بيت الفن
يرى جون أور في كتابه “السينما والحداثة” أن الحداثيين الجدد هم كل المبتكرين ومحطمي التقاليد الراسخة الذين حققوا مكانة خاصة في القرن الماضي عن طريق دمج السرور بالتدمير، والقلق بالسحر في ميزان متعادل، وحيث نجح هؤلاء، وفقا لمؤلف الكتاب، في إنتاج سينما تجمع بين الفنون الغنائية والغموض والإثارة والتحدي والدهشة، فالحداثة الجديدة نشأت في الأصل ارتباطا ببدايات السينما القومية لأوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية.
ورغم أن المؤلف يؤكد وجود أربع سينماءات قومية، ويقصد بها السينما الروسية والسينما الإيطالية والسينما الألمانية، بالإضافة إلى السينما الأمريكية، فإنه يذهب إلى اعتبار أن السينما الأمريكية صارت تمتلك الحركة الدائمة التي لا تتوقف عن الابتكار والإبداع في قوالب حداثية مستمرة.
كما أن السينما الأمريكية الحداثية ازدهرت أسرع في البيئة الثقافية والفنية الخاصة بما يمكن تسميته ببوتقة صهر البشر على أراضي الولايات المتحدة الأمريكية، ووفقا للأفكار الأمريكية.
وانطلاقا من هذا فإن الكتاب الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، يصف قلعة صناعة السينما في أمريكا، وهي هوليوود، بأنها الطاقة المركزية التي يمكن وصفها بأنها قاطرة السينما الحداثية حول العالم، بينما ظلت صناعة السينما في بلدان مثل إيطاليا وألمانيا وروسيا، سينما ثورية وتقدمية حاولت أن تكسر التقاليد المتبعة في السينما التقليدية غير الحداثية، ولكن لا يمكن أن نطلق عليها وصف السينما الحداثية مثل السينما الأميركية.
وفي محاولة من جانب المؤلف لتقريب معنى السينما الحداثية للأذهان، فإنه يشير إلى أن السينما الحداثية تصوغ القصص الخيالية من التجارب اليومية للحياة، حيث يعبر مخرج الفيلم الحداثي عن رؤيته السينمائية من خلال كل ما يمكن أن تلتقطه كاميرات السينما من تفاصيل للحياة اليومية، بالإضافة إلى ما يضيفه الخيال من إضافات للواقع تجعل من هذا الواقع قابلا للظهور على شاشات السينما، بشكل يجعل المشاهدين يشعرون بالمتعة التي يبحثون عنها، وفي الوقت نفسه تحقيق ما يمكن وصفه بالرسالة الحداثية من وراء إنتاج الفيلم وعرضه على جمهور المشاهدين.
ويؤكد المؤلف على أن السينما الحداثية تتسم بشكل من أشكال الشفافية الارتدادية، وهي ثقافة جديدة اتسمت بها السينما الحداثية لم تكن معروفة بالنسبة إلى السينما التقليدية أو حتى السينما التي حاولت كسر قواعد السينما التقليدية.
وفي هذا الإطار فإن المؤلف يشير إلى صفة مميزة لما يمكن وصفه بالسينما الحداثية، وهي أن هذه السينما تبرع في توظيف علاقات الزمان والمكان أو ما يوصف في أدبيات النقد الأدبي بـ”الزمكان”، حيث لا يجد المخرج الحداثي أدنى حرج في أن يكسر قواعد السرد الزماني أو التواجد المكاني وهو يتنقل بأبطاله بين كادرات المشاهد، كما تتسم بقدرتها على كسر المسافة التقليدية بين الإدراك والتعبير، وخلق أشكال جديدة من الاستجابة بين الجمهور وبين ما يشاهده على الشاشة الفضية.
ورغم أن الحداثيين كسروا كل التقاليد القديمة في صناعة السينما ووضعوا آفاقا جديدة للإبداع السينمائي، إلا أن المؤلف يشير في نفس الوقت إلى أن الحداثيين ورثوا عن البدايات الأولى لفترة ظهور الحداثة أربعة موروثات تشمل الحس التراجيدي والعمارة الحديثة للمدنية الأوروبية، بالإضافة إلى موت التراجيديا في الدراما الحديثة ومبدأ التحول للداخل في القص الروائي.
لكن في مقابل موت التراجيديا التقليدية، فقد ظهرت أشكال للسينما التي تقوم على الميلودراما، وهى سينما تعتمد بشكل كبير على المبالغة الأسلوبية التي تفرط بشكل ملحوظ في التعبير عن مشاعر الأشخاص الذين يظهرون في الفيلم السينمائي الحداثي.
لكن مع ذلك فإن الكتاب يشير إلى أن سينما الإغواء الأنثوي قد تراجعت في مكانتها بعد مرور فترة من التجارب الحداثية السينمائية، فقد ظهرت تجارب أطلق عليها اسم غريب نوعا ما، وهو “البارانويا السياسية”، وهي شكل من أشكال السينما الحداثية التي تقدم أبطالها في صورة مناضلين سياسيين أو ناشطين يحاولون كشف الفساد.