بيت الفن
فتحت قناة “الميادين” اللبنانية، خلال حصة أسبوعية تحمل عنوان “مترو”، ملف واقع الصحافة الورقية في بعض البلدان العربية، ومنها لبنان، مصر وتونس، حيث أخذت عينات من الصحف التي تصدر بهذه البلدان، وتحدثت إلى بعض مسؤوليها لمعرفة مدى الأخطار التي تهددها بالزوال من المشهد الإعلامي العربي، خاصة أمام المصاعب الاقتصادية التي تعانيها تلك البلدان ذات الاقتصاديات الهشة.
ولم يعد خافيا على أحد ذلك التراجع الذي تعرفه الصحف الورقية من حيث أرقام سحبها ومبيعاتها، وهو الأمر الذي جعل الكثير من المهنيين في هذا القطاع يسارعون إلى دق ناقوس الخطر من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، والمحافظة على مناصب الشغل التي تضمنها هذه الصحف.
وفي هذا الخصوص، لم يستبعد عماد الدين حسين، رئيس تحرير جريدة “الشروق” المصرية، أن تختفي الكثير من العناوين الصحفية في مصر، وذكر بأن أرقام توزيع الصحف المصرية تراجعت لتستقر عند حدود 400 ألف نسخة، بعدما كانت تجاوزت في سبعينيات القرن الماضي عتبة 4 ملايين نسخة.
أما عن تشخيص الحالة المصرية بالنسبة لهذا الموضوع، قدم رئيس تحرير “الشروق”، جملة من العوامل التي تقف، حسب رأيه خلف تدهور الصحافة المصرية، أهمها المنافسة الشديدة التي صارت تفرضها الصحف الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي التي تلتقط الخبر صوتا وصورة لحظة وقوعه، وهذا ما يدفع حتما بالصحف الورقية التي عادة ما تنقل الخبر متأخرة بساعات، إلى مراجعة سياستها في هذا الجانب، كأن تعتمد مثلا على التحليل والبحث في خلفيات وأسباب الأحداث والوقائع، وعلى ما يبدو، فإن الكثير من الصحف المصرية بدأت فعليا في عملية التكيف مع هذه المتغيرات الجديدة، حيث سارعت إلى تقليص نفقاتها والاعتماد على أكثر عوامل التسيير نجاعة.
ومن المفارقات المثيرة، أنه في ظل الحديث عن إفلاس وغلق بعض الصحف العربية، يقوم ناشرون آخرون بإصدار صحف جديدة، وهي الحال التي تنطبق على جريدة “الاتحاد اللبناني” التي صدرت قبل أشهر، وهنا لا يتردد رئيس تحرير هذه الصحيفة مصطفى ناصر في التعبير عن كون جريدته تحاول أن تنافس نفسها من خلال العمل على ترقية المحتوى باستمرار، ويعود تاريخ تأسيس هذه الجريدة إلى نحو قرن مضى، حيث أسسها في ذلك الوقت زيدان زيدان، قبل أن تتوقف عن الصدور، ثم تعود مجددا بحلة جديدة لتضاف إلى قائمة الصحف اللبنانية، وينطبق على حالة جريدة “الاتحاد اللبناني” مثل العنقاء، ذلك الطائر الأسطوري الذي يحكى أنه ينبعث من رماده، حيث تشتغل هذه الجريدة بجزء من الصحافيين الذين كانوا يعملون في صحيفة “السفير” اللبنانية التي أغلقت أبوابها قبل أشهر، وعلى ما يبدو فإن القائمين على هذه الجريدة غير متخوفين من هذه المغامرة، التي اعتبروها مغامرة حقيقة لكنها ليست (مقامرة) لأنها مشروع مدروس على كافة الأصعدة، كما اعتبر بعض صحافيي هذا الصرح الإعلامي الجديد أن الخوف على الصحف الورقية مبالغ فيه، لأن المحتوى هو من يحكم في النهاية على السلعة الجيد من غيرها.
ومع أن الأوضاع الاقتصادية السيئة في تونس دفعت بالكثير من العناوين الإعلامية التي صدرت عقب الثورة التونسية عام 2010 إلى الإغلاق، إلا أن بعض المؤسسات مثل جريدة “الشروق” بمختلف مكوناتها تبنت استراتيجية مضبوطة للتكيف مع الأوضاع الاقتصادية في تونس من أجل المحافظة على توازنها المالي، حيث اضطرت إلى اقتصار إصدار نسختها الورقية على مشتركيها فقط مقابل الاستثمار في نسختها الإلكترونية.
وعلى العموم، يبدو أن النماذج التي طافت بها قناة “الميادين” تختلف عما تعيشه الصحف الورقية في الجزائر، لأن المقدمات نفسها تؤدي إلى النتائج نفسها، مثلما يقال في العلوم الرياضية، حيث تشترك الصحف العربية في الظروف نفسها، سواء كانت اقتصادية، سياسية أو مهنية، وهذا ما جعلها تعيش في مواجهة الأفق المسدود في أغلب الأحيان.
ومع ذلك، يرى متابعون للشأن الإعلامي العربي، أن حالة الصحف الورقية ليست بهذه السوداوية ولا السوء، لأن الصحف عاشت الظروف نفسها عند اكتشاف الراديو والتلفزيون في بدايات القرن الماضي، وحينها تنبأ الكثير بموت الصحف، لكن هذا لم يحدث، وبقيت الصحف تصدر إلى اليوم، وحتى وإن اعتبر البعض أن تهديد الوسائل التكنولوجية الحديثة (الأنترنيت) أكثر خطورة، إلا أن بعض المتفائلين يرون أن الصحافة الورقية لن تموت بهذه البساطة، لأنها عصية على الفناء بكل ما اكتسبته من مناعة خلال تاريخها الطويل.