شكيب أكرم
هل استقالة أحمد الدافري، من لجنة انتقاء البرامج الخارجية بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية، كشفت فعلا عن بعض العوالم المحجوبة في سير عمل هاته اللجنة؟ هل هناك عوائق كانت تعترض عمل الرجل؟ وهل كان مبتهجا في عمله على مدار سنتين إلى حين إعلان استقالته؟ هل يتعلق الأمر بشبهة فساد تطال عمل اللجنة بينما يد الدافري نظيفة؟ ألا يتعلق الأمر بصراع مصالح ومحاولة كل طرف ترضية شركات انتاج مقربة منه؟ وهل هناك من علاقة بين تزامن الاستقالة مع الخرجة الإعلامية لزكرياء قسي لحلو، المنتج وكاتب السيناريو، الذي وصف أعضاء اللجنة “بالخوروطو” متهما إياهم بالزبونية والمحسوبية؟
هي مجرد أسئلة، تتطلب التحري والموضوعية، بل تتطلب تحقيقا داخليا من طرف الشركة الوطنية وخارجيا من طرف الهيئة العليا للسمعي البصري، حتى لا تظل التأويلات مجرد شطحات كلام، تنسل عنها توليدات وتوليفات لا تنتهي لما ارتبط بها من اتهامات، صاحبت خبر الاستقالة وما رافقها من تحليلات لا تستند إلى معطيات يزكيها مصدر معلوم، كالقول إن الاستقالة جاءت على ضوء ما شهدته اللجنة من “تبادل خطير للاتهامات بخصوص طلب عروض يتعلق بمسلسل تلفزيوني، وهو ما فجر الوضع وكشف أوجه الفساد المستشري، وأن أحمد الدافري انتفض ضد رئيسة اللجنة..” الخ.
حمولة هكذا كلام، جاءت غير مسنودة بمصدر كما ذكر، وتحتمل الصواب كما تحتمل مجانبته، وهو ما يطرح علامات استفهام حول المصدر، فهل أوحي بهذا الكلام من لدن جهة ما، أم أن صاحب الاستقالة هو من سرب ما وقع داخل اللجنة إن كان حقيقة أو ادعاء، الدافري لم ينف ولم يكذب ما نسب إليه، حتى وإن انبثق في غفلة عنه احتمالا. وهذا لا يفيد بالمرة مصداقية الخبر الإعلامي، ولا يساهم في ترسيخ قواعده، ومن ضمنها قاعدة ذهبية تقول، التأكد من الخبر يستدعي على الأقل الاستناد إلى ثلاث مصادر، وبالتالي فخبر الاستقالة وحده هو المؤكد، أما سياقها فصاحبها وحده يعلم الأسباب والمسببات، وإن كانت خلفيتها كذلك حسب ما روجت له بعض المنابر الإعلامية، فلماذا الاستقالة الآن وليس من قبل، فهل مسألة الشفافية هي وليدة اليوم؟
من جهة أخرى، وللأسف الشديد فالشركة الوطنية بكثرة مديرياتها ومصالحها لا تتجاوب مع المرتفقين والأحرى الإعلاميين، فما بالك بالسيد المدير العام الذي لا يجيب عن الهاتف مطلقا ولو تعلق الأمر بصورة وسمعة مؤسسة هي في الأصل مهترئة وتزيدها نوعية هذه أخبار اهتراء، وبالتالي فالسيد فيصل العرائشي لا يعنيه التواصل مهما كان حجم الأخبار التي يتداولها الإعلام حول الشركة الوطنية، وهذا ثابت نشهد عليه من خلال تجربتنا، وفوق ذلك، فالعديد من المصادر من داخل الشركة ومن خارجها صرحت لنا أن الرجل لا يفتح المراسلات الواردة إليه إلا بعد 20 يوما أو أكثر، ولا يتفاعل مع الكثير منها. فما بالك بالإجابة عن اتهامات موجهة إليه شخصيا، ولو أن بعضها حتى وإن كان صحيحا فهو لا يخلو من مزايدة، كالقول أن الشركة الفلانية تابعة له، فبإمكان المرء ولوج المحاكم المختصة للحصول على سجلها التجاري وقانونها الأساسي للوقوف على ملكية أصحابها الحقيقيين.
