عبدالكريم الوزاني

مركز تطوان للفن الحديث بتطوان يحتفي بتجربة عبدالكريم الوزاني

المعرض يتضمن منحوتات ولوحات تمثل مراحل من تجربة الوزاني التشكيلية الطويلة

بيت الفن

يحتضن مركز تطوان للفن الحديث منذ يوم الجمعة المنصرم معرضا للفنان التشكيلي المغربي عبدالكريم الوزاني يحمل عنوان “ذوات”.

ويأتي المعرض، الذي ينظمه المعهد الوطني للفنون الجميلة بتطوان حتى 21 يوليوز المقبل، في صدارة سلسلة من المعارض السنوية التي سينظمها المعهد في فضاءات وأروقة مركز تطوان للفن الحديث.

وأكد مدير المعهد المهدي الزواق أن معرض عبدالكريم الوزاني إنما “يندرج ضمن تقليد فني يسعى المعهد الوطني للفنون الجميلة إلى وضع تصوّره ومساره، عبر جعل مؤسسة مركز تطوان للفن الحديث فضاء لتداول المنجز التشكيلي المعاصر، والتعريف بأساليبه وتياراته ومهاراته المختلفة، وذلك عبر احتضان معارض سنوية لفنانين رواد من المغرب وخارجه”.

وتستضيف فضاءات مركز تطوان للفن الحديث العشرات من منحوتات ولوحات عبدالكريم الوزاني، وهي تمثل مراحل شتى من تجربته التشكيلية الزاخرة والمبتكرة، وتشكل ذخيرة فنية كبيرة، أبدعها هذا الفنان التشكيلي المغربي على مدى نصف قرن من الإبداع.

وعبدالكريم الوزاني من أعلام مدرسة تطوان التشكيلية، وأحد أبرز علاماتها، بعد جيل المؤسسين من أساتذته، وفي مقدمتهم المكي مغارة ومحمد السرغيني وسعد بن شفاج، لكن الوزاني سينحت لنفسه توجها فنيا مغايرا، وهو الذي ارتضى النحت اختيارا جماليا للتعبير والتشكيل، إلى جانب براعته وشخصيته المستقلة في عالم الصباغة أيضا.

ومن هنا، يقول المهدي الزواق “سيكون هذا المعرض التشكيلي بمثابة وثيقة بصرية كبرى للاطلاع على واحدة من أكثر التجارب التشكيلية مغايرة ومعاصرة في المغرب”.

عبد الكريم الوزاني ولد سنة 1954 بتطوان، حيث درس بمدرسة الفنون الجميلة، ثم انتقل إلى باريس لتعميق تجربته الفنية.

عن تجربة الوزاني التشكيلية، يقول الناقد الجمالي فريد الزاهي “بخفة روح طفولية يبني عبد الكريم الوزاني منحوتاته الملونة. تصغر حتى تكاد تغدو لعب أطفال ينصبها في الفضاء، وتكبر وتتعالى حتى تغدو أشبه بأرجوحة. هكذا يمنحنا هذا الفنان منذ أكثر من ثلاثة عقود كيانات فاتنة تترجم عالمه المرئي، وتزج بنا في مكونات محيطنا لتعيد خلقه لنا وأمامنا بمزيج من الدهشة والمرح والفتنة. منحوتات هذا الفنان ترفل بالكائنات، من ورود وأسماك وأشجار، تكاد تنبع من أيادي طفل لم يجد أمامه غير أسلاك الحديد والخرق والألوان كي يشكل بها تلك الكائنات”.

وأنت تلج دار الفنون بالدار البيضاء أو الرباط، يضيف الزاهي، تستقبلك منحوتات  سامقة بنحافتها الآسرة وألوانها الواضحة لتزرع في مقلتيك الفرح. بل وأنت تمر من وسط مدينة تطوان، وبعد أن تمر بنقطة المرور التي تتوسطها حمامة “أحمد بنيسف” الشهيرة، تستقبلك منحوتة ملونة لأحد نحاتيها البارزين الذين ظلوا أوفياء لها ووسموا المدينة بأعمالهم. هكذا لا يمكن أن تُذكر تطوان، المدينة ذات المسحة الأندلسية الظاهرة، إلا ومعها اسم عبد الكريم الوزاني، الذي سهر على إدارة مدرسة الفنون الجميلة لمدة سنين طويلة ومنحها الانفتاح والدينامية التي تعرفها اليوم.

يلتقط عبد الكريم الوزاني لحظاته النحتية من محيطه المباشر. هو الشاب الذي نما في حضن مدينة تطوان العريقة، وتضمخت حواسه بما أنتجه فنانوها المتخرجون من مدرسة الفنون الجميلة، العريقة. من فضائل هذه المدرسة أن أساتذتها وفنانيها يتقنون الرسم وينتمون جماليًا للتقاليد الإسبانية. ولئن كان الكثيرون منهم قد انساقوا إلى الواقعية الفنية بمجمل أنواعها، فإن البعض الآخر منهم قد اختار أن ارتياد مجاهيل التجريب، في المنزلة بين التشخيص والتجريد والتعبيرية والهندسية. بيد أن تجربة الوزاني انزاحت منذ البداية عن كل هذا باحثة عن تميز من نوع آخر، يستبطن في الذات تلك الفرحة الطفولية بالرسم، جاعلة من الممارسة النحتية والتشكيلية لعبة طفولية مشحونة بالانفعالات.

لا فرق ثمة لدى الوزاني بين الرسم والنحت والتشكيل. العمل الفني لديه جماع كل هذا في حركية تتضمخ بالبساطة وتشي بالتعقد. يبني الفنان منحوتته بالمعدن. إنها عبارة عن خطوط لهيكل سمكة أو دابة أو طير، يلفها بالقماش ويشدها بالمواد اللاصقة التي تمنحها حجمًا. ثم يصبغها بألوانه الصارخة البهيجة من أحمر وأخضر وأزرق. تمنح الألوان للمنحوتة حياة تنتزعها من خشونة البرونز وتلاوين الرخام والحجر وتجعل من رقصات ألوانها دعوة للفرح الطفولي. وفي هذا المزيج بين التشكيل والرسم والنحت ينفلت العمل الفني من “أقنومية” التصنيف. بل فيه أيضا يكرس الوزاني تميزه وفرادته  بحيث لا يمكن أن ترى لوحة أو منحوتة له من غير أن تعرف صاحبها للتو.

العملية الإبداعية لدى الوزاني، ضرب من اختزال الواقع برمته في حكاية وامضة.  أو لنقل بالأحرى إنها تحويل لقتامة الواقع وتركيباته المعقدة والمتشرنقة إلى خطوط ملونة تنضح بالبهجة والتأمل. وهو في هذه التلوينية البارقة والتشاكلات الطفولية اللهوية يذكرنا بأعمال الفنان الإسباني خوان ميرو الذي يضج عالمه بالأشكال المتراقصة. لكن الوزاني يعمد عامة إلى الاختصار بغية منح كل عمل طابعا حركيا مبسطا يمنح للمتلقي منذ البدء شحنة مكثفة من الدلالات الرمزية والإيحائية. ثمة في هذه البساطة في التركيب، الكثير من المناورة، لأنها تدعونا بكثافتها الآسرة إلى التأمل في العمل أكثر.

عن بيت الفن

شاهد أيضاً

“شذرات لونية” معرض دولي يجمع 38 فنانا بالجديدة

تتواصل إلى 10 فبراير 2021 بمدينة الجديدة النسخة الثانية من المعرض التشكيلي الدولي "شذرات لونية"...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Protected by Spam Master