الرواية العالمية

“لعبة الكتابة” مع عمالقة الأدب

بيت الفن

انطلاقا من أن الحوارات الأدبية هي في الأساس مناوشات فكرية تنطوي على فضول مقبول موجه بكياسة عالية لدفع الكاتب أو الروائي إلى الاعتراف بجوانب قوته وضعفه وأسرار حرفته، عمدت الروائية والمترجمة العراقية لطفية الدليمي إلى انتقاء أربعين حوارا مع أهم الروائيات والروائيين والبعض منهم فاز بجائزة نوبل في الآداب، في كتابها الصادر، أخيرا، عن دار المدى بالعراق بعنوان “فيزياء الرواية وموسيقى الفلسفة”.

حوارات مختارة مع روائيات وروائيين، وحتى يحقق الحوار الهدف منه باعتباره إبداعا موازيا للنص الروائي نأت المترجمة عن تلك الحوارات السريعة أو المرتبطة بلحظة آنية أو حدث معين، أو تلك السريعة التي لا تثري القارئ معرفيا. كذلك راعت المترجمة أن يكون الروائيون يمثلون بيئات وثقافات مختلفة للمساعدة في استجلاء ملامح الهوية الذاتية والإبداعية لهم.

ولم يقف دور لطفية الدليمي على ترجمة الحوارات، بل امتد إلى تقديم سيرة ذاتية وإبداعية لكل كاتب قبل نص الحوار.

أما عن سبب اقتصار الحوارات على مبدعي الروايات تقول المترجمة “يركز الكتاب على الكتابة الروائية الجديدة بوصفها أداة معرفية تنهض على تحولات المجتمع الإنساني والمفعمة بأساليب وأبعاد جمالية مثلما تحتوي على تباينات في آراء وأفكار الروائيين لدى تناولهم أساليب الإبداع وأسئلة الحياة والموت. وأيضا لأن الروائيين الكبار يلقون الأضواء الكاشفة على حياة الشعوب وأساليب عيشها وتعاملها مع معضلات الوجود الأساسية”.

في حوار معها تضمنه الكتاب، تؤكد إيريس مردوخ على أنها تضع خطة تفصيلية لروايتها قبل أن تجلس لكتابة الجملة الأولى، تخطط لكل شيء حتى ترتيب الفصول والحوارات، وعليها بعد ذلك أن تعمل يوميا لساعات طوال حتى تنفذ ما خططت له، وتذكر أنها مازالت تكتب بالقلم على الورق ولا تستخدم الكمبيوتر.

وعن طقوسها في الكتابة تقول توني موريسون “لدي عادات كتابية مثالية لم أضعها يوما موضع التنفيذ الكامل: فقد يحصل أن أمكث تسعة أيام متواصلة لأكتب في المنزل دون اختراقات أو انقطاعات ولا أستلم في العادة أي مكالمات هاتفية، وأحرص أن يكون لي فضاء يحوي مناضد واسعة للكتابة لاشيء غير هذا” لكنها في ذات الوقت، تعترف بأنها قلما حافظت على هذه العادة بكامل تفاصيلها.

ويقول البرتغالي خوسيه ساراماغو “أنا كاتب منضبط تماما ولا أرغم نفسي على العمل لساعات محددة كل يوم، ولكن أطالب نفسي بإنجاز قدر محدد من العمل المكتوب كل يوم والذي يعادل صفحتين عادة، وقد يظن البعض أن كتابة صفحتين من العمل المكتوب يوميا إنجاز بسيط لا يعتد به ولكن ينبغي أن نتذكر أن كتابة صفحتين يوميا ستعادل في نهاية كل عام ما يقارب الـ800 صفحة”.

بينما ترى التركية أليف شفق أن كتابة الرواية بالنسبة إليها “رحلة جوانية لا نهائية وأنا أعاني شخصيا من تغير محسوس مع كل كتاب أكتبه. قبل أن أكتب (قواعد العشق الأربعين) كنت مهووسة بالتصوف لأكثر من ست عشرة سنة، وكان اهتمامي في بداية الأمر يتعدى حدود الفضول الذهني المجرد والمتعة العقلية الخالصة، ولكنه مع الوقت استحال علاقة عاطفية عميقة: ففي بداية الأمر كان عقلي يقودني في مسلك التصوف، وبعد حين من الوقت أسلمت القيادة لقلبي بالكامل”.

أما الروائي التركي الآخر أورهان باموق فيقول إنه ينفق يوميا عشر ساعات في الكتابة، ويضيف “أنا مثابر للغاية وأحب عملي جدا. يقول الناس عني إني جامح الطموح وربما كان في هذا القول شيء من الحقيقة ولكنني أعشق ما أفعله. أبتهج كثيرا بالجلوس إلى منضدتي والشروع في الكتابة مثلما يبتهج طفل بلعبته. إنه عمل جاد بالأساس لكن فيه متعة وألعاب مسلية أيضا”.

ويلاحظ أن عددا كبيرا من الروائيين أكدوا أهمية العزلة لهم، بول أوستر اخترعها في أول أعماله النثرية “اختراع العزلة” (1979)، حيث إنه يعود إليها كثيرا في رواياته التالية، بينما ترى أليف شفق أن الكتابة هي الضريبة التي ندفعها لقاء عزلتنا وتوحدنا مع ذاتنا، ويراها كارلوس فوينتس أنها أكثر المهن تعايشا مع الوحدة، بينما أنتونيا سوزان بيات لا تكتفي بالتأكيد على حاجة الكاتب إلى العزلة بل تؤكد أن التوق إلى العزلة من موضوعاتها الكتابية الأثيرة، بينما آخرون لا تعنيهم عزلتهم، والهندية أنيتا ديساي تؤكد كذلك على أن كل الكتاب يعتبرون أنفسهم كائنات معزولة.

لكن ذلك ليس رأي الجميع، إذ تكشف الحوارات عن تباينات عديدة في وجهات نظر الروائيين الكبار، فترصد المترجمة في تقديمها للكتاب طغيان الفردانية والذاتية المفرطة والنزعات الأبيقورية لدى الغربيين وانكفائهم على المشكلات الفردية المتأتية من ضغوط المجتمع التنافسي والإخلالات القيمية، والشرقيين كذلك هم عموما يشتركون في مضامين تتبنى الهموم الجمعية والمعضلات العامة والتوق الإنساني إلى الحرية والكرامة واشتراطات حياة فضلى وإغفال لما هو شخصي وذاتي غالبا.

فمثلا النيجيري شينوا أتشيبي يرى أن الكاتب هو في الأصل مواطن، يعانى ما يعانيه غيره، ويؤمن بأن الفن الجاد والجيد هو وجد لخدمة الإنسانية وليس لإدانتها، كذلك خالد حسيني الذي يصف بلده أفغانستان بأنه البلد الأسوأ حظا في العالم، إنه لا يكتب إلا عن أفغانستان رغم إقامته في الولايات المتحدة، ويرى في ذلك نوعا من الالتزام الأخلاقي والإنساني تجاه مواطنيه، على العكس من الأمريكية ريبيكا غولد شتاين التي تعالج موضوعات فلسفية في رواياتها.

عن بيت الفن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Protected by Spam Master