إن شرف مهنة الصحافة مهما كانت عوائقها، تستدعي من المهنيين التوجه إلى مربط الفرس، بعيدا عن علاقات المحاباة والمصلحة، فالأوساط الإعلامية تعرف جيدا الكثير من العينات التي تسلقت في إطار استغلال موقعها، وشكلت بوقا لهذا المنتج أو غيره، لهذا المسؤول أو ذاك، صغر حجمه أو كبر، وهذا لا يعني تحريم نسج العلاقات، لكن مع وضع مسافة، ويشهد التاريخ لثلة من الزملاء ممن شكلوا جمعية للنقد التلفزي، تحت عباءة منتج معين كان يغدق عليهم ليسبحوا بحمده أو يدافعوا عن مشاريعه بالقلم وما يسطرون، وزكوا الرداءة إلى آخر نفس، وأصبحوا بقدرة قادر كتابا ونقادا لا يقعد لهم، غير أن مساهماتهم الإبداعية في مجال التلفزيون لم تخرج عن السائد أو ما كانوا ينتقدونه بالأمس، فأنعم على بعض منهم ببركة من بركات كعكة الإنتاج، بل أيضا الاستفادة من عضوية لجان انتقاء البرامج مقابل أجر محترم، نقول هذا الكلام لأن مهنة الصحافة هي الأجرأ على انتقاد ذاتها.
عطفا على السياق السابق، إن استقالة فلان أو علان من لجنة انتقاء برامج التلفزيون، لن تزكيه ولن تبرأه من تحمل المسؤولية فيما انتقي منها خلال ممارسته المهنية، برامج جلها لا يختلف حول رداءتها عنزان، باستثناءات قليلة جدا، قد نقبل بها في زمن ما، ونقول من الجيد أن نراكم في أفق تحقيق انتقال نوعي، من الدراما إلى البرامج، لكن أن يظل التلفزيون المغربي يراوح مكانه، فهذا غير مقبول، رغم الجهد الذي بدل في الانتقال من البث الأرضي إلى البث عبر الأنترنيت، مع تعدد القنوات، لكن أن يولد جل هذه القنوات ميتا فهذا بدوره غير مقبول، وتلك مهمة رئيس الشركة الوطنية وطاقمه المكون من العشرات من المدراء، إذا كان الخلل في استراتيجية تدبير البرامج وصناعة الفرجة في التلفزيون، فليستعن بالخبراء، وليس “الخبراء” بالمفهوم الدارج، وإذا كان الخلل مرتبطا بكتابة الدراما، فلا باس من فتح ورشات للتكوين، لا باس من الانفتاح على الكتاب والأدباء وفتح ورشات للاقتباس، وفتح مباريات للأفكار الجديدة أمام المبدعين، والسهر على احترام المعايير المهنية والإبداعية للحقوق التي يحوز عليها التلفزيون وتفوت لصالح شركات معينة، والانفتاح أيضا على مخرجين وكتاب سيناريو من العالم العربي وشمال إفريقيا، هذا هو دور المسؤول عن البث.
فقناة مثل (إم بي سي 5)، ربما تعثرت مع بداية انطلاقتها، لكن الأكيد أنها ستتجاوز عثرة البداية، لكونها تمتلك تجربة في تطوير أداء قنواتها يوما عن يوم وسنة عن سنة اعتمادا على النقد الداخلي قبل الخارجي، ولا تركن للموجود، ولنا في تجربة إم ب س مصر أو العراق خير دليل، وقدرة هاته القنوات على الاستثمار في المحتوى المحلي وتطور نسب المشاهدة المسجل لديها مقارنة بالقنوات المحلية، فيما ظلت قناة عين السبع ومعها الأولى تجتهد في الترويج للمحتوى الإقليمي أو الدولي الجاهز، من مكسيكو إلى أنقرة مرورا بالبرازيل، بدبلجة مبتذلة ورديئة، ما هي النتيجة في آخر المطاف نسبة مشاهدة تصل لدى بعضها إلى 7 بالمائة و2 بالمائة، وهو ما يستدعي إقالة المسؤولين على تدبير هاته القنوات، لكن ما الحكمة في الاحتفاظ بهم، ذلك علمه عند الله.