ليلى الأمين الدمناتي

ليلى الدمناتي: فيلمي قصة إنسانية تحمل دروسا في المحبة والتسامح

أجرى الحوار: أحمد سيجلماسي

من الأفلام الوثائقية التي عرضها المركز السينمائي المغربي إلكترونيا، تخفيفا منه لوطأة الحجر الصحي وتعريفا منه ببعض مكونات الفيلموغرافيا الوطنية، فيلم المخرجة ليلى الأمين الدمناتي “الميلودي الصغير الكبير” (من إنتاجات 2017 – مدته 75 دقيقة)، المتوج سنة 2018 بالمهرجان الدولي للفيلم الإفريقي بكان والمهرجان الدولي للفيلم الوثاقي بخريبكة.

ويمكن اعتبار هذا الفيلم بمثابة تكريم بالصورة والصوت لمجموعة من أبطال سباق الدراجات، من بينهم الميلودي الصغير (أب مخرجة الفيلم) وتوثيق حي لهم حفظا من التلف لجزء من ذاكرتنا الرياضية.

نتتبع الرياضي الميلودي الأمين الدمناتي، الذي تجاوز عمره حاليا ثمانين سنة، في حياته اليومية بمكناس من خلال لقطات ومشاهد مختلفة مع استرجاع ذكريات تألقه في رياضة سباق الدراجات ومشاركته في طواف المغرب سنتي 1950 و1952، كما نتتبع تصريحات بعض زملائه المغاربة والفرنسيين وغيرهم، بعد زيارته بعد ستين سنة لمن بقي منهم على قيد الحياة بفرنسا وإسبانيا وأمريكا. هذا بالإضافة إلى أحاديث وشهادات بعض قدماء الصحافيين والرياضيين، كعبد اللطيف الشرايبي وبلعيد بوميد ومصطفى النجاري، عن سباق الدراجات بالمغرب أيام الاستعمار ومكانة الميلودي الصغير في هذا النوع من الرياضة، تتخللها قصاصات صحافية وصور فوتوغرافية وسينمائية من الأرشيفات الفرنسية والمغربية.

تجدر الإشارة إلى أن بعض اللقطات في فيلم ليلى الأمين الدمناتي وشريكها في مختلف مراحل إنجازه كريم عبد الحميد تحرك بقوة مشاعر المتلقي لأنها تعكس بصدق وتلقائية حنين بعض الفرنسيين وغيرهم، الذين ولدوا في المغرب أو قضوا فيه أكبر جزء من حياتهم ومارسوا فيه رياضتهم المفضلة (سباق الدراجات)، لكنهم اضطروا لمغادرة المملكة بعد استقلالها وهم الآن لا يزالون يعتبرون أنفسهم مغاربة رغم استقرارهم بالخارج. كما تعكس أجواء الصداقة والمحبة والتفاهم التي كانت سائدة في المغرب قبيل استقلاله بين مختلف الرياضيين بغض النظر عن دياناتهم، وذلك لأن الرياضة كانت بالنسبة إليهم أخلاق قبل كل شيء وتربية على احترام الآخر.. ومع كامل الأسف تم نسيان هؤلاء الرياضيين الذين رفعوا راية المغرب وشرفوا رياضة الدراجات في عصرها الذهبي أيام الاستعمار وبعده.

فيما يلي  حوار مركز مع المخرجة ليلى الدمناتي حول فكرة الفيلم ومراحل وصعوبات إنجازه:

أجرى الحوار: أحمد سيجلماسي

كيف جاءت فكرة إنجاز هذا الفيلم الوثائقي عن والدكم، وهل يمكن اعتباره بمثابة تكريم سينمائي له ولأصدقائه الرياضيين الذين لفهم النسيان؟

حقيقة، كانت الفكرة في الأول أن أنجز فيلما وثائقيا عن أبي، الذي طالما حدثنا أنا و إخوتي، في صغرنا، عن كل ما عاشه هو وأصدقاؤه الدراجين في بداية الخمسينات من مغامرات وأحداث، تارة سارة وأخرى مؤلمة، خاصة في تلك المرحلة التي كان فيها المغرب يرزح تحت نير الاستعمار الفرنسي.. لكن الأمور تطورت عند بداية البحث الميداني ومحاولة الوصول إلى كل هؤلاء الذين عايشوا تلك الحقبة من الزمن سواء كانوا مغاربة أو أجانب، حيث اتضح لي أنه ليست هناك قصة أبي فحسب بل هناك قصص كثيرة و مثيرة خاصة بهؤلاء جميعا. لذلك فأنا لا أسجل فيلمي هذا في خانة البورتريه (portrait) بل أعتبره بمثابة قصة إنسانية اجتماعية تحمل للأجيال الحالية والقادمة دروسا في المحبة والتسامح والإفتخار بالوطن إلى آخر نفس في حياة الإنسان.

