن البلاد التى مزقتها الحرب، مستخدما أدوات بسيطة كالأثاث المصغّر، وشخصيات الحركة، ومفاتيح البيانو، ومكونات الراديو القديم، فضلا عن مكونات طبيعية مثل الباذنجان المجفف.

وتتميز أعمال الفنان السورى بالتفصيل الدقيق، وصولا إلى حديد التسليح الملتوى الذى يخرج من قطعة الخرسان التى تبدو وكأنها قصفت، كما تظهر جانبا مدمّرا بالكامل، كما لو أنه تضرر نتيجة قذيفة مدفعية. وأوضح حافظ حول تناوب الانطباع المتولد عن العمل بين السخط والقلق، بابتسامة تنم عن معرفته بالأثر الذى تتركه أعماله على المشاهد، بأنّ «هذا الانطباع هو المطلوب تماما».

من جهتها الفنانة اليمنية دنيا الشطيري، المقيمة في السعودية، تحدثت عن معرضها “نبأ”، الذي يعد فيه الصوت المادة الأساسية في تنفيذه. وهو عمل يحاول أن ينقل العلاقة بين المشهد الصوتي والفن الإسلامي من خلال الدعوة إلى الصلاة (الأذان). والتجهيز الفني، وفقا للشطيري، رحلة تسعى إلى البحث بعمق عما وراء الكلمات والحروف، وعن الطاقات الكامنة وراء المعاني، واستشعار ما لا يمكن رؤيته أو لمسه.

عن بيت الفن