بوشعيب البيضاوي

بوشعيب البيضاوي ملك العيطة بدون منازع

أشهر شيخات العيطة كن يأتين في الدرجة الثانية بعده

وليد السجعي

في الخامس والعشرين من شهر ماي 1965، لفظ  شيخ الأشياخ الزبير بن بوشعيب، الشهير ببوشعيب البيضاوي، أنفاسه الأخيرة، معوزا ومنسيا، بمستشفى ابن سينا بالرباط، وعمره لا يتجاوز 36 سنة.

ومنذ 52 سنة، تمر ذكرى، هذا الفنان البيضاوي الأصيل، في صمت، وكأنه ما عاد رمزا من رموز الدارالبيضاء، أو صوتا من أصوات فن العيطة، الذي ما تزال أسطوانات “شعبيفون” تحتفظ به، منذ الخمسينيات من القرن الماضي، حيث كان بوشعيب يردد “ماشتو الغزال”، و”ركوب الخيل”، “خربوشة”، “وشعبانة”، و”رجانا في العالي”، وغيرها من أمهات هذا الفن الذي مازال المغاربة ينتشون بها إلى اليوم.

ينتمي الفنان بوشعيب البيضاوي، الذي ولد سنة 1929، بدرب الدالية بالمدينة القديمة، لأسرة متواضعة تتحدر من ضواحي الدارالبيضاء، بحي بوسبير القديم، تابع دراسته في إحدى المدارس الحديثة، التي انخرط فيها سنة 1948، وحصل منها على شهادة في الحسابات، مكنته من الاشتغال لدى أحد المحامين الفرنسيين المقربين من الحركة الوطنية المغربية.

في هذا الحي، الذي أنجب ثلة من الفنانين الرواد، أمثال أحمد القدميري، ولحبيب القدميري والبشير العلج وأحمد البيضاوي، والمعطي البيضاوي، ومحمد البورزكي، ولمفضل الحريزي وغيرهم، سيترعرع  البيضاوي وسيلتقط أغاني رواد فن العيطة بشكل مباشر أو عبر التسجيلات، التي كانت سائدة في تلك الفترة، خصوصا تسجيلات 77 و45 لفة، التي كانت تضم أغاني الشيخة “الرونو” وهي يهودية مغربية عرفت بفن العيطة، والشيخة الوالدة البهلولية المزابية، والحاجة الرويضة، وغيرهن من شيخات العيطة الرائدات.

ورغم أنه كان يستمع للأغاني المشهورة أنداك، إلا أن لقاءه الحقيقي مع فن العيطة، حسب الباحث محمد أمسكان، “يعود إلى الفترة، التي كان يعمل فيها في مصبنة للملابس بالدارالبيضاء، وبأنه وفي غمرة اهتمامه بقفاطين وجلاليب عائلة “بن جدية”، تعرف على رب الأسرة، الذي كان يدعوه، من حين لأخر للحفلات والأعراس الكبرى، التي تنظمها العائلة بحضور كبار الشيوخ والشيخات المعروفين آنذاك”.

إتقانه لفن الإيقاع، فتح له الطريق للالتحاق بمجموعة الحاجة الرويضة رفقة خدوج بنت الوقيد والزهرة التشيكيطو وبنت الكحيلة، وهنا سيتعرف على شيوخ العيطة، منهم المعلم قيبو المشهور باسم “الماريشال” لمهارة عزفه على آلة الكمان، كان الفنان قيبو هو من شجع ونصح بوشعيب البيضاوي على ولوج فن العيطة، خصوصا عندما اكتشف رخامة وقوة صوته المميز.

بعدما استفاد البيضاوي من توجيهات قيبو وأخذ عنه أصول فن العيطة، أسس إلى جانبه، مجموعة فنية، سيصبح اسمها لامعا في سماء العيطة، بفضل مجهودات أعضائها، عازف العود بوشعيب ولد الزليكة، والشيخة ميلودة بنت الدرنونية، في إعادة الاعتبار لفن المرساوي، من خلال إحياء “العيوط” القديمة، ونفض الغبار عنها، وجعلها مناسبة  لذوق العصر ولروحه.

عن شخصية بوشعيب البيضاوي، يقول المسرحي عبد القادر البدوي، الذي جايله، إن المكتشف الحقيقي للبيضاوي هو المسرحي الراحل البشير العلج، هو من أعطى للبيضاوي تلك الشخصية الأنثوية، ابتداء من سنة 1950، من خلال تمثيليات قصيرة، برز فيها مغنيا شعبيا وممثلا. ومما زاد في شهرته الفنية مساهمته صحبة البشير العلج، والحاج لحبيب القدميري، والصويري ولمفضل الحريزي وبوجمعة، في البرنامج الإذاعي الأسبوعي “اضحك معي”. وهو ما يؤكده السينمائي عبد الله المصباحي، بقوله “كان يعزز كل عروض فرقة البشير لعلح الفنان القدير بوشعيب البيضاوي، الذي كان يخلع شخصيته الحقيقية ويرتدي ثوب المرأة الشعبية ويبرع في تقليدها، فتحس أنك أمام امرأة مغربية حتى النخاع،  تتحدث بلغة الحياة اليومية عن واقعها اليومي . وهو أكثر من رائع في أداء أغاني العيطة البيضاوية المرساوية، على أنغام  كمان العازف المبدع العجيب “الماريشال قيبو”، لدرجة أن أشهر شيخات هذا الثرات الشعبي كن يأتين في الدرجة الثانية بعده”، أعماله لا تغيب عن ذاكرة جيلنا، خصوصا أنها كانت الأكثر جاذبية لجمهور المسرح، الذي كان يحبه ويطلبه. وحب الجمهور للفنان كان آنذاك مدرسته ورأس ماله الأكبر، لقد كان ملكا من ملوك العيطة والمسرح بلا نزاع، رفقة البشير لعلج، والحبيب القدميري، ولمفضل الحريزي ومعهم مجموعة من الفنانين، الذين استطاعوا بجهودهم الذاتية أن يتقنوا فن التمثيل وأن يصلوا فيه إلى درجة الأستاذية.

بعد مسيرة حافلة، من خلال أعمال ستظل في الذاكرة،  توفي الفنان الشعبي بوشعيب البيضاوي يوم 25 ماي 1965، بعد معاناة مع داء السرطان، تاركا مجموعة من السكيتشات والأغاني والعيوط، المسجلة، سواء بالإذاعة الوطنية، أو على أسطوانات 45 لفة، مثل “أوين أوين”، و”اللي بغى حبيبو”، و”عليك نسول”، “ونغدروا كيسان” وغيرها من الأغاني التي أغنت ريبيرتوار فن العيطة.

عن بيت الفن

شاهد أيضاً

زينب أسامة تستقطب 3 ملايين مشاهد بـ”كيفي كيف الناس”

بعد النجاح الذي حققته أغنية "دار العام"، حققت النجمة المغربية زينب أسامة، أزيد من 3 ملايين مشاهدة...