رشحته الصحافة الجزائرية للجائزة الكبرى وقالت إنه خلط حسابات المشاركين برفعه سقف التحدي عاليا على مستوى جرأة الموضوع والتقنية والإبهار البصري..
بيت الفن
أشادت الصحافة الجزائرية بفيلم “دوار البوم” للمخرج المغربي عز العرب العلوي لمحارزي، خلال عرضه في المسابقة الرسمية لمهرجان وهران الدولي للفيلم العربي، الذي تختتم فعالياته يوم غد الثلاثاء بالجزائر.
وأوردت جريدة “الشروق” مقالا من، توقيع آسيا شلابي، رئيسة القسم الثقافي والفني بالجريدة “خلط المخرج المغربي عز العرب العلوي حسابات المخرجين المشاركين في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، برفعه سقف التحدي عاليا على مستوى جرأة الموضوع والتقنية والإبهار البصري..”.. العرض العالمي لفيلم (دوار البوم) كان نافذة جمهور مهرجان وهران على رائعة سينمائية إنسانية فتحت جروح مرحلة “سنوات الرصاص” بالمغرب ثم ضمدتها برؤية عميقة ومتوازنة تحلم بالربيع.
انطلق المخرج المغربي عز العرب العلوي من طفولته، مما اختزنته ذاكرته من صور وأحداث وروايات عن معتقل سري كبير يقع على أطراف قرية صغيرة، سكانها بسطاء لا يعلمون تفاصيل ما يدور داخل أسوار القلعة الكبيرة عدا معلومة أن كل المعتقلين أجانب وأعداء الوطن ويجب عزلهم عن المجتمع لقطع أي تواصل.
كاميرا العلوي لم تهمل جمال الطبيعة في المكان المنزوي عن المدينة ولم تهمل تفاصيل يوميات السكان الذين يحيط بقريتهم حاجز مرور محروس في إشارة إلى أن كل القرية كانت سجنا وليس فقط المعتقلين، بل ذهب أبعد من ذلك حيث صور حراس المعتقل، أيضا، في صورة المسجونين. وهي الفكرة التي جعلت من الأحداث تتطور دون تركيز على التصادم بقدر ما ركزت على مصالحة مبررة بين السجين والسجان وهو ما أسقط التهمة بالكامل عن الحراس، الذين أظهرهم في صورة شخصيات سلبية وغير سوية وجاهلة مما سهل التحكم فيهم.
كما أبرز المخرج من خلال شخصية الإمام الضعيفة تواطؤ الدين واستعماله لتنويم السكان وتشجيعهم على تقبل الأمر الواقع، في حين انتصر للمرأة وركز كثيرا على حضورها في أحداث الفيلم من خلال “السعدية” صاحبة الملهى ووالدة “وفاء” المستقيلة من علاقتها الزوجية ووفاء البنت المتعلمة الواعية، التي رفضت الارتباط بالحارس “حمادي” ليس لأنه ابن غير شرعي للسعدية، ولكن لأنها فضلت سعيد ابن الإمام “الفقيه” الذي على عكس شقيقه انغمس في حياة اللهو والخمر.
تتأزم الأحداث بعد وفاة أحد المسجونين خلال دخوله في إضراب عن الطعام، ولأن “حمادي” كان يعلم أن السجين هو ابن الإمام المفقود منذ فترة وهو ما أشار إليه المخرج من خلال مشهد وضع حمادي كمية من التمر كان الإمام قد أعطاه إياها. ظل يعذب نفسه في غرفة منزوية في البيت حتى يخرج مكبوتاته بالصراخ.
توفي السجين وقصد الإمام المعتقل حاملا التابوت، الذي وظف في أكثر من صورة. مشهد قوي جدا صور صدمة الأب في اكتشاف أن من جاء ليحمل جثته هو ابنه المفقود وصدمة أيقظت ضمير صديقه الحارس الذي لطالما رفض مساعدة الأمهات وأحرق صور أبنائهن المفقودين لأنه لم يتوقع أن يكون بين جدران المعتقل أبناء من الوطن نفسه.
رسالة من المخرج الذي أراد أن ينتقم من تواطؤ إمام المسجد واستغلال الدين في دعم الظلم والسماح بتحويل القلعة إلى معتقل سري.
تسارعت الأحداث عندما وجد الإمام رسالة من ابنه.. رسالة مؤثرة من المخرج إلى المجتمع بكل أطيافه عن الموت من أجل الحرية والموقف. ورغم محاولات مدير السجن تشويه سمعة الابن المتوفى في نظر والده وشقيقه وسكان القرية إلا أن الجميع كان قد اطلع على الرسالة وفهم أن السجين المتوفى دفع ثمن نضاله من أجل الحريات. تم التنسيق مع صديقه من خارج القرية وتم فضح المعتقل والحصول على قائمة مساجين الرأي المفقودين منذ سنوات ولا تدري عائلاتهم عنهم شيئا.
الفيلم كان تحفة بصرية وطبقا سينمائيا دسما اشتغل على موضوع سياسي حساس جدا هو “سنوات الرصاص” في المغرب ويعتبر أول فيلم نقل بشاعة المعتقلات السرية دون أن يصور معتقلا واحدا، بل رمز إليهم بأبواب فقط وهو خيار ذكي من المخرج الذي لم يكن هدفه النبش في الماضي لتعميق الجرح وإنما للاستفادة من الدرس ولذلك جعل من القرية كلها معتقلا كبيرا الكل فيها سجين.. سجين ماضيه وسجين شهواته وسجين خياراته وسجين خوفه وسجين أطماعه وسجين لقمة عيشه وسجين جهله وسجين أنانيته… الفيلم الذي قدم عرضه العالمي سهرة أول أمس السبت بقاعة المغرب بوهران يعتبر المرشح الأقوى إلى حد الآن للظفر بجائزة “الوهر الذهبي” في انتظار قرار لجنة التحكيم التي يرأسها المخرج مرزاق علواش.