“البحث عن شيخ الطريقة” نص مسرحي يصور الصراعات حول القيم الإنسانية المشتركة
بيت الفن
يطرح كتاب “البحث عن شيخ الطريقة”، للكاتب المسرحي، المسكيني الصغير، الصادر عن مركز المسرح الثالث للبحوث الدرامية، وصمم غلافه الفنان التشكيلي عبد القادر الاعرج، قضية التراث خصوصا في شقة الصوفي.
استعان المسكيني الصغير بعدد من الطرائف الفنية الإبداعية، وهي في المجمل ثلاثة نصوص مسرحية افتتح بها منتوجه الفكري، حملت عناوين فرعية، وهي “البحث عن شيخ الطريقة”، و”خروج ابن عربي”، و”رجل اسمه الحلاج”.
وكتب بوشعيب بن ادريس فقار تقديما للكتاب، اختار له عنوانا موحيا، وهو “باب في مصادرة الأحلام”، ففي نظر فقار أن أي إبداع إن حظي من جميع القراء والمهتمين بنفس التفسير ونفس الإدراك لرموزه ونفس التقييم لدلالاته، يبقى إبداعا ينقصه شيء ما، لذلك يوضح فقار أنه لا يتفق في استنتاجاته لقراءة النص مع غيره، بخصوص ما ترمز إليه الأدوات الفنية، التي استخدمها الكاتب المسرحي، مبرزا أنه قد لا يتفق معه صاحب النصوص المسرحية السالفة الذكر، في بعض الإشارات التي ينظر لها فقار من زوايا تهمه، ومن معطيات عاشها ويعيشها. ومن ثمة يقول فقار إنه وبكل صدق، يستسمح من يرى في فهمه تعسفا للنص وليا لأعناق المفردات التي تقوم بتركيبه.
على مستوى الكتابة المسرحية يضيف فقار أن الأستاذ المسكيني الصغير حرص في أعماله المسرحية منذ التسعينيات من القرن الماضي على أن يستعير من التراث وخاصة التصوف، أرضية وساحة لبعث رسائله الفكرية المتعددة التي آمن بها وهو كاتب يافع، ويستمر إلى الآن ناسكا في محرابها وهو في قمة نضجه متحملا في ذلك “حربا” متعددة الجبهات ومختلفة الواجهات، ولعله وجد في أرضية تراثنا العربي والإسلامي أشكالا كثيرة وأنواعا متميزة من الشخوص والأحداث مما يمكن تسخيره لتأدية هذه المهمة الصعبة.
وأبرز فقار في تقديمه للكتاب أن” البحث عن شيخ الطريقة”، الذي نتهجى حروف كلماته اليوم، نص يمتح من معين الظروف التي تعيشها البلدان اليوم، ذلك أن الجو العام يشي بأن الإنسان، خاصة في المناطق التي ننتمي إليها، ينقصه شيء أساسي، وضروري لتكتمل إنسانيته: إنها الكرامة التي تقر كل الأديان والمذاهب السماوية والأرضية بأنها مناط وجوده ومركز كينونته. هذه الكرامة التي لا يمكن أن يجدها في المال، والثراء ولا في السلطة او في الجاه، فكل ذلك يمكن أن يكون وسائل تحقق بعضا مما يحافظ عليها، كما يمكن أن تتسبب في طمسها وإهدارها.
ويرى فقار أنه على الركح يشعر أن المواطن الواعي يدرك هذا النقص في مجتمعه ويدرك مع غيره أن هناك حواجز كثيرة ومتعددة تحول دون استمتاعه بإنسانيته كاملة دون نقص، فيبحث عن منفذ/ نافذة أو بابا ينفس به عن ضيقه وتبرمه، ويرغم نفسه- ومن مثله- على أن يحلم بصورة الكرامة التي يستحقها ويحاول أن يجعل من مخيلته فضاء يتسع لتلك الأحلام، ويمسك به الشوق لأن يلتقي بالشيخ/ المرشد/ المؤطر لتفسير هذه الأحلام. لكن ذلك يصطدم بمواجهة الواقع الأليم حيث أرى الحاكم والقاضي ومعاونيهما على خشبة المسرح وهم يقطعون الطريق بمحاكماتهم تفسير هذه الأحلام، وبالتالي يبددون الأمل في أن تتحقق ما داموا يتموقعون في مراكزهم. إنها مصادرة التفكير في الواقع الذي يجب أن يكون، قبل أن يقع، وذلك منتهى الغبن والمذلة التي تعيشها بعض المجتمعات اليوم.
في الأخير يقر بوشعيب فقار، الذي تناول هذا النص بالقراءة الرزينة والنقد العميق، أن خيوط أحداث هذا المنجز المسرحي من خلال شخوصه الاثني عشر، لها جزئيات ذات أهمية كبرى، تصور بكيفية بديعة ورائعة الصراع الذي يدور بين من يسعى إلى القيم الإنسانية المشتركة، وبين من يواجه هذا المسعى، بين من يريد تحقيق واقع إنساني يتم فيه الاعتراف بالحق، وبين من يحارب حتى التفكير في ذلك.
ارتبط اسم المسكيني الصغير بالكثير من أجناس الكتابة، فهو قاص وشاعر ومسرحي وزجال، إذ اجتمعت كل زوايا الأدب في قلمه. وتعززت المكتبة الوطنية أخيرا بالعديد من إصداراته الإبداعية، نكفي أن نذكر منها “البحث عن شهرزاد” نص مسرحي، وعن هذا العمل قال الدكتور حسن المنيعي “أيا كانت أبعاد القراءة، فإنها ستؤكد لا محالة مدى اندراج هذه المسرحية في مسار كتابة واعية يستطيع المخرج المسرحي الماهر أن يضيف إليها تصورات فنية ونصوصا فرعية صغيرة، تعمل على بلورة المضمون الرئيس”. ونص آخر عنونه بـ “خروج ابن عربي”، وهو نص مسرحي أيضا، اشتمل على 15 شخصية، إلى جانب إصداره ديوانا شعريا “مات خطأ” كتب فقار في تقديمه “إن الخيط الرابط بين مقاطع هذه المعزوفة الشعرية الجميلة هو الوطن في حبه والهيام به في رصد واقعه، وحاله في المعاناة والانفعال مع هذا الواقع الأليم، فالوطن لدى الاستاذ المسكيني الصغير ليس حدودا جغرافية بالضرورة، وليس اسم علم مقصود لذاته فقط، ولكنه قد يكون كذلك فكرة تمتد من المحيط إلى الخليج وقد تكون إنسانا امرأة، أما أو أختا، طفلا أو شيخا عجوزا، كهلا أو شابا شرطه الوحيد أن ينبض قلبه نبضا عربيا وبدم عربي والوطن بالنسبة للشاعر المبدع المسكيني الصغير أيضا عالم من السلام، يجد فيه ذاته ويرى فيه نفسه، ويعانق فيه بساطته العميقة كما يقول في ديوانه”.