توقيع كتابي أفاية والشرايبي بمكتبة “أكورا”
تطوان: بيت الفن
اختتم البرنامج الثقافي للدورة الـ27 لمهرجان تطوان سينما البحر الأبيض المتوسط بتوقيع كتابين حول السينما، الأول للناقد السينمائي والمفكر المغربي محمد نور الدين أفاية بعنوان “معرفة الصورة، في الفكر البصري، المتخيل، والسينما” قدمه الباحث المغربي في الجماليات المعاصرة عبد العلي معزوز، والثاني للمخرج السينمائي المغربي سعد الشرايبي بعنوان “شذرات من ذاكرة سينمائية”، قدمه الباحث كريمو الشيكر.
وشدد المشاركون في اللقاء الذي احتضنته مكتبة “أكورا” بتطوان ضمن فعاليات المهرجان، على ضرورة الكتابة حول السينما تنظيرا ونقدا وتوثيقا.
وقال سعد الشرايبي، إن هاجس التوثيق كان الدافع الأبرز لكتابة مؤلفه “شذرات من ذاكرة سينمائية”، مشيرا إلى أن فكرة الكتابة راودته حين كان يتأهب لتصوير فيلمه السينمائي «عطش» سنة 1994، حيث اصطدم بغياب كلي للأرشيف المتعلق بتاريخ منطقة تنجداد التي تدور فيها أحدات الفيلم خلال الفترة الزمنية 1954.
ولإنجاز فيلمه اضطر الشرايبي للجوء إلى الأرشيف الفرنسي، وعندها اكتشف أن هناك شيئا غير مفهوم يحصل في المغرب، وهو أن الاهتمام بتدوين ذاكرتنا شبه غائب تماما، ومن ثمة قرر المساهمة في كتابة جزء من ذاكرتنا السينمائية، للأجيال الجديدة التي لا تعرف شيئا عن الماضي.
ويستعرض الكاتب والمخرج السينمائي سعد الشرايبي في كتابه، مسار 50 سنة من كواليس وتاريخ السينما المغربية.
ويناقش في فصوله المتنوعة عبر 235 صفحة من القطع المتوسط، الأحداث التي طبعت (السينما المغربية)، من قبيل مهرجانات السينما، الجامعة الوطنية للأندية السينمائية، المركز السينمائي المغربي، تنظيمات مهنية، النقد السينمائي في المغرب، إلى جانب كتابات تأملية وتفكيرية حول الأدوات واللغة السينمائية.
ويكفي أن نذكر أن الفصل الأول الذي عنونه الشرايبي بـ”التاريخ”، يتحدث عن أولى ذكرياته عن السينما المغربية تعود إلى الستينيات من القرن الماضي، مبرزا أنه نسج علاقة مع ثلة من أبناء الحي، الذين أتوا من مناطق مختلقة، وكانوا في غالبيتهم طلبة في كلية الطب، وكان من بين هذه الجماعة واحد له علاقة بالراحل محمد الركاب، الذي دخل المغرب، بعدما أكمل دراسته في المجال السينمائي بموسكو. يقول الشرايبي في الفصل نفسه أن أصدقاءه كانوا يناقشون جميع المواضيع الراهنة التي تسيطر على الساحة الثقافية والسياسية والفنية، وكان سؤال الحالة الاجتماعية في المغرب يثير حفيظتهم.
لقد حاول الشرايبي في منجزه أن يواكب الحركة السينمائية المغربية برجالها، وفتنتها وآمالها وتطلعاتها، وكذا أزماتها. وبلغة فرنسية تنتمي إلى السهل الممتنع سلط الضوء على تجارب سينمائية ومهرجانات، ففي فصول الكتاب الثمانية، يؤكد الشرايبي أن الكتاب ثمرة مجهود ومثابرة، من خلال مجموعة المقالات التي كتبت في أمكنة وأزمنة مختلفة.
من جانبه قال محمد نور الدين أفاية إن كتابه “معرفة الصورة، في الفكر البصري، المتخيل، والسينما” الصادر عن المركز الثقافي للكتاب، يندرج ضمن ثلاثية فكرية ونقدية هي “صور الوجود” و”الصورة والمعنى، السينما والتفكير بالفعل” الذي نشره سنة 2019، ثم “معرفة الصورة”، تشكل مشروعا مترابطا حول سؤال الصورة.
يتوخى الكتاب تعميق أسئلة الإدراك، والفكر البصري، ومفعولات المتخيل في تلقي السينما وفهمها، وهي موضوعات كان أفاية قد شرع في تناولها منذ مدة، ولا سيما في الفصل الثاني من كتاب “الصورة والمعنى”.
واشتمل المؤلف الجديد لمحمد نورالدين أفاية: “معرفة الصورة، في الفكر البصري، المتخيل، والسينما” على قسمين وأربعة فصول، تعرض في القسم الأول إلى موضوعات الصورة والمسألة البصرية، من خلال إعادة استحضار موضوعة الإدراك والتحولات الدلالية التي تعرض لها في الإنتاج الفلسفي والنظري المعاصر.
وتوقف أفاية، بشكل رئيسي في فصله الثاني، عند إشكالية الصورة مبرزا معانيها، ومفارقاتها، ومحدداتها، وعند التفاعلات التي تحصل على من يتلقاها، وتأثيرات المتخيل على عمليات إدراك الصورة وفهم مكوناتها شكلا ومضمونا.
أما في القسم الثاني للكتاب فقد تعرض إلى المحاولات الأولى للتفكير في السينما فلسفيا، سواء من طرف فلاسفة محترفين، كما هو شأن هنري برغسون وموريس ميرلو بونتي، أو محاولات سينمائيين رأوا في العدة السينمائية فرصة لصياغة أسئلة وجودية ترقى إلى مستوى التجريد الفلسفي، كما هو حال سيرجي إيزنشتاين، وجان إبشتاين وغيرهما، فضلا عما قدمه النقد السينمائي في تعميق هذه الأسئلة، ولا سيما ما أنجزه آندري بازان في هذا المجال، كما تناول أعمال مفكرين وباحثين اجتهدوا لصياغة تعقيدات دلالات الصورة السينمائية في علاقتها بالمتخيل وباللغة وبالفكر.
وشدد أفاية في مقدمة الكتاب، على أنه “لا تحركه حوافز تنظيرية لمسألة الصورة ولِما هو بصري، فتلك مهمة ليست هينة في كل الأحوال، بمقدار ما حركته الرغبة في الفهم، حيث اعتمد على اختيارات العرض والتدقيق والترجمة واستشكال الاجتهادات النظرية المختلفة التي تناولت الصورة وتحولاتها الدلالية في ضوء ما تتعرض له من تسارع تقني غير مسبوق…
وأضاف أن “موضوعات الصورة والبصري والمتخيل والسينما تضع المرء، باستمرار، أمام جدلية متجددة للاقتراب والابتعاد، البسيط والمعقد، الذاتي والموضوعي، الوعي واللاوعي، التجريبي والعقلاني، التوحيد والصدْع، وغيرها من المتقابلات التي تتشكل أثناء لحظات النظر إلى الصورة، كما هو الشأن عند تشكيل المقومات لمنتجة للفكر”.
وأشار أفاية إلى أن هذا الكتاب، في الواقع، هو تمهيد لعمل لاحق سيركز على ما أنتجه فلاسفة كبار عن السينما، وما قدموه من رؤى واجتهادات فلسفية حولها.