أما عن فكرة التكريم فلست أنا التي علي تكريم هؤلاء الأبطال الرياضيين بل الجهات المهتمة بهذه الرياضة في البلاد.

ما أثارني في فيلمكم هو عمق العلاقات الإنسانية التي ربطت بين الميلودي الصغير وباقي أصدقائه الرياضيين، بغض النظر عن اختلافاتهم الثقافية، كيف استطعتم الوصول إلى الأحياء منهم بعد 60 سنة من مغادرة الكثيرين منهم للمغرب الذي عاشوا فيه قبل استقلاله وظلوا متشبثين بالإنتماء إليه رغم جحود المسؤولين عن الرياضة في مغرب ما بعد الاستقلال؟

 لم تكن المهمة سهلة، انطلقنا في البداية طبعا من المغرب، وبمساعدة المنتج كريم عبد الحميد  استطعنا الوصول إلى صلاح بن عمر، أحد أبطال هذه الرياضة الذي لا زال على قيد الحياة أطال الله في عمره، أما الآخرون فقد توفاهم الله برحمته. بعد ذلك سافرنا إلى فرنسا للقاء بأحد الصحفيين الفرنسيين كان يشتغل في القسم الرياضي بجريدة “المغربي الصغير” (le petit marocain ) في الخمسينيات من القرن الماضي، فكانت مساهمته جد مهمة، إذ توصلنا منه بعنوان روني رومانجو (René Remangeon)، أكبر سباق في تلك المرحلة، حيث كان هو الأول على لائحة الأسماء التي أعددناها. وقد شكل ذلك بداية بصيص أمل في العثور على آخرين…

لا أخفيكم أن عملية البحث كانت جد مضنية  معنويا وماديا، فهؤلاء الأشخاص طاعنون في السن وهوياتهم غير موجودة على شبكات التواصل الاجتماعي، بل والأكثر من ذلك كان علينا أن نكسب ثقتهم حتى يكشفوا لنا عن أسرارهم بكل عفوية وطمأنينة.

الفيلم فيه مجهود ملحوظ على مستويات الإنتاج والبحث عن الوثائق المناسبة والشخصيات المهتمة التي قدمت شهادات وإضاءات عن رياضة سباق الدراجات التي عرفت بالمغرب ربما منذ عشرينيات القرن الماضي وشهدت أوجها في مرحلة 1945- 1952.. كم كلفكم من المال والوقت إنجاز هذا العمل الفني المشرف للفيلموغرافيا المغربية؟

استغرق إنجاز الفيلم إجمالا خمس سنوات، مقسمة إلى شطرين، الأول مدته ثلاث سنوات تم فيها الإعداد والبحث عن الرياضيين القدماء والمتدخلين والأخصائيين في الميدان الرياضي والتاريخي وصور الأرشيف، مع تصوير أولي.

وهنا أريد أن أشير إلى أهمية الأرشيف، المكتوب والمصور، وخاصة المرئي منه. فلله الحمد كان بجانبي أحد المختصين المغاربة القلائل في هذا الميدان، ساعدني في الوصول إلى صور أكاد أقول أنها نادرة، كلفت ما كلفت، ليس هذا هو المهم، ولكنها أحسستنا بشيء من الحسرة، إذ أغلب أرشيفنا يوجد خارج بلدنا، ونحن في وطننا العزيز لا زلنا لا نعير اهتماما لقيمة وأهمية تراثنا السمعي البصري وضرورة رقمنته والحفاظ عليه لصالح الأجيال القادمة.

أما الشطر الثاني فكانت مدته سنتان شملتا كتابة السيناريو النهائي والتصوير ومرحلة ما بعد الإنتاج.

فيما يخص الإنتاج، كانت تكاليفه باهظة، لكن همي الوحيد كان هو إنجاز فيلم وثائقي بكل المعايير المتعارف عليها عالميا، أولا من ناحية المحتوى، وثانيا من حيث تقنيات التصوير والمونطاج والموسيقى وغير ذلك.

عن بيت الفن

شاهد أيضاً

أحمد سيجلماسي

أحمد سيجلماسي يلقي درسا حول السينما بالمغرب بجامعة فاس

يلقي الناقد والصحافي السينمائي أحمد سيجلماسي درسا تحت عنوان..السينما بالمغرب: الذاكرة والتاريخ.. عصر يوم الأربعاء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *