حنان الإدريسي
هل يحق لي أن أقول أن ما قرأته في المجموعة القصصية “مرايا” للقاص سعيد رضواني ليس مجرد قصص؟ بل هي حياوات تنعكس وتتضاعف وتتكرر إلى أن تبلغ عنان السماء في ما يشبه الخلود؟ نعم يحق لي ذلك ما دمت قد لامست هذه الحياوات وعشتها بصور متعددة، متجانسة، مترابطة ومنعكسة في بعضها البعض.
“مرايا” هي مجموعة متاهات داخل أغوار النفس والروح والجسد، الإنسان والحيوان والأشياء والأماكن كلها صور لبعضها تنعكس باستمرارية قد تدفعك إلى الجنون، الأب الذي يرى طفولته في ولده والولد الذي يرى هرمه في أبيه، الأب الذي يرى ندمه في ولده والولد الذي يرى حلمه في أبيه، الغريب الذي يرى ذكرياته الأليمة في عيني كلبه، الكلب الذي ينعكس في عيني صاحبه، المرآة التي تعكس مرآة أخرى تعكس عيني إنسان تنعكس حياته في عيني إنسان آخر …. رحلة تبدأ بنظرة فتستحيل إلى حياة أبدية يجعلك القاص سعيد رضواني تعيشها بشكل متكرر يستمر صداه مترددا في عقلك الباطن حتى بعد أن تغلق الكتاب، رحلة تغوص فيها داخل نفسك بشكل لولبي كالمثقاب الحلزوني.
“مرايا” هي ذلك الصراع الأزلي بينك وبين نفسك، بينك وبين ماضيك ومستقبلك، بينك وبين شخوص تتكرر صورتك في أعينهم و صورهم في عينيك، بينك وبين الحياة ثم بينك وبين الموت…
“مرايا” مدرسة لعلم النفس و كل قصة فيها هي جلسة من الجلسات التي يستمع فيها الطبيب النفسي المعالِج لزبونه العالَج، فقط الفرق هنا أن القارئ هو الطبيب والزبون معا يتكرران في بعضهما بشكل لا ينتهي.
“مرايا” هي مجموعة قصصية أهداها لي القاص سعيد رضواني فبدأت أقرأ أول قصة ثم توقفت، عرفت أنها قصص فريدة من نوعها لا تقرأ في أي وقت أو أي مكان، فصرت أخصص لها حيزا من وقتي أختلي فيه بنفسي في جو صامت كي أقرأها بحواسي كلها، أقرأ القصة منها مرة ثم مرتين ثم ثلاث كي أمر للقصة الموالية…
“مرايا” جعلتني أتعرف على سعيد رضواني الآخر، سعيد رضواني القاص المميز، ربما ذلك الذي لا ينعكس على صفحته في الفايسبوك (الذي كان أول فضاء يرجع له الفضل في تعرفي عليه بعد مشيئة الله).. وربما هو ذلك الذي ينعكس في صفحته فعلا، لكن بصور شتى تتجانس وتختلف وتتمازج كسلسلة مرايا تعكس بعضها البعض.
أترقب بشوق قارئة متذوقة صدور المجموعة القصصية الثانية للقاص المميز سعيد رضواني وأتمنى له كامل التوفيق والاستمرارية وأشكره مرة أخرى على ما أهدانيه من “مرايا” جميلة عكست حبي للقصة القصيرة وللكتابة بشكل عام.