محمد أبو الوقار

المخرج السينمائي والتشكيلي أبو الوقار يفارق الحياة بروسيا

 محمد أبو الوقار أحد المخرجين العرب القلائل الذين اهتموا بتقديم تاريخ  وأثر الفن من خلال العمل السينمائي

بيت الفن

مبدع “حادة”، الفنان التشكيلي والسينمائي محمد أبو الوقار، أبى إلا أن يزيد من حزن ومتاعب الوسط الفني بالمغرب، بعد رحيله المفاجئ بروسيا التي اختار العيش فيها منذ سنوات إلى جانب عائلته الروسية.

وازداد الراحل محمد أبو الوقار سنة 1946 بمراكش، وتابع دراسته العليا بالمعهد السينمائي بموسكو من 1966 إلى 1973، واهتم بالرسم بعد مسار حافل في مجال السينما.

أنجز أبو الوقار مجموعة أفلام قصيرة، واشتهر أكثر بفيلمه الروائي الطويل “حادة” (1984)، الذي نال عدة جوائز مختلفة، منها أربع جوائز بالمهرجان الوطني للفيلم، ضمنها الجائزة الكبرى وجائزة السيناريو الذي كتبه أستاذه في اللغة العربية في مرحلة الثانوي المسرحي محمد مشعل، وقد أثار الفيلم ضجة لدى عرضه، واعتمد فيه على قصة فتاة تعرضت للاعتداء، حيث تروى الحكاية على خلفية تشكيلية تقوم على علاقة اللون بالوعي واللاوعي.

يكاد يكون محمد أبو الوقار أحد المخرجين العرب القلائل الذين اهتموا بتقديم تاريخ  وأثر الفن من خلال العمل السينمائي. كما نظم معارض لأعماله التشكيلية، وصدر عنه قي سنة 2016 كتاب فني عن منشورات رواق “أتولييه 21″، بعنوان “محمد أبو الوقار: شغف الحلاج”، شارك في إنجازه كل من الناقد الفني عزيز الداكي والكاتب الروائي كبير عمي، إضافة إلى الصحافي والكاتب محمد جبريل صديقه من أيام الدراسة في موسكو السوفياتية.

وتنتمي أعمال أبو الوقار التشكيلية إلى عالم من الفانتازيا القاسية والمكتظة بالشخصيات والرموز المستعارة من الثقافة العربية التي يقوم بإعادة تشكيلها وفقا لمنظوره الخاص.

أخرج أبو الوقار أفلاما وثائقية حول الفن التشكيلي جمع بعضها بين المسرح والشعر والتشكيل، وسعى إلى توظيف تقنيات فن الفيديو والصورة الفوتوغرافية في مراحل متأخرة من تجربته، فأقام معارض فوتوغرافية إلى جانب معارض لأعماله التشكيلية.

درس الراحل  محمد  أبو الوقار الإخراج السينمائي في “المعهد العالي للسينما” في موسكو،  الذي تخرج منه سنة 1973، ثم التحق بالعمل في “المركز السينمائي المغربي”، لكن سرعان ما عاد إلى موسكو للعمل في “استوديوهات غوركي”، قبل أن ينسحب من السينما ويتفرغ للتصوير وفن الفيديو والرسم.

على صفحتها بـ”الفايسبوك” نشرت ابنته آسيا أبو الوقار كلمة باللغة الروسية، جاء فيها “وفاة الأب يوم الفاتح من شتنبر .. أجد صعوبة بالغة في إدراك وفهم ما حدث، فوالدي كان هو الكون بالنسبة لي.. قبل ستة أيام دخل في غيوبة، وقبيل ساعات قليلة من وفاته، بعد أن تغلب على عسر النطق المتطور وكسر الارتباك، تمكن والدي من أن ينطق بكلمة “أحبك”..

كان واضحا أن هناك الكثير من القوة في هذه الكلمة لرجل يحتضر، لدرجة أن الأمر أصبح واضحا جدا. هذا شعور معبر عنه وهناك شيء تقف عليه الحياة..وبالطبع هذه الكلمات موجهة إلى جميع أبنائه وإلى الأحفاد الذين أحبهم كثيرا.. لقد كان سموحا متسامحا.. ولم تكن لديهم ضغينة لأحد أبدا.. لم يحمل أبدا شرا لأحد في قلبه..وفي تلك اللحظة فقط كنت هناك…

قد تجد روحك يا أبي التحرر من القلق والمخاوف والآلام التي كانت في الحياة الأرضية..سنتذكر النور والفرح والطاقة واللطف والعمق الذي كنت تمنحنا إياه دائما…

أحبك يا أبي… نحن نحبك”.

من جانبه قال الناقد والمخرج السينمائي عبد الإله الجوهري، إن محمد أبو الوقار هو الفنان الذي نذر نفسه، منذ سنوات، للعزلة والابتعاد عن المجتمع الفني قدر المستطاع.

“حادة” عمله السينمائي الروائي الطويل الأوحد، يمكن اعتباره فيلما استثنائيا من حيث لغته، والفضاءات التي اشتغل عليها، وأيضا لتوظيفه رؤية تشكيلية ثورية، حقق من خلالها عملا مبهجا للعين ومكرسا سينما أخرى لم تكن التجارب المغربية قد غامرت من قبل في تحقيقها. لهذا استحق إعجاب النقاد والمثقفين وعشاق السينما، وفي نفس الآن “سخط” العميان، وقليلي الفهم، ومن لا محبة له للصورة الجميلة الحاذقة. فلا عجب أن فاز بالجائزة الكبرى، بإجماع لجنة التحكيم، في الدورة الثانية من دورات المهرجان الوطني للفيلم بالرباط سنة 1984.

أما الناقد عادل السمار فقال “حين التقيت الفنان السينمائي والتشكيلي محمد أبو الوقار في افتتاح المعرض الاستيعادي لأعماله التشكيلية الذي احتضنته فيلا الفنون بالرباط ما بين 10 يناير و 30 مارس 2020، خاطبته مازحا: يجب تنظيم عرض خاص لفيلمك “حادة” لكي تكتمل النظرة الاستعادية لمنجزك الفني. فبرقت عيناه والتفت نحو رفيقته قائلا: اسمعي ماذا يقول، إنهم يعرفون فيلمي، أنتم من تقولون ألا أحد مازال يذكرني في هذا البلد..

تحدثنا بعدها عن غياب نسخة صالحة للعرض من فيلمه، متمنيا أن يتم ترميم أو رقمنة نسخة فيلمه. لم تكن لي معرفة شخصية كبيرة بالرجل، ولكن شغفه وبريق عينيه وهو يتحدث عن فيلمه أو أعماله الفنية، هو من الشيء النادر الذي لا تراه إلا لدى الفنانين الحقيقيين.

عن بيت الفن

شاهد أيضاً

تتويج الناقد الفني عبد الله الشيخ بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي

تتويج عبد لله الشيخ بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي (المركز الأول) عن بحثه «العالم العربي …