فيلم من إخراج جمال بلمجدوب وبطولة نادية كوندا..يونس بواب ومحمد خيي
بيت الفن
شهدت عروض، اليوم الخميس 11 نونبر 2021، تقديم الفيلم المغربي “امرأة في الظل” بقاعة سينما هوليوود بسلا، وهو من إخراج جمال بلمجدوب، وبطولة نادية كوندا، ويونس بواب، ومحمد خيي، وسعيدة باعدي، وعبد اللطيف شوقي…
الفيلم، الذي سبق عرضه في الدورة الأخيرة للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة (دورة مارس 2020)، عبارة عن ”بسيكودراما”، تسرد قصة شابة في مقتبل العمر (سارة) عانت تجربة زواج فاشلة وقاسية انتهت بالطلاق، لتقع مرة أخرى في شراك شاب جذاب، لكنه يعاني مشاكل نفسية.
يقرر (سعيد) استغلال (سارة) في كتابة سيناريو تكون هي بطلته، ويسعى إلى التحكم في مصيرها تماما، كما يتحكم في مصائر شخصيات السيناريو وأحداثه، مسببا لها الكثير من الأذى، لكن النهاية تأتي على خلاف ما خطط له لينكشف أمره ويجري اعتقاله.
وحسب قراءة للكاتب المغربي مخلص الصغير فإن “امرأة في الظل” توليفة بين نسخة مغربية جديدة من أفلام الإثارة والتشويق، وقصص الجريمة والتحقيق، وبين نسخة معدلة من سينما المؤلف، تراهن على السيناريو، بينما تعيد كتابة الأحداث بواسطة المشاهد والصور.
يبدأ الفيلم في ملجأ خيري، حيث تلتقي “سارة”، وهي ابنة رجل ثري، بـ”سعيد”، الذي عاش في هذا ملجأ خاص بالأطفال المتخلى عنهم، إلى أن حصل على شهادات عليا، وصار كاتبا، لكنه مر بتجربة زواج فاشل، على غرار سارة تماما.
في ساحة الملجأ تعانق “سارة” طفلا صغيرا لم يتجاوز السنتين، قبل أن تلتقي بـ “سعيد”، ليدخلا في عناق طويل قادهما إلى الزواج. وقد عاشا معا في فيلا فاخرة على ملك والدها.
مشكلة سارة أنها تعاني مرض “الجاثوم”، وهو مرض نفسي يدفع المريض إلى النهوض من فراشه ليلا والتجول في البيت، وربما مغادرته، والقيام بأشياء كثيرة، دون أن يعي ذلك. كما تعيش لحظات من الخوف، حتى في قلب النهار، لمجرد سماع حركة في البيت، أو لأي سبب كان. وهذا ما تمهد له موسيقى تصويرية معبرة ألفها يحيى بادوي ببلاغة لحنية قوية، مع تشكيل فني للإضاءة في هذا الفيلم. فمرة، تستيقظ سارة وتتصل بأمها وتخبرها أن زوجها يريد قتلها، ثم تعود إلى النوم، من غير أن تتذكر بأنها قامت بالاتصال.
وحين يأتي الأب والأم يكتشفان أن ابنتهما لا تزال تعاني ذلك المرض النفسي. وفي ليلة أخرى، تستيقظ سارة من نومها دون أن تستيقظ تماما، ويخيل إليها أنها تقتل زوجها، ثم تتصل بالشرطة، وتخبرهم بأنها قتلته. وحين يحل رجال الشرطة بالبيت يكتشفون أنها واقعة تحت تأثير المرض النفسي.
في مقابل ذلك، يبدو زوجها سعيد هادئا، وهو يشتغل روائيا وكاتب سيناريو، تترجم روايته إلى لغات أجنبية، بينما يواصل نجاحاته الأدبية. وقد أغرته حالة زوجته سارة بكتابة سيناريو عنها، فشرع يدون على حاسوبه فصولا من مشروع سينمائي يعيش تفاصيله في بيته، ومع زوجته بشكل يومي.
اقتنت سارة وشاحا لها وآخر مثله تماما لقريبتها التي تجمعها بها صداقة متينة. وقد حرصت صديقتها على ارتداء الوشاح حين كانت تزورها، تقديرا لهديتها الرمزية. ذات مرة، دخلت سارة إلى غرفة نومها، وأطلت تحت السرير فوجدت الوشاح، وصارت تتوهم وجود علاقة خيانة بين قريبتها وزوجها، ناسية أنها اقتنت لنفسها أولا وشاحا وهو الذي عثرت عليه تحت السرير.
