تكريم ثلاثة فنانين بارزين، كان لإسهاماتهم الإبداعية، التي امتدت على عدة عقود، أثر كبير في المشهد السينمائي…
بيت الفن
اختارت مؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، في دورتها الـ21، المنتظر أن تقام في الفترة من 29 نونبر إلى 7 دجنبر 2024، تكريم ثلاثة فنانين بارزين، كان لإسهاماتهم الإبداعية، التي امتدت على عدة عقود، أثر كبير في المشهد السينمائي، ويتعلق الأمر بالممثلة المغربية الراحلة نعيمة المشرقي، والممثل والمخرج الأمريكي المتوج بجائزة الأوسكار شون بين، والمخرج الكندي ديفيد كروننبرغ.
واعتبرت إدارة المهرجان، في بلاغ لها، أن نعيمة المشرقي، التي وافتها المنية بتاريخ 5 أكتوبر 2024، تعد أيقونة حقيقية في الحقل الفني الوطني، وواحدة من أبرز الشخصيات التي تحظى بتقدير كبير من الجمهور.
وأضاف البلاغ، أن الراحلة، أضفت قيد حياتها، بموهبتها الفذة وأناقتها الطبيعية وعطائها المثالي، إشعاعا خاصا على المشهد الثقافي المغربي، منذ سنوات الستينيات من القرن الماضي. وأتاح لها مسارها الفني المتميز، الذي انتقلت بفضله من المسرح إلى الشاشة الكبيرة مرورا بالتلفزيون، إمكانية تجسيد العديد من الأدوار، وملامسة قلوب أجيال متعاقبة من المغاربة.
وأكد البلاغ، أن المشرقي “سيدة عظيمة تمتاز بالتزاماتها المتعددة وشخصيتها المحببة لدى الجميع، وهي سفيرة الثقافة المغربية التي لم تذخر جهدا في القيام بواجبها، كما كانت أيضا صديقة وفية لمهرجان مراكش، وعضو مجلس إدارة مؤسسته. إذ ترك رحيلها، فراغا كبيرا في المشهد الثقافي الوطني”.
وأبدت هذه الشخصية الرمزية في السينما والمسرح والتلفزيون في المغرب اهتمامها بالفنون المسرحية منذ صغرها، فجعلت من هذا الشغف مهنتها، بتشجيع من أقاربها.
عملت نعيمة المشرقي، المزدادة بمدينة الدارالبيضاء، مع الطيب الصديقي في سنوات الستينيات والسبعينيات، وانضمت إلى فرق مسرحية شهيرة أمثال فرقة المعمورة، وفرقة الإذاعة الوطنية، ما مكنها من أن تحظى بالشهرة لدى الجمهور العريض. وعملت بعد ذلك في السينما مع مخرجين كبار أمثال سهيل بن بركة (عرس الدم، 1977)، مومن السميحي (44 أو أسطورة الليل، 1981) ومصطفى الدرقاوي (أيام شهرزاد الجميلة، 1982). وفي سنة 1989، أعلن حضورها في فيلم “باديس”، الذي شكل علامة بارزة في السينما المغربية، عن بداية عملها مع محمد عبد الرحمان التازي، الذي صورت معه لاحقا ثلاثة أفلام هي “البحث عن زوج امرأتي” (1992)، والجزء الثاني منه “للا حبي” (1996)، وهما الفيلمان اللذان حققا نجاحا جماهيريا كبيرا، إلى جانب فيلم “جارات أبي موسى” (2003)، الفيلم التاريخي الذي جسدت فيه المشرقي دور ملكة ستبقى خالدة في الذاكرة.
وفي سنة 1993، اكتشفت استوديوهات Cinecitta عندما قامت بتشخيص الدور الرئيسي في فيلم “المادة 2” للمخرج ماوريزيو زاكارو، وفي عام 2006، اختارها الممثل والمخرج الفرنسي المغربي رشدي زم لتجسد دور والدته في أول أفلامه “سوء النية”، الذي حقق نجاحا كبيرا في فرنسا. في 2020، جسدت نعيمة المشرقي دور البطولة في آخر أفلامها السينمائية “خريف التفاح” لمحمد مفتكر، الذي نالت عنه جائزة أفضل ممثلة في مهرجان مالمو للسينما العربية في السويد، وذلك بعد عشرين سنة على تتويجها بجائزة أفضل ممثلة في دور ثاني في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة.
إلى جانب أدوارها السينمائية، تألقت نعيمة المشرقي أيضا في التلفزيون المغربي، حيث شخصت أدوارا متنوعة في العديد من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية، مؤكدة بذلك شعبيتها الخارقة.
ولم يكن اختيار المهرجان، الاحتفاء بالممثل والمخرج والمؤلف شون بين، المتوج مرتين بجائزة الأوسكار، اعتباطيا، فالرجل يعد أحد الرموز الأمريكية بفضل مسار مهني امتد لما يزيد عن أربعة عقود، ترشح لنيل جائزة أوسكار أفضل ممثل خمس مرات عن أدواره في أفلام “الميت الذي يمشي” (تيم روبينز، 1995)، “لطيف ومنحط” (وودي آلن، 2000)، “أنا سام” (جيسي نيلسون، 2002)، قبل أن يحظى عن أدائه الرائع في فيلم كلينت إيستوود “نهر غامض” بأول أوسكار لأفضل ممثل سنة 2003، تلتها جائزة أوسكار ثانية نالها عن دوره في فيلم “هارفي ميلك” لجوس فان سانت سنة 2009. كما فاز بجائزة أفضل ممثل في مهرجان “كان” عام 1997 عن دوره في فيلم “إنها جميلة جدا” لنيك كاسافيتس.
وموازاة مع مساره الفني في التمثيل، شون بين هو أيضا مخرج سينمائي، حيث تشمل فيلموغرافيته مجموعة من الأعمال السينمائية الشهيرة مثل “إلى البرية”، ” يوم العلم”، “الوعد”، ” حارس المعبر ” وفيلمه الأول ” العداء الهندي”.
أما المخرج ديفيد كروننبرغ، فمكانته الفنية ترسخت كمؤلف حقيقي، من خلال عمله المتفرد والشخصي، الذي أنتجه كمخرج وسيناريست. منذ بداياته الأولى في سينما الأندرجرواند وأفلام الرعب، طور كروننبرغ أعمالا درامية ذات عمق ونطاق كبيرين، مما أكسبه شهرة دولية كواحد من أكثر المخرجين تأثيرا في العالم. حظيت أفلامه باستحسان كبير من لدن النقاد، وباعتراف على الصعيد الدولي. في سنة 1991، اختير فيلمه “الغذاء العاري” للمشاركة في مهرجان برلين، وفي سنة 1999، فاز “إكزیستنز” بجائزة الدب الفضي.
شاركت أفلامه “اصطدام”، “العنكبوت”، “تاريخ من العنف”، “المدينة العالمية”، “خرائط النجوم”، “جرائم المستقبل” و”الأكفان” في المسابقة الرسمية لمهرجان “كان”، حيث فاز “اصطدام” بجائزة لجنة التحكيم الخاصة. وفي سنة 2006، منح من قبل فقرة “أسبوعي المخرجين” بمهرجان “كان” جائزة “العربة الذهبية”، تقديرا لمساره السينمائي المتميز. وفي 2018، خصه مهرجان البندقية السينمائي الدولي بجائزة الأسد الذهبي عن مجمل أعماله، كما حظي سنة 2024، من مهرجان تورونتو السينمائي الدولي، بجائزة نورمان جويسون عن كامل مساره المهني. اعترافا بإسهاماته المتميزة في الفن والثقافة، حظي ديفيد كروننبرغ بوسام كندا من رتبة رفيق، ووسام جوقة الشرف الفرنسي.