كل هذه الأحداث كان الزوج سعيد يدونها ويحرر بها نص السيناريو الجديد، لكنه صار يختلق ويتخيل مسارات للشخصيات ومجريات للأحداث، فتوهم بأن سارة سوف تقتل قريبتها، وأن هذه السيدة لا بد أن تموت، فقام بقتلها فعلا، ودفنها في حديقة البيت.
وقد أراد سعيد أن يوهم الشرطة بأن زوجته هي التي قتلت، وفقا للسيناريو الذي يكتبه. كما قرر أن يقتل الزوج سارة في السيناريو، وفقا لمخطط السيناريو، دائما، فما كان له إلا أن أقدم على محاولة قتلها حقيقة، لكن رجال الشرطة كانوا قد حضروا إلى البيت، واكتشفوا جريمته، وجنونه الذي جعله يحاول تحقيق السيناريو وتطبيقه على أرض الواقع.
وفي نهاية الفيلم، تستقبل بطلة الفيلم سارة ذلك الطفل الصغير في بيتها، الذي عانقته في ملجأ الأطفال المتخلى عنهم، قبل أن تلتقي بسعيد. وهو الطفل الذي تمنت سارة أن تتبناه وترتضيه ابنا لها. لكن، هل كان من الضروري أن يكون الزوج سعيد “القاتل” قادما من الملجأ بالضرورة؟ لعل هذا من بين ما يحدث للمخرج حين ينشغل بالصورة.
وإذا كانت السينما خيالا متوقعا، حسب ستانلي كوبرك، فإن ما أراده بطل الفيلم، بوصفه مؤلفا روائيا وكاتب سيناريو، هو محاولة جعل ما يتخيله واقعا، لكن الأمر يصير غريبا فعلا، على نحو ما تقوله العبارة الشهيرة “أغرب من الخيال”.
وحسب مخلص الصغير فإن المخرجين يسألون عن كل تفاصيل الفيلم، ومن ذلك مسألة إدارة الممثل. ومع جمال بلمجدوب، في هذه التجربة الفريدة، أمكن الحديث عن إدارة المخرج. لقد اختار بلمجدوب ممثلة قوية لدور البطولة هي نادية كوندا، التي توجت بجائزة المهرجان الوطني للفيلم في طنجة وبجائزة أحسن ممثلة في مهرجان الجونة السينمائي في مصر. كما اختار ممثلا محترفا هو يونس بواب، حصل على جوائز مماثلة. وأمام براعته، وبراعة نادية كوندا، صار الممثل هو الذي يقود المخرج، ويمنحه فرصة لتقديم عمل ممهور بعناية، حيث ينحت الممثل دوره، بل يساهم في رسم باقي عناصر الفيلم ومكوناته.
هذا فضلا عن استعانة المخرج بكاتب سيناريو متمرس هو الكاتب جلال بلوادي، مع أن المخرج نفسه هو أستاذ لمادة السيناريو. وهنا نكون أمام “فيلم السيناريو” إن صح التعبير، حيث يتدخل في كتابة السيناريو ثلاثة متخصصين، أولهم كاتب سيناريو الفيلم جلال بلوادي، والثاني هو المخرج وأستاذ السيناريو جمال بلمجدوب، والثالث هو بطل الفيلم، الذي يؤدي دور كاتب سيناريو أراد لنصه أن يتحقق على أرض الواقع، فصار يسعى إلى قتل من يريد، متخيلا أن الواقع من حوله ما هو إلا فيلم سينمائي، وأن الناس المحيطين به ما هم إلا ممثلون يؤدون أدوار شخصيات روائية وسينمائية متخيلة.
ويرى الصغير أن جمال بلمجدوب قد اشتغل على كل العناصر الفيلمية، لكنه ربما أهمل عنوان الفيلم، حين اقترح عنوانا دارجا ومستهلكا هو “امرأة في الظل”، وهو عنوان لروايات ودواوين شعرية عربية ومغربية، آخرها رواية للكاتب المغربي عبدالجليل الوزاني.
كما نستحضر هنا فيلما بالعنوان نفسه للمخرج رالف فينس، يحكي أسرارا من حياة الكاتب الإنجليزي تشارز ديكنز، وعلاقته الملتبسة بالممثلة الشهيرة إيلين تيرنان، المعروفة بنيلي تيرنان. حيث يلمح الفيلم إلى حقائق أدبية تؤكد تمثل ديكنز لمعشوقته في العديد من الشخصيات التي رسمها في رواياته المعروفة، أمثال “قصة مدينتين” وأوليفر تويست” و”دايفد كويرفيلد